العرب والاوراق الايرانية

حجم الخط
4

شهدت السنوات الأخيرة تنامياً خطيرا للنفوذ الإيراني السلبي في العراق خصوصا، وفي المنطقة العربية عموماً، وشكّل تحديات خطيرة بالتزامن مع تنامي الحركات الاسلامية السنية المتطرفة، كنوع من محاولات خاطئة لمواجهة هذا التدخل، حيث ضعفت الدولة العراقية ومؤسساتها، وتنامت الميليشيات التابعة لايران بدلا عن هذه المؤسسات، وبدأت تدريجيا مراحل تحول العراق من دولة مستقلة الى اشبه بولاية تابعة لايران، حيث بدا واضحا للقاصي والداني ان لايران اصبحت الكلمة الفصل في القرار السياسي العراقي، وحتى في وضع الشخص المسؤول في موقعه ومباركة وجوده حتى لو كان فاشلا اداريا او سياسيا، ومعاقبة الاخرين الذين لا يريدون لهذا الدور ان يكون او يستمر.
فضلا عن ذلك يذكرنا الحديث عن التدخل الايراني بتاريخ تأسيس الدولة العراقية الحديثة سنة 1921، حيث رفضت ايران الاعتراف بهذه الدولة حتى 1929، وهذا يدلل تاريخيا على مدى الرفض الايراني لوجود دولة عراقية مستقلة. كما تجدر الاشارة الى انه لم تتوفر فرصة للإيرانيين لبسط هيمنتهم على العراق، كما حصل بعد الاحتلال الامريكي في 2003، حيث حرصت الحكومة الإيرانية على دعم الحكومة العراقية، واصبحت لايران مجموعة من اوراق اللعب السياسي التي تمكنها من مد نفوذها وتغلغلها اكثر واكثر، ليس في العراق فحسب، وانما في عمق الامة العربية، وهذه الاوراق كثيرة ومتعددة، منها التحالف الروسي الايراني، القضية الفلسطينية والرأي العام العربي، الدين والنفط، مضيق هرمز، واخيرا القوة النووية التي هي الورقة الرابحة الاخيرة، التي يسعى الايرانيون لكسبها ليصلوا الى غايتهم في بناء الامبراطورية الايرانية، صاحبة النفوذ الاوحد في الخليج العربي، وبالتالي نشوء قوة نووية تسيطر على نفط العراق وايران معا، الذي يشكل بمجموعه انتاج ثلاثة عشر مليون برميل يوميا، مع سيطرة تامة على الممر المائي (مضيق هرمز) الذي هو رئة دول الخليج التجارية والاقتصادية، اضافة الى نشر فكرة ولاية الفقة من خلال قصف عقول البسطاء من الجماهير بهذه الفكرة السياسية بغطاء ديني وهمي. وفي الحديث عن ورقة ايران في التحالف الروسي الايراني قديمة، حيث أن اهتمام الروس بالعراق والعتبات الدينية فيه بدا واضحا عامي 1915 و1916، وذلك في إطار الضغوط التي مارسها الحلفاء من أجل إبعاد إيران عن ألمانيا والدولة العثمانية، ومناورات الحكومة الإيرانية لاستغلال ظروف الحرب للكسب على حساب الآخرين، حيث قدمت الحكومة الإيرانية شروطها للجانب الروسي في 1915، وجاء في الشرط الخامس ما نصه ‘تقديم مقترح إلى بريطانيا من خلال روسيا على شكل عقد سموه بـ’اتفاقية شكلية’ بين إيران وإنكلترا تتنازل فيها الأخيرة بموجب بنودها عن منطقة بغداد والمدن المقدسة به لإيران’. ان ما يسمى بالمناطق المقدسة من الناحية الجغرافية، هي منطقة سامراء (100 كلم شمال بغداد) نزولا إلى محافظتي كربلاء والنجف مرورا بمدينة الكاظمية المحاذية لبغداد، مما يعني قضم قلب العراق وضمّه لإيران.
وقد زادت ايران من مطالبها في ورقتها المقدمة إلى مؤتمر الصلح بباريس عام 1919، بعد انتهاء الحرب الأولى، لتشمل هذه المرة الموصل في شمال العراق ومناطق تمتد لحدود الفرات. ان الدور الروسي الذي برز داعما لايران في 1915، عاد وتكرر بقوة في مواقف روسيا 2013 من العراق وسورية، فبدأت اولا بمبادرة روسيا وتوقيعها على اتفاقية الاسلحة الروسية مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لتدعمه وتقويه، ولتكرر هذا الدور الروسي القوي في دعم الاسد ضد الجيش الحر، وضد الثورة السورية بالسلاح وبالموقف الدبلوماسي القوي امام العرب والولايات المتحدة الامريكية، حيث يظهر لنا لافروف وزير الخارجية الروسي وكأنه عراب الامبراطورية الايرانية الجديدة التي تمتد من ايران وسورية والعراق، وهو يقف بقوة امام اي مبادرة امريكية او عربية من الممكن ان تضعف الموقف السوري المتحالف مع ايران. اما الورقة الايرانية الثانية فهي القضية الفلسطينية والرأي العام العربي، حيث ان النفوذ الإيراني في المنطقة، لن يسعى فقط لتوسيع مساحة أراضيها على حساب جيرانها فقط، بل بتمسكها بـ’ورقة’ القضية الفلسطينية، ودعم الفلسطينيين ضد إسرائيل، بما يمنحها قبولا لدى الرأي العام الفلسطيني والعربي. ان ايران تسعى بدعمها للجماعات الفلسطينية المسلحة لكسب ود الرأي العام العربي في سبيل تطويق عداوة الانظمة العربية لها، حيث تدعم ايران وبشكل أساسي حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بميزانيات سنوية، حيث يعتقد صناع القرار فيها أن الدعم المقدم إلى غزة، من شأنه أن يجهض المحاولات الحثيثة التي تبذلها دول ممثلة بمصر والسعودية والأردن والسلطة الفلسطينية، لإقناع حماس بجدوى السلام، تمهيداً لتحقيق الهدف الأهم، وهو التضييق على نفوذ إيران.
