«واشنطن بوست»: ترامب يمثل متاعب مستمرة للفلسطينيين ولا يحمل سلاماً

حجم الخط
0

لندن – «القدس العربي»: يقول إيشان ثارور في صحيفة «واشنطن بوست» معلقاً على تأكيدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحدث عن قدرته تحقيق «صفقة القرن» التي ستجلب السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين على مستوى الكلام لكنه وعلى المستوى العملي قام مع إدارته بكل ما يستطيع لدعم مواقف الحكومة الإسرائيلية المتطرفة «وبهذا قام ترامب وجنرالاته بوضع الأسس للتحول من السياسة الأمريكية المتبعة ومنذ زمن وقلل من احتمال تحقيق السلام». وضمن الجهود التي تقوم بها الإدارة لقتل فرص السلام قامت وزارة الخارجية الأسبوع الماضي بقطع 200 مليون دولار من المساعدات للفلسطينيين كجزء من تخفيض واسع للدعم الخارجي.

ضغط على الفلسطينيين

وزادت إدارة ترامب من حملتها ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تقدم الدعم للاجئين في الضفة الغربية وغزة ولبنان والأردن وسوريا. وهناك شائعات تقول إن الإدارة قد تتوقف عن دعم وتمويل الوكالة الدولية مع بداية الأسبوع المقبل. ويرى ثارور أن قلة اهتمام ترامب بمأساة الفلسطينيين يجب أن لا تدهش أحداً، فلم يخف الرئيس الأمريكي قربه من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي رحب بانتخابه رئيساً عام 2016 ودعم خططه لبناء جدار على الحدود مع المكسيك وصفق لخروج ترامب من المعاهدة النووية مع إيران.
وكان الرجلان مدحا في عدد من اللقاءات الصداقة وتقارب الأفكار بينهما. وأشارالكاتب إلى معارضة وزراء رئيسيين في حكومة نتنياهو لحل الدولتين الذي طالما دعمته الحكومة الأمريكية. بل ويعد سفيره ديفيد فريدمان من أهم المتحمسين للاستيطان في الضفة الغربية. ودعا قبل تعيينه سفيراً إلى وقف الحديث عن حل الدولتين. وبل وتعد بصمة ترامب على الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وهي الإعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية لها، بمثابة رفض لحق الفلسطينيين في القدس الشرقية ودولتهم بشكل عام.

