لم يبقَ أمام الأحزاب في العراق الوقت اللازم لإعلان الكتلة الكبرى، التي تؤهلهم لتشكيل الحكومة بعد قرب انتهاء المدة القانونية المتعارف عليها، حيث بات من المستعجل أن يطلب رئيس الجمهورية دعوة البرلمان الجديد، لعقد جلسته الأولى، وهذا يعني انه لم يتبق للكتل السياسية إلا فترة قصيرة لتكوين الكتلة الأكبر، والبدء بتشكيل الحكومة. وعلى العكس قد تعيق هذه الإشكالية الدستورية نظام العملية السياسية التي أقرها الدستور وتدفع بالعراق إلى نظام سياسي غير واضح المعالم والحدود.
وفي خضم الأزمة الانتخابية الفاشلة التي عاشها العراق ومقاطعة أغلبية العراقيين المشاركة في التصويت، انطلاقا من فكرة رفض الشارع العراقي، لإفساح المجال لعودة الفاسدين والمزورين تحت قبة البرلمان، والدور الأمريكي ـ الإيراني في استمرار العملية السياسية، يرى كل من له بصيرة وطنية، ان مستقبل العملية السياسية في العراق بات قاتما مع تفاقم حدة تأثير العوامل الخارجية، نتيجة لتزامن العقوبات الاقتصادية الأمريكية على طهران مع فترة الانتخابات، وأليات تشكيل الحكومة العراقية، التي تنذر بنهاية التوافق الأمريكي ـ الإيراني على العملية السياسية في العراق واحتمال انفجار المشهد السياسي العراقي في النهاية نتيجة لصراع أحزاب الدين السياسي فيما بينها في حالة الإخفاق في التوصل لحلول تضمن لها الحصول على الكتلة الأكبر.
وعلى الرغم من تصاعد حدة النشاط الذي تشهده العاصمة لتشكيل الحكومة، والتفاؤل المُصاحب لتصريحات زعماء الأحزاب المتصارعة، وباختلاف تنوعها وتبعيتها القائلة «ان عملية الوصول للكتلة الأكبر قطعت أشواطا كبيرة، ولم يتبق منها الإعلان الرسمي»، بيد ان حالة المشهد العراقي القابع وراء الكواليس، يخفي في طياته الكثير من الحقائق التي أفرزتها التعقيدات السياسية الخارجية، الناتجة من تداعيات تطور الصراع الأمريكي ـ الإيراني، والاحتمال الكبير لتأثيره على الوضع السياسي والاقتصادي للعراق. ناهيك عن حجم المشاكل الداخلية العالقة للمكونين السني والكردي مع الأحزاب الشيعية، التي أفرزها نظام المكونات الطائفي، والتي قد تقف عائقاً في طريق الوصول لحلول تضمن تشكيل الكتلة الأكبر.
وفي الوقت الذي تتسارع خطى هذه القوى السياسية نحو هدف الوصول إلى الكتلة البرلمانية الأكبر، ليتسنى لها تشكيل الحكومة المقبلة، وفي الوقت الذي تتزايد التصريحات، وتتعدد المصادر عن نجاح هذه التحالفات التي تقوم بها أحزاب الدين السياسي السنية والشيعية، للوصول وحسب ما يرددونه للكتلة الأكبر، يدخل الصراع الأمريكي مع إيران المشهد السياسي العراقي ويزيده تعقيداً وانقساما، إلى درجة التأثير على قدرة إيران أو أمريكا على فرض العامل الطائفي في ترتيب المشهد السياسي لصالحهما.
من هنا ونتيجة لهذا التطور في الصراع الأمريكي ـ الإيراني وتداعياته على استمرار العملية السياسية، بات من الواضح احتمال تأثيره على استمرار وحدة التحالف الوطني الشيعي، في ظل صراع المناصب وانقسام ولاء زعماء الأحزاب الشيعية بين أمريكا وإيران، مع تزايد الضغط الأمريكي والإيراني على حد سواء، إذا أخذنا بعين الاعتبار، اتساع فجوة الخلاف بين كتلتي «سائرون» المدعومة من مقتدى الصدر و«النصر» بزعامة حيدر العبادي، وكتلتي «الفتح» بزعامة هادي العامري و«دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، والذي قد لا يتلاءم نوعاً ما مع التوجهات العامة للاستراتيجية الإيرانية التي اعتادت طهران من فرضها في العراق، في الوقت الذي حسمت الولايات المتحدة على ما يبدو، خيارها باتجاه الاستمرار في دعم حليفها القادم من حزب الدعوة، المتمثل في شخصية رئيس الوزراء حيدر العبادي، وذلك طبقا للرسائل التي أوصلها المبعوث الأمريكي ماكغورك إلى الزعماء العراقيين، لتخرج في النهاية عقدة صراع الفوز بالكتلة الأكبر من يد الأحزاب التابعة لإيران، بانتظار من سيقرر في النهاية وبما ستؤول عليه نتائج الأزمة الأمريكية مع إيران.