ويمكن هنا المقارنة بتجربة حزب الله اللبناني، الذي حاول ان يبني صورة ذهنية قومية عروبية من خلال الحرب التي اندلعت في 2006، والتي ادت بالرأي العام العربي بالتوجه لتأييد حسن نصرالله كزعيم عربي مناهض لاسرائيل، وليس زعيما طائفيا، من خلال حربه التي كانت وكأنها بالنيابة عن الامة العربية، ولان القضية الفلسطينية هي اهم قضية مؤثرة في الرأي العام العربي، ولكن في النهاية سقطت هذه الصورة النمطية وتحولت الى صورة ذهنية جديدة، اي انه تحول من صورة زعيم عربي يقاتل ضد اسرائيل الى زعيم ميليشيا تقاتل ابناء الشعب السوري الواحد لاجل مصالح وانتماءات ضيقة ولاجل تبعية ايرانية. والورقة الرابعة والخامسة هما الدين والنفط ، فايران تسعى وبشكل واضح لمنافسة المملكة العربية السعودية، الدولة الاقوى اقتصاديا وسياسيا في المنطقة، حيث تمتلك السعودية عاملي قوة، وهما النفط والدين، فالمملكة هي مركز الحج، اي انها المركز الاسلامي الرئيسي لملايين المسلمين، اضافة الى النفط الذي يمثل مصدر الطاقة الرئيسي للعالم، لذا فان ايران تسعى لتحويل العراق من التشيع الجعفري العربي الى منهجية سياسية هي (ولاية الفقيه)، غطاؤها الوهمي هو التشيع، ولكن داخلها وحقيقتها سياسي مصلحي لا علاقة له بالمذهب، وتهدف لتحويل العراق الى ضيعة ايرانية من خلال السيطرة على عقول الجماهير، من خلال اربعة انواع من وسائل التدخل الايراني في العراق، الاول اقتصادي من خلال فرض السيطرة الاقتصادية عبر شركات رديئة وفاشلة تجاريا والترويج لبضاعتها المتدنية وتسويقها بالاكراه التجاري، وفرض هذه البضائع والمنتجات على مناطق بحد ذاتها، من دون منافسة. والثاني ديمغرافي من خلال التغيير الديمغرافي لمناطق بعينها، وذلك باستخدام الميليشيات لترهيب بعض الجماعات والعشائر والرموز الوطنية وتهجيرها او قتلها، وبالتالي انهاء وجودها. اما الوسيلة الثالثة فهي التدخل عبر العامل الفكري، وهو الترويج لولاية الفقيه كفكرة سياسية وايهام الجماهير بان هذه الفكرة هي التشيع، في حين لا علاقة بين منهج التشيع الديني وفكرة سياسية تريد ان تجعل الجمهور يتبعها، من دون تفكير او ارادة وطنية، واخيرا فان الوسيلة الرابعة هي امنية، من خلال تدريب الميليشيات وتجنيدها ودفعها للقيام بافعال واعمال يمكن من خلالها تعميق هذا الوجود والقيام بجرائم واغتيالات تساهم في اضعاف الوجود العربي وفرض الامر الواقع.
بالاضافة لذلك يعتبر مضيق هرمز الورقة الايرانية السادسة، لان مضيق هرمز أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن. يقع في منطقة الخليج العربي فاصلاً ما بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، فهو المنفذ البحري الوحيد للعراق والكويت والبحرين وقطر، وكان فيروزآبادي، الذي يعد أهم شخصية عسكرية رسمية في إيران بعد المرشد الأعلى علي خامنئي القائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية، يتحدث للصحافيين قائلا ‘إن القوات المسلحة لديها خطة جاهزة لإغلاق مضيق هرمز، لأنه ينبغي على العسكريين أن تكون لديهم خطط لكافة الظروف’، وذلك رداً على احد أسئلة الصحافيين بخصوص مشروع قرار نواب البرلمان الداعي لإغلاق مضيق هرمز رداً على العقوبات الأوروبية. اما الورقة السابعة للايرانيين فهي سياسة المراوغة الدبلوماسية والمفاوضات باسلوب الشد والتراخي لكسب الوقت، ففي المفاوضات التي تجريها ايران في موضوع ملفها النووي مع الغرب، الذي اظهر ان لايران قدرة تفاوضية ذات مطاولة جعلت الغرب يضيع الوقت، في حين ايران تتقدم ببناء مفاعلاتها النووية تدريجيا، ومن دون تردد، وبالتالي يمكن لايران ان تصل الى هدفها المنشود بان تتحول الى دولة نووية، وبهذا فهي تكسب الورقة السابعة التي ستجعل منها امبراطورية متحالفة مع العراق الضعيف سياسيا والتابع لها في قراراتها الاستراتيجية وتحول المنطقة الى قوة ذات ارتباط وثيق مع روسيا، اضافة الى سيطرة تامة على الرئة المائية للخليج في مضيق هرمز، مع الطاقة النفطية التي ستجعل الغرب في النهاية يركع لارادتها، لانه لا يمكن ان يستغنى عن مصادر الطاقة ولا يمكن ايضا مجابهة قوة متعددة الاوراق او متعددة المخالب .
ان العرب لديهم الكثير من اوراق اللعب السياسي، الا انه للاسف لا توجد ارادة موحدة في القرار او في ادارة اللعب السياسي، فايران تتدخل بقوة في بلدان العرب، ولكن العرب لم يستغلوا ورقة الاحواز الذي يقطن فيه سبعة ملايين عربي تحت الاحتلال الفارسي، بل ان العرب لم يفكروا في اعطاء حق بسيط للقضية الاحوازية من خلال تخصيص مقعد لهم في جامعة الدول العربية ليكونوا انفسهم وينظموا دورهم السياسي القادم، كما انهم لم يفكروا في احتضان مجاهدي خلق، اكبر قوة معارضة للنظام الايراني بعد ان تم التنكيل بهم في العراق، وكان يمكن ان تتم الاستفادة منهم كورقة سياسية تضيف للعرب دورهم في اللعب السياسي مع ايران، كما ان العرب لم يعملوا على سحب البساط من تحت ايران في دورها في دعم حماس وتحويل الدعم عربيا، كما لم يفكر العرب في دعم العروبيين الشيعة في جنوب العراق، وهم الاقدر على المواجهة ولتنمية الشعور العروبي وكبت الشعور الطائفي الذي يحرق العراقيين كل يوم.
ان الدور العربي القادم يجب ان يتلخص في زيادة اوراقه السياسية،
خاصة بعد التلميحات الامريكية ببداية علاقة جديدة مع ايران وتخلي الولايات المتحدة عن دعمها لازالة الاسد، التي هي بمثابة جرس الانذار للعرب للنهوض والاعتماد على اوراق سياسية جديدة بدلا من الاتكال على شريك قد يكون غير مضمون، الا وهو الولايات الامريكية المتحدة.