التخلي عن حل الدولتين

وتحاول إدارة ترامب الضغط على الفلسطينيين أكثر فحسب تحقيق نشرته مجلة «فورين بوليسي» بداية هذا الشهر وكشف عن مراسلات لصهر ومستشار الرئيس المكلف بملف التسوية الذي عبر بوضوح عن رفضه للأونروا وضرورة تفكيكها خاصة أن إسرائيل ترفضها. وكتب جارد كوشنر «من المهم القيام بجهود صادقة لوقف الأونروا» وزعم في رسالة ألكترونية كتبها في 11 كانون الثاني (يناير ) هذا العام أن بقاء الأونرا هو بمثابة تأبيد الوضع القائم وهي «فاسدة وغير فاعلة ولا تساعد على السلام».
ويحظى هذا الموقف بدعم من الصقور المتشددين في أمريكا المؤيدين لإسرائيل وكذا داعمي نتنياهو الذين ينظرون لمؤسسات كالأونرا والسلطة الوطنية كبقرة لحلب المال. وهم ساخطون على الأونروا التي تمنح حق اللجوء لأبناء اللاجئين الذين طردوا من أراضيهم التي أقيمت عليها إسرائيل. ويحاول كوشنر والمسؤولون في إدارة ترامب تجريد الفلسطينيين من حق اللجوء وتحديده بعدد قليل كوسيلة لحرمان الأونروا من التفويض الذي تتمتع به في المنطقة. وفي عمود نشره صحيفة «إسرائيل اليوم» التي يمولها الملياردير المؤيد لإسرائيل شيلدون إدلسون نشر الإثنين «يمثل اللاجئون الأمل الفلسطيني لمحو إسرائيل عن الوجود» و «دعم الأنروا يغذي النزاع ولا يساعد على حله».
وكتب كوشنر في رسالته الالكترونية بداية العام «هدفنا هو أن لا نحافظ على الأمور كما هي» و»أحياناً يجب أن تخاطر استراتيجياً وتكسر الأمور حتى تصل إلى ما تريد». لكن تكسير الأمور سيضر بالفلسطينيين خاصة أن الأونروا تقدم الدواء والخدمات التعليمية. ففي الضفة الغربية وحدها توفر المدارس والمراكز المهنية لأكثر من 50.000 تلميذ. ويصل العدد في غزة إلى مليون .
ويقول ديلان وليامز من مجموعة اللوبي اليهودية الليبرالية «جي ستريت» إن «محاولة وقف عمل الأونروا التي يقوم بها كوشنر، وضد نصيحة البنتاغون والخارجية والمجتمع الإستخباراتي، متهورة وخطيرة» وكان يعلق على قطع المساعدات عن الفلسطينيين «فاقمت هذه التخفيضات الأزمة الإنسانية في غزة وأسهمت بعدم الإستقرار الذي يقول الجنرالات الإسرائيليون إنه يهدد الأمن الإسرائيلي. وهذا آخر مثال عن اهتمام إدارة ترامب بالإجراءات العقابية ضد الفلسطينيين أكثر من البحث الجاد عن السلام».
ويرى الجانب الفلسطيني في إجراءات واشنطن ضد الأونروا هجوماً وجودياً على العملية السلمية.
ويرى حسام زملط، مدير بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن أن «هذا مثال جديد يؤكد التخلي عن حل الدولتين وتبني أجندة نتنياهو المعارضة للسلام» وأضاف أن «عسكرة المساعدات والتنمية الإنسانية كوسيلة للإبتزاز لا ينجح». وبالتأكيد فقد رفض القادة الفلسطينيون التحاور مع الإدارة الأمريكية بعد قرار ترامـب بشـأن القـدس كمـا تراجـعت آمـال واشنطن بقدرة السـعودية على دفـع الفلسـطينيين للـعودة إلى التـحاور.
وفي الوقت نفسه عبر القادة العرب عن عدم ارتياحهم من تبني ترامب أجندة اليمين المتطرف في إسرائيل. وكتب يورغين هينسنهوغين المؤرخ للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني «من الصعب عقد سلام مع عدوك ولكن من المستحيل صناعة السلام بدونه» و «لم تنجح مبادرات السلام من طرف واحد في الماضي ولن تنجح الآن».
وكان سفير الولايات المتحدة السابق دان شابيرو أوضح في تغريدة له معلقاً على قرار الإدارة الأخير «يمثل القرار تحركا رهيبا من فريق ترامب الذي يفكر على ما يبدو أن الضغط على الفلسطينيين سيدفعهم إلى الطاولة، لن يأتوا».
وعلى العكس فستشجع قرارات ترامب على التطرف وانهيار السلطة وتهديد إسرائيل كما قال بيتر ليرنر، المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي. وكتب في صحيفة «هآرتس» ان صفقة القرن لن تصنع مع إسرائيل فقط ودفع الفلسطينيين للإذعان سينفجر على باب إسرائيل.

«أتلانتك»: تركيا تحاول الخروج من سوريا بدون خسائر فادحة

في عام 2011 دعمت الحكومة التركية لرجب طيب اردوغان المعارضة السورية لنظام بشار الأسد على أمل توسيع تأثيرها في الشرق الأوسط. ويتساءل جوست هيلترمان من مجموعة الأزمات الدولية إن نجح رهان اردوغان أم لا. وفي مقالته التي نشرها موقع «أتلانتك» جاء فيها إن علاقة تركيا بسوريا تركزت قبل اندلاع الثورة عام 2011 على العلاقات الإقتصادية والحدود المفتوحة، حيث كانت هذه هي البداية خاصة أن أنقرة رأت في سوريا نقطة انطلاق لكي تصبح القوة الإقتصادية الأولى في العالم العربي الذي تراجعت منه بعد خسارة الولايات العربية وانهيار الإمبراطورية العثمانية.
وقدمت الإنتفاضة السورية لاردوغان فرصة ليعيد التفكير حيث وضع ثقله وراء المعارضة التي تمثل الغالبية السنية في معظمها وراهن على إطاحتها لنظام الأقلية العلوية. وفي الوقت ذاته وجدت تركيا نفسها في خلاف مع حليفتها الإستراتيجية الولايات المتحدة التي فرضت إدارتها عقوبات إقتصادية بسبب استمرار احتجاز أنقرة للقس الأمريكي أندرو برونسون.
يقول هيلترمان إن تركيا تحاول بعد سبعة أعوام حماية نفسها من تداعيات الحرب السورية. ويبدو رهان اردوغان على العالم العربي خاسراً حيث تحولت سوريا لمقبرة لما كان يحلم به من إحياء العثمانية الجديدة على حد وصف الكاتب. ويشير إلى أن تركيا التي خرجت من حطام الإمبراطورية العثمانية عانت الكثير من الصدمات والحروب خلال القرن الماضي بما فيها إنقلابات عسكرية حاولت وقف التحديات الداخلية وقاتلت تمرداً مسلحاً عنيداً شنه حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) والذي يزعم أنه يمثل أكراد المنطقة الذين يعيش عدد كبير منهم في تركيا بعدما قسمت بريطانيا وفرنسا إرث الدولة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى.

