غزة – “القدس العربي”:
دمار كبير وحرائق وشوارع مغلقة بالركام، وعائلات ثكلى وأرامل وأيتام، وحالة خوف منقطعة النظير، هكذا خلفت قوات الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن هاجمت بعنف الأطراف الشمالية لمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، بشكل فاق كل الهجمات التي شهدها المخيم منذ بدايات الحرب.
أحياء تتوشح بالسواد
ففي تلك المنطقة، والواقعة في الحي الجديد لمخيم النصيرات وأطراف المنطقة المحيطة بشركة الكهرباء وحي المفتي، تبدلت المعالم بشكل كبير، فلا العوائل أصبحت كما كانت قبل هذا الهجوم، ولا العوائل أيضا.
فهناك يخيم الحزن على المشهد، والدمار يذكر المواطنين بما حل بهم من خوف وموت ودمار، عايشوه على مدار أكثر من 48 ساعة متواصلة، حتى إن الكثيرين ممن نزحوا تحت وابل القصف والدمار سالكين “طرق الموت” لا زالوا يخافون الرجوع في هذا الوقت، خشية من تكرر الغارات.
وفي تلك المنطقة لا يزال السكان يروون الحكاية المؤلمة، والتي بدأت فصولها حين قامت قوات جيش الاحتلال بعد تصعيدات محدودة اعتاد عليها السكان طوال الفترة الماضية، بشن هجوم بري بدأ مساء الخميس، حاصرت فيه الكثير من المربعات السكنية شمالي مخيم النصيرات، بعد أن قامت بشن غارات جوية عنيفة، استهدفت مربعات سكنية، فأوقعت عشرات الضحايا، كان من بينهم أطفال رضع وأشقاء ورجال ونساء ومسنون.
أصبحت أصوات القصف والمدافع إلى جانب أبواق عربات الإسعاف وصراخ المكلومين، هي الأصوات التي سادت المنطقة على مدار يومي المجازر الدامية،
وأصبحت أصوات القصف والمدافع إلى جانب أبواق عربات الإسعاف وصراخ المكلومين، هي الأصوات التي سادت المنطقة على مدار يومي المجازر الدامية، وبات الهروب من تحت النار أمرا أشيه بالمستحيل، فالقذائف والصواريخ كما يقول أحمد الطويل أحد سكان الحي الجديد، كانت تتساقط على كل مكان.
ويضيف هذا الشاب، الذي ظلت عائلته القاطنة في أحد المربعات السكنية وسط الحي، داخل منزلها ترتقب ما سيحل بها على مدار يومين كاملين، وخشيت أن تخرج إلى مناطق النزوح، خشية من استهدافها بالطيران الحربي والمسير.
ويقول هذا الشاب لـ “القدس العربي”: “كان المشهد مرعبا، القصف لم يتوقف أبدا، إما قصف مدفعي أو جوي أو إطلاق نار”، ويشير إلى أن أسرته كباقي الجيران ظنت أنها ستسقط كالعائلات الأخرى التي انهارت المنازل فوق رؤوس ساكنيها، وكان من بينها منزل يقطنه صديق له، قضى في قصف مربع سكني ضم عدة عوائل.
وكانت قوات جيش الاحتلال خففت من حدة القصف الجوي والمدفعي على مناطق شمال مخيم النصيرات، ظهر السبت، وأمضى السكان أعنف أوقات الخوف والقصف ليل الجمعة وفجر السبت.
وقد أوضح الشاب أحمد الطويل، أنهم لم يعرفوا طعم النوم طوال تلك الليلة المرعبة، وأنهم كانوا يسمعون أصوات تحركات الدبابات بشكل واضح، ما يدلل على اقترابها من منطقة سكنهم.
ساعات الرعب
وقال أحد السكان وقد فضل عدم ذكره اسمه، وهو ممن اضطروا للنزوح في قبل حلول ليل العملية الثاني، إنهم كانوا يسمعون صراخ العوائل المستهدفة في محيط سكنه، ما اضطره بعد استهداف أيضا مدرسة تؤوي نازحين للخروج، خاصة وأن الأخبار التي تصل من شمال غزة الذي يتعرض لعملية برية منذ 30 يوما، كانت تشير إلى أن الهجوم على مراكز الإيواء، كان يسبق التوغل البري.
ولم يكن الأمر بعيدا عن سكان الحي رقم 5 المجاور، فأصوات القصف كانت تسمع بشكل جلي إلى جانب أصوات الدبابات، التي تحركت ووصلت إلى أماكن قريبة جدا من مناطق سكنهم، حتى إن الكثير من سكان هذا الحي تهيأوا للنزوح ليلا إلى مناطق جنوب ووسط المخيم، رغم التحليق المكثف للطيران الاستطلاعي بشتى أنواعه، وفي مقدمه “كواد كابتر”، وهي طائرات تقوم بإلقاء قنابل وإطلاق نار على تجمعات المواطنين.
وقال محمد إسماعيل من الحي، إن أصوات القصف وسيارات الإسعاف ضاعفت من حالة الخوف خاصة لدى الأطفال، حيث أقدم الرجل على تجميع أفراد أسرته في غرفة واحدة، بعد أن جهز حقيبة الاخلاءات التي تشمل أوراق العائلة الثبوتية، وبعض الملابس والقليل من الطعام.
وأوضح أنه على مدار يومي العملية العسكرية العنيفة، كانت سماء المنطقة ملبدة بسحب الغبار الناجمة عن عمليات قصف ونسف المباني، ويقول وهو يشرح حالة الخوف إن ابنته ا(لبالغة من العمر 14 عاما) خشيت من الذهاب إلى الحمام ليلا، خشية من القصف المتلاحق.
دمار كبير
ووفق إحصائية طبية، فقد سقط جراء تلك الغارات أكثر من 45 شهيدا، وعشرات الجرحى، بينهم من لا يزال يعاني من إصابات بالغة الخطورة، فيما تواصل طواقم الإنقاذ عمليات البحث عن ضحايا تحت الركام، ويوم الاحد تمكنت من انتشال خمسة جثامين.
وذكر المكتب الإعلامي الحكومي، أن جيش الاحتلال قام بقصف وتدمير 254 وحدة سكنية خلال الـ48 ساعة التي نفذ فيها الهجوم البري، وأنه استخدم أسلحة مُحرمة دولياً من خلال إلقائها بشكل عشوائي من الطائرات المقاتلة والدبابات الحربية، وأنه قام بزراعة براميل متفجرة بين منازل المواطنين وقام بتفجيرها عن بُعد دون أية اعتبارات قانونية، وكذلك استخدم صواريخ ذات قدرة تدميرية هائلة ضد منازل المواطنين المغطاة غالبيتها بألواح الاسبست والألواح المعدنية، مما جعلها أثراً بعد عين وبشكل يفوق التصور الإنساني.