برلين ـ «القدس العربي»: تتساقط حبات العرق من طرف أنف كارل إرنست روسنر. ولمدة تسعين دقيقة، كان العداء (80 عاما)، الذي انحنى قليلاً إلى الأمام، يركض في الغابة بالقرب من دوسلدورف. ثم رأى زوجين أكبر سنا يجلسان على مقعد في الحديقة، وقد مال وجهيهما نحو الشمس. وغمز بعينه وهو يصيح متحدثا إليهما: «أليس هذا متعبا قليلا؟».
ويفضل روسنر العدو. فهو في النهاية أكبر العدائين، ويقول إن العدو ساعده في تجاوز بعض الأوقات العصيبة في حياته. وشارك الرجل المتقاعد الذي ينحدر من مدينة هان في شمال غربي ألمانيا في أكثر من 500 ماراثون وسباق ماراثون فائق، بما في ذلك سباقات في ألمانيا وإيطاليا وسويسرا والولايات المتحدة. وفي العام الماضي، تم الإعلان عن أنه صاحب الرقم القياسي في ولايته شمال الراين ـ ويستفاليا من حيث عدد مرات المشاركة في الماراثون، وهو أمر ليس سيئا، مع الأخذ في الاعتبار أنه شارك في أول ماراثون له وعمره 44 عاما.
وأصبح العدو هواية لا غنى عنها، ثم وصل عدد المشاركات إلى مئات المسابقات. وكانت هناك فترة كان روسنر يشارك فيها في عدة سباقات ماراثون في شهر واحد. وشارك خمس مرات في سباق يمتد لمسافة 300 كلم في سويسرا بين مدينتي جنيف وبازل. ولكن الآن وقد بلغ 80 عاما، أصبح يتعامل مع الأمور بشكل أكثر هدوءا وتعقلا ولا يشارك سوى في عدد قليل من المنافسات. وتوقف عن محاولة الركض ضد عقارب الساعة منذ فترة طويلة، وقال: «إن توقيتي لا يلعب دورا لي بعد الآن». وفي ماراثون دوسلدورف السادس عشر بالنسبة له في نيسان/أبريل، أنهى السباق في المركز الأخير بتوقيت بلغ ست ساعات و44 دقيقة و7 ثوان. ولكن العدو يحافظ على لياقة روسنر، الذي قال: «أنا أفعل ذلك لأسباب عقلانية، لصحتي». وهو يلتزم بنظام تدريبي صارم، حيث يركض أربع مرات في الأسبوع مع زملائه، قائلا: «نحن نركض في كل أنواع الطقس، إلا عندما يكون الطقس ضبابيا وهناك جليد أسود»، وفي الأيام التي لا يعدو فيها، يتوجه روسنر إلى الصالة الرياضية للقيام بتدريبات لزيادة الطاقة والقدرة على التحمل. ومرة واحدة في كل عام، يقوم طبيب بفحصه لمعرفة إذا كان بإمكانه الاستمرار في الركض. وحتى الآن، لم يكن لدى الطبيب أي اعتراضات. لذلك فإن الرجل البالغ من العمر 80 عاما يركض ويركض ويركض، لكنه لم يعتبره أبدا نوعا من الإدمان. وهو يحتفظ بدفتر ملاحظات يسجل فيه جميع مشاركاته في السباقات. وعندما توفيت زوجته الأولى، التي كانت مهتمة بالعدو أيضا، في عام 1994، دخل في المنافسات على أساس أسبوعي تقريبا. وقال: «يمكنك البحث عن ذلك (المشاركة الأسبوعية) في الإحصائيات». وساعده العدو في ذلك الوقت. كما أنه التقى بزوجته الثانية في مسابقة للعدو. لكنها توفيت قبل ثلاثة أعوام متأثرة بإصابتها بجروح إثر حادث دراجة، وقال روسنر: «الآن أنا وحدي مرة أخرى». ولم يعثر بعد على عداءة جديدة في مثل عمره لتشاركه العدو.
وفي يوم ربيعي دافئ مؤخرا في غابة هلدن، كان روسنر يحيي الناس وهو يسير على الأقدام بعبارة «صباح الخير» بينما يراقب سرعته بعناية. وقال: «إنه ليس الطريق، بل السرعة التي تؤدي إلى الوفاة». وعلى مر السنين، تعمق في موضوع العدو ولديه عدد من النصائح والقواعد من الأدب المتخصص. وهناك قاعدة بسيطة هي «البدء بعملية الاحماء، ثم زيادة السرعة، ثم خفضها لاحقا». ووفقا لأستاذ الطب في بوتسدام فرانك ماير من الاتحاد الألماني للأطباء الرياضيين، لا يوجد شيء من حيث المبدأ ضد الركض والمشاركة في الماراثون في عمر متقدم إذا أعطى الطبيب الضوء الأخضر وشرح المخاطر. وقال إن قدرة كبار السن على تحمل الإجهاد يعتمد على حالة صحتهم الفردية. ويمكن لأولئك الذين يتبعون تعليمات الطبيب أثناء التدريب الحفاظ على مفاصلهم نشيطة وثابتة. وتابع ماير: «العدو يحافظ على الحركة». بالإضافة إلى ذلك، يتم تعزيز نظام القلب والأوعية الدموية. لكنه ينصح الناس بالبدء ببطء. ويقول الطبيب: «يجب ألا تبدأ من الصفر وتحاول الوصول إلى 100». ويعرف روسنر كل هذا، فقد كان رئيس سباق شرفيا في ناد رياضي محلي، وأسس مع زوجته الأولى فريقه الخاص للعدو في هان، وقال: «لقد قمت هناك بتعليم 1000 مبتدئ كيفية العدو بدون إيجاد صعوبة في التنفس». لكنه ببطء يشعر بحدوده. وقال إنه سيتوقف عن المشاركة في المسابقات في نهاية العام، مشيرا إلى أن رجلا عمره 80 عاما يجب ألا يطالب جسمه بالمزيد. ومع ذلك، سيستمر في التدرب، مؤكدا أنه لن يتوقف عن ذلك بأي حال من الأحوال. ومع انتهاء الجزء الأخير من تدريب العدو، يخلع روسنر غطاء رأسه الأحمر ويعصره. وفي سيارته، يغتسل سريعا ويرتدي ملابس جافة، قائلا إنه من المهم، خلع الملابس الممتلئة بالعرق، وهذه أيضا نصيحة من أدب العدو. ويعود الرياضي المتقاعد إلى منزله، وهو يبدو هادئا بينما يتجاوزه السائقون الآخرون بسياراتهم المسرعة قائلا: «أفضل قيادة السيارة باستخدام مثبت السرعة… هذا هو أجمل شعور.»