نزاعات انفصالية

وتتعامل تركيا والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي مع «بي كي كي» كمنظمة إرهابية. وواجهت الحكومات التركية المتعاقبة النزاعات الإنفصالية لدى الحزب بشدة حيث قاتلته وفاوضته وحاولت تهميشه سياسياً. وأدى صعود حزب العدالة والتنمية ذي القاعدة الإسلامية المحافظة لنمو اقتصادي مطرد بدأ من عام 2002. وتبنت تركيا الواثقة من نفسها سياسة «صفر مشاكل» مع جيرانها وقدمت نفسها على أنها «دوزين كوروتشو» أو «ميزان النظام» أي المنطقة.
وتوقعت الحكومة التركية الحصول على مردود مهم خاصة بعد انتشار الشركات التركية في أنحاء المنطقة وتحديداً في قطاع الإنشاءات. وجذبت المسلسلات التركية الكثير من المشاهدين العرب لزيارة اسطنبول والمنتجعات السياحية على ساحل المتوسط. ولكن نهاية الربيع العربي وضعت حداً للطموح التركي فبالإضافة للحرب السورية جاءت النقطة المحورية وهي الإنقلاب في مصر والذي أطاح بالحكومة الحليفة لتركيا. ومع قمع الإخوان المسلمين في مصر والمنطقة العربية تأثرت سمعتها واستثماراتها أيضًا. وركزت حكومة اردوغان بدلاً من ذلك على القضية الأقرب لها وهي الحرب الأهلية السورية. وحاول اردوغان بالتعاون مع حلفائه في الخليج دعم المعارضة التي كانت تواجه الهزيمة من نظام الأسد.
وبدلاً من ان تعزز الجهود مصالح تركيا فتحت الباب أمام عدويها وهما «بي كي كي» وتنظيم «الدولة» اللذان استغلا الفراغ الذي نتج عن هزيمة المعارضة.
وتحول اهتمام تركيا من الإطاحة بنظام الأسد الذي أصبح عسيراً بدخول الروس عام 2015 على خط الحرب الأهلية إلى محاولة الحد من تقدم الأكراد والجهاديين. وهدد كلاهما تركيا حيث حاول تتظيم الدولة بإنشاء الخلافة فيما حاول «بي كي كي» دعم الأكراد السوريين. وخشي القادة الأكراد من محاولة بي كي كي تشجيع المشاعر الإنفصالية الكردية داخل البلاد. وشن الجهاديون حملة إرهابية ضد الدولة ونفذوا عمليات ولكن الحرب مع الأكراد في الجنوب هي التي أقلقت الأتراك. وبعد انهيار وقف إطلاق النار بدا أن النزاع قد عاد ولن ينتهي. ووجد حزب العمال الكردستاني في حلفائه السوريين قوات حماية الشعب طريقة لإنعاش قوته خاصة أن أكراد سوريا بدأوا بتجنيد مقاتلين لمواجهة تنظيم «الدولة».