وبالإضافة إلى هذه الإشكالية الناتجة من انقسام الأحزاب الشيعية وتحولها إلى كتلتين متصارعتين للوصول للكتلة الأكبر، وعجز إيران عن تلافي تداعياتها على مستقبل وجودها في العراق، يدخل العامل الداخلي المتمثل في قدرة المكونين الكردي والسني على عدم الانصياع للدعوة الإيرانية ورفض المشاركة في ائتلاف الكتلة الأكبر التي تفضلها إيران، بحجة الحاجة الضرورية لتنفيذ مطالب المكون السني فيما يتعلق بملفات المناطق المحررة من تنظيم «الدولة» ونبذ النظام الطائفي، من خلال احترام حقوقهم المشروعة في دولة المواطنة، والمطالب الأخرى الخاصة بالأكراد التي حددها الدستور في المادة 140.
من الواضح، ان سعي إيران والإدارة الأمريكية للتأثير على العملية السياسية بالرغم من الصعوبات السياسية والاقتصادية التي يواجها نطام الولي الفقيه واستمرار تدخله في الشأن العراقي، ستعيق لا محالة احتمالات نجاح الوصول لعقد تحالفات لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر لتشكيل الحكومة، وكما ان إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن استراتيجيتها للوصول إلى اتفاق جديد، لوضع حد للتمدد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وإعادته إلى داخل حدوده الجغرافية، سيستغرق بعض الوقت، لهذا بات من الصعوبة استمرار هذه المعادلة بشكلها الذي تعود عليه الساسة العراقيين، نظرا للإرادة الأمريكية الواضحة لتحجيم الدور الإيراني في العراق، لما يتمتع هذا البلد من موقع استراتيجي في سياسة التمدد القومي، حيث أن سحب يد إيران من العراق، ستنقطع كافة خطوط الشبكة التي تربط سوريا ولبنان بإيران وهذا سيؤثر بالتأكيد على شكل وطبيعة الحكومة العراقية المقبلة.
وتبدو مشكلة تعذر تشكيل ما يعرف بالكتلة الأكبر، التي هي أولى خطوات تشكيل الحكومة الجديدة شيئاً طبيعياً ومألوفا للمشهد السياسي العراقي، نتيجة لاستمرار العملية التوافقية التي جمعت الأحزاب العراقية استناداً إلى مبدأ المكونات وما عُرف بمبدأ المحاصصة، الذي أتاح لممثلي هذه المكونات حرية المراوغة، وتمسك كل طرف من الأطراف بشروطه الفئوية، والإصرار على الاشتراك بحقائب الحكومة المغرية، لتتشابه في النهاية وتتطابق مع الأسباب السابقة التي حالت في صعوبة الوصول لاتفاق سريع في ولادة الحكومات في فترة عراق ما بعد الاحتلال، نتيجة لدور التوافق الأمريكي ـ الإيراني وقدرته في ترتيب الأمور وتقسيم الحصص بين الأحزاب المشاركة في العملية السياسية.
من هنا، لم يعد خافيا، ان الضوء الأخضر الأمريكي ـ الإيراني التوافقي الذي تنتظره إحدى الكتلتين الرئيسيتين، للوصول إلى كتلة تشكيل الحكومة، قد يطول ولن يأتي هذه المرة، وهذا ما قد يدفع بالعراق إلى القبول بحكومة طوارئ في حال لم يتم التوصل لحكومة جديدة ناتجة من الكتلة الأكبر، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم وأهمية العوامل الداخلية والخارجية، التي أثرت أخيراً على الوضع السياسي والاجتماعي العراقي، والتي قد تمنع استمرار العملية السياسية التوافقية بشكلها الحالي، نتيجة للتغيرات التي طرأت على الوضع الإقليمي بعد الخلاف الأمريكي ـ الإيراني، وتزوير الانتخابات التي سمحت ببقاء الفاسدين، ما زاد في اتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية، بعد التقاء أهداف العراقيين، للوصول إلى هدف تغيير طبيعة النظام.
11HAD
أمير المفرجي