‘ كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول احمد خالد:

    تحية كبيرة للدكتور هيثم على مقاله التحليلي الرائع، المقال اصاب كبد الحقيقة فاظهر سعي ايراني حثيث للدخول في لعبة الكبار، بينما ظل العرب متقوقعين على انفسهم بانتظار المستجدات الدولية لتأدية دور الكومبارس، كالعادة.

  2. يقول الحيدري:

    كلام صحيح 100% فيجب ان يعرف الجميع ان ايران لاتمثل الشيعة بل هي تمثل مصالحها فقط وتنفيذ سياساتها في التوسع
    اما الدور العربي فتخندق او تقوقع داخل فخ الطائفية الذي رسمته ايران لهم لتحقيق المصالح الايرانية وهم الان يمارسونه بقوة

  3. يقول Ibrahim Odeh:

    رائع هو المقال صديقي العزيز. هذا واقع الحال، حبذا لو يعرج الدكتور هيثم على الحلول المنطقية العملية التي ينصح بها العرب للاقدام عليها وتنفيذها، يجب نشر المقال على اوسع نطاق لعل وعسى يصل الى مسامع الحكام العرب او الثورات العربية الحديثة التي لم تعط ثمارها حتى الان.

  4. يقول Layth AlRawi- Iraq:

    تحية الى كل الاقلام العربية الصادقة و الباحثة عن الحقيقة بموضوعية و مهنية و البعيدة عن التشدد و التعصب و التي تظهر لنا الواقع الذي يعيشة العالم العربي و الاسلامي بدون تشويش و بالطرح العلمي الواضح و الشفاف
    نعم هذا هو الواقع الذي يحبك بخيوط روسية و نسج ايراني بامتياز و ترك العالم العربي يلهوا بلعبة الطائفية التي اصبحت الشغل الشاغل لما يعرف بأعلاميين الفظائيات الموجهة و الصحف الصفراء المشوهة للحقيقة
    شكرا لكم فقد فتحتم افاقا جديدة و خافية عن الكثير من العيون العربية و العالمية بتحديد نوع المشكلة التي تواجه المجتمع العربي و المخططات التي تسعى الى تشويه صورة الاسلام و العروبة

إشترك في قائمتنا البريدية