دعم أمريكي

وحصلت هذه القوات السورية على دعم من الولايات المتحدة التي رأت فيها قوة فاعلة لمواجهة وهزيمة الجهاديين. وكانت نتيجة التعاون الأمريكي- الكردي في شمال شرق سوري منطقة عازلة على طول الحدود التركية وهو وضع يحاول اردوغان منع استمراره. وتجد تركيا اليوم نفسها عالقة وسط تناقضات فهي من جهة حليف رئيسي للغرب ولكنها تشعر بالظلم من ناحية دعم واشنطن للأكراد وفرض العقوبات عليها ورفض الإدارة الأمريكية تسليم رجل الدين فتح الله غولن المتهم بتدبير إنقلاب عام 2016 الفاشل. ومهما كانت تركيا غاضبة فلن تتخلى عن تحالفها الإستراتيجي مع الغرب.
ومن هنا فالتقييم الذي ساد نقاشات لقاء نظمته مؤسسة كوربر ببرلين في تموز (يوليو) والذي شارك فيه الكاتب هو أن التوترات في العلاقات ستظل ولكن الولايات المتحدة تريد تركيا كحاجز ضد إيران وروسيا والجهاديين. وفي الوقت نفسه تحتاج أنقرة واشنطن كحام وملجأ أخير ضد المناورات الروسية والإيرانية في جوارها الطبيعي.
وفي الوقت نفسه تحاول تركيا التعاون مع روسيا لتسوية في سوريا تستطيع العيش معها. وقد تكون على شكل اتفاق بين نظام الأسد وقوات حماية الشعب وبضمانة روسية وأمريكية وتتضمن عودة نظام الأسد للسيطرة على الاقل جزء من الحدود. وحل مثل هذا لن يكون مثالياً من منظور اردوغان ولكنه قد يكون حلاً سيئاً لو تحقق. فتركيا في حاجة لمساعدة روسيا في إدلب، آخر معاقل المعارضة السورية. وتزايد عدد سكان المحافظة من مليون إلى الضعف بسبب تدفق المهاجرين والمشردين من مناطق المعارضة الأخرى.
وبدعم من روسيا حمت تركيا إدلب من هجوم النظام عليها خاصة أن عملية ضد المحافظة قد تؤدي لأزمة لاجئين لا تستطيع تركيا التعامل معها وهي تستضيف اليوم أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري. ولكن أهداف روسيا في سوريا ليست مثل أهداف تركيا. فأنقرة تعتمد على روسيا لحمايتها من «بي كي كي» ومنع موجة جديدة من اللاجئين خاصة من إدلب وبالمقابل تريد روسيا من تركيا التصالح مع نظام الأسد وهو أمر نجحت بتجنبه حتى الآن. وبقيادة متقلبة في واشنطن وأنقرة فلا أحد يعرف كيف ستبحر تركيا وتخرج من العاصفة. وستكون محظوظة لو خرجت بأجزاء من مقامرتها الخاسرة في سوريا والمنطقة بشكل عام بدلاً من ان تجد نفسها محطمة ومحاطة بالأعداء.

موظف من المدينة: فقراء على بعد ألف متر من أنهار النفط والثروات
«غارديان»: الفساد يقتل العراق وفي البصرة غضب على المرجعيات والساسة وإيران

يرى غيث عبد الأحد في تقرير نشرته صحيفة «غارديان» أن العراق يقتله الفساد. وفي تقريره الذي أعده من جنوب العراق تحدث فيه عن التباين في مستويات الحياة والفقر الذي يعانيه السكان العاديون في المنطقة والنشاطات في مجال تطوير وحفر الآبار النفط وضخم الخام منه وما يجري من تطورات حول البلدات والقرى الفقيرة التي لم تنتفع كثيراً من النشاطات المحمومة. وأشار إلى عشيرة بني منصور التي تتمركز في شمال شرقي البصرة حيث تعيش في أرضية مستوية وبطبقات من الملح والأعشاب الشوكية. وتمر من أراضيها أنابيب النفط حيث وتبدو منصات الضخ واضحة في فضاء الجنوب العراقي حيث ترتفع أعمدة الدخان في الأفق.
وتقع منطقة العشيرة فوق حقل غرب القرنة الذي يعد من أهم حقول النفطية الغنية الذي تملكه الحكومة العراقية وتديره شركة «إكسون موبيل». فبعد سنوات من العقوبات بدأت عمليات ضخ النفط بالزيادة وبني شارع سريع من خطين يمر عبر أراضي بني منصور وأصبح مزدحماً بالشاحنات التي تحمل معدات التنقيب والعمال الأجانب. ويعلق عبد الأحد أن فتح الإحتياطي النفطي الضخم للعراق للخبرات الأجنبية في مرحلة ما بعد صدام حسين اعتبر بأنه وسيلة جيدة لإنعاش الإقتصاد وتحويل الجنوب إلى محور اقتصادي قوي. وبدلاً من ذلك لم ير السكان العاديون إلا القليل من ثمار الصناعة النفطية التي تدر مليارات الدولارات والذي تم اختلاس معظمها على يد السياسيين الفاسدين.

غليان من الفساد والبطالة

ويقول عبد الأحد إن الجنوب يشهد منذ الشهور القليلة الماضية حالة غليان من استشراء الفساد والبطالة النابعة من انعدام الخدمات واستمرار انقطاع الطاقة الكهربائية ونقص المياه. ويضيف أن سكان بني عامر التي تقع أراضيهم عند القرنة أو شط العرب حيث يلتقي دجلة مع الفرات إن المياه كانت وفيره وكانت لديهم أكثر من 300 ألف شجرة نخيل حيث كانت الأبقار والثيران تستظل بظلها. إلا ان سنوات الجفاف وتسرب المياه الملحية من الخليج قتلت كل بساتين النخيل وباع الأهالي المواشي وجفت الينابيع والأنهار الصغيرة وامتلأت القنوات بالنفايات.
وأسهم فساد وسوء الإدارة المحلية والمركزية التي سيطرت عليها طبقة من الأحزاب الدينية التي تحكم العراق منذ أكثر من عقد بمفاقمة الكارثة البيئية. وأجبرت الشركات التي من المفترض ان تعتمد على القوة المحلية وإنفاق أموال في مشاريع التنمية للإعتماد على الذين يرتبطون برؤساء العشائر والأحزاب الدينية. ولا يوجد تمويل تقريبا للمشاريع المحلية ونادرًا ما يصل شيء من موارد النفط. وقامت الميليشيات المحلية المرتبطة بالقبائل والأحزاب السياسية بتشكيل شركاتها الأمنية الخاصة وحصلت على عقود مع الشركات التابعة للشركات الأجنبية. ويرى السكان أن زحام السيارات والشاحنات التي تهدر في الشوارع الجديدة والفرعية هو تذكير بالثروة التي تقع تحت أراضيهم ووضعهم الفقير البائس. ووصلت الأمور درجة الغليان في بداية تموز (يوليو) عندما وصلت درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية وانقطع التيار الكهربائي وأصبحت مياه الحنفيات حارة جدًا. وتجمع العشرات في حر تموز أمام واحدة من بوابات مجمع لشركة نقط وقطعوا جزءاً من الشارع وداسوا بأقدامهم ورفعوا أيديهم شاجبين شركات النفط والسياسيين. وتحركت الشرطة المتمركزة داخل المجمع وواجهت المتظاهرين فيما تحركت وحدات الجيش الموكلة بحراسة المنشآت النفطية وأحاطت بالمتظاهرين الذين بدأوا برمي الجنود بالحجارة.

انتشار المظاهرات

وردت الشرطة والجيش بإطلاق الذخيرة الحية حيث قتل شاب وجرح ثلاثة من المتظاهرين. وانتشرت الأخبار في القرى المجاورة حيث هرع الناس لمساعدة جيرانهم بشكل زادت فيه الحشود المشاركة إلى عدة مئات. وحسب مواطن في القرية اسمه علي «عندما سمعنا الأخبار وأن شخصا قتل هرع الجميع ودعوا الآخرين للمشاركة». و»شاهدت هناك مروحتين وثلاث عربات مصفحة وتساءلت أين كانت هذه القوة عندما سيطر داعش على الموصل؟».
وانتشرت التظاهرات في تلك الليلة إلى القرى القريبة من حقول النفط وعقدت في اليوم التالي تظاهرة أضخم في البصرة وامتدت لمدن الجنوب الأخرى. وطالب البعض بتوفير الكهرباء والمياه. ودعا آخرون لتوفير فرص العمل لكن الجميع شجبوا المحسوبية والفساد وهاجموا المقرات الحزبية ونهبوها. وتم توجيه معظم الغضب ضد إيران التي تعاني نفسها من تظاهرات بسبب المظلومية الإقتصادية لدى الناس العاديين. وسمع هتاف «إيران برا، برا» وفي مثال قام متظاهرون بحرق صورة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي. وينقل عن علي وهو موظف حكومي قوله «يطالب الناس بحقوقهم» و» هم يرون أن العراق يموت وتخنقه الأحزاب التي تنهبه منذ 15 عاماً ولكنها مهتمة بخدمة مصالح إيران أكثر من مصالحنا وإما أنقذنا البلد أو فقدناه».
ويشير الكاتب إلى مرحلة ما بعد صدام حسين التي واجه فيها السنة الحكومة الجديدة وثاروا ضد الأجانب. وفي مرحلة ما بعد تنظيم الدولة لم تعد المقاومة السنية مهمة بل يأتي الخطر من الغالبية الشيعية الذين قاتلوا تنظيم الدولة ويطرحون أسئلة حول شرعية الدولة العراقية. وقتل حوالي 500 من قبيلة بني منصور وهم يقاتلون تنظيم الدولة. وردت الدولة على موجة التظاهرات بالعنف واستخدمت الذخيرة الحية وقتلت 11 شخصاً واعتقل المئات وعذبوا حسب ناشطين ومحامين تحدثوا إلى صحيفة «غارديان» ولا يزال هناك عدد من الأشخاص في عداد المفقودين. واتهمت الميليشيات المرتبطة بالأحزاب السياسية باستخدام الرصاص ضد المحتجين واختطافهم. وأطلق النار على محام بارز قاد فريقاً للدفاع عن المعتقلين عندما كان يغادر مركز شرطة. وأصبح علي وصديق له اسمه هيثم من المطلوبين حيث التقاهم في مطعم من التنك بالقرب من القرية وقالا إنهما يتحركان بين أقاربهم لتجنب الإحتجاز.
وتلقى علي وهيثم في الأسابيع الماضية مكالمات تهديد من قوات الأمن وتم اختطاف سبعة من أصدقائهما على يد رجال ملثمين. وقال علي «ترى في البصرة كل يوم الثروة وهي تتدفق من حقول النفط إلى الخارج كل يوم وأقل من كيلومتر حيث نجلس تشاهد الفقر والبطالة في القرى فيما تستورد الشركات آلاف العمال الأجانب». أما هيثم الذي انضم إلى الجيش في عام 2003 وقاتل السنة والقاعدة وتنظيم الدولة فإنه يتهم الدولة بالفساد وغياب الخدمات والمياه المالحة والتلوث الذي تتسبب به شركات النفط وانهيار النظام الصحي وجفاف الأنهار والبطالة.

مسؤول: أنا أحد الفاسدين

ومثل بقية الشيعة في الجنوب فالغضب موجه ضد الأحزاب السياسية ورجال الدين والمؤسسات التي تدعمهم وإيران «هذه الأحزاب مسؤولة ومنذ 15 عاماً عن الفشل» يقول علي. وأضاف «صوتنا في الانتخابات السابقة للأحزاب الشيعية لأن المرجعيات وشيوخ القبائل طلبوا منا هذا. أما الآن فنحمل المرجعيات المسؤولية، الم يشاهدوا ما يحدث منذ 15 عاماً». و»في الوقت الذي علقنا فيه وسط حرب طائفية – الشيعة يقتلون السنة انتقاماً لمقتل الإمام الحسين منذ 14 قرناً والسنة يقتلون الشيعة لأنهم حرموهم من السلطة، جلس النواب السنة والشيعة في البرلمان وبنوا ثرواتهم من دم الناس الذين ذبحوا بعضهم البعض في الشوارع». وقال هيثم «كل النظام متعفن ويجب التخلص منه». و»نحن سلميون ولكن كل واحد منها يقف فوق مخزن أسلحة. وقتل مليون عراقي خلال الخمسة عشر عامًا الماضية. ولو تظاهرنا في البداية وفقدنا ألفاً لكنا في حال أحسن». وعلق مسؤول وهو يشرب القهوة التركية: «أشعر بالأسف للمتظاهرين فلا أمل لنجاحهم». وقال عن الساسة «أعرف أنهم فاسدون لأنني واحد من أعمدة الفساد في المدينة».
وأوضح كيف قامت العشائر التي ترتبط بالأحزاب الدينية بحيازة مناطق زراعية تعود للأثرياء من دول الخليج او السنة الذين فروا في الفترة ما بين 2003- 2004. وحولت القبائل الأراضي الزراعية لمناطق بناء ووظيفته هو إصدار شهادات مزورة تقول إن الأراضي للسكن. ومثل الأنهار والقنوات الجافة اصبحت الديمقراطية في العراق أسيرة لدائرة لا تنتهي من الفساد. فقد اصبحت كلمات مثل الإنتخابات والبرلمان والديمقراطية مقرونة بالفساد والمحسوبية والطائفية. وهناك من يدعو إلى نظام رئاسي قوي وإنهاء دور البرلمان.

«واشنطن بوست»: ترامب يمثل متاعب مستمرة للفلسطينيين ولا يحمل سلاماً
حديث عن قطع المساعدات عن «الأونرا» بداية الأسبوع المقبل
إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية