هل يلتقي العرب بالديمقراطية؟

حجم الخط
8

تحدثنا عنها في كل محفل وواد، تغزلنا بها عقودًا طويلة،وصفنا محاسنها واشتهيناها، ولكن عندما اقتربت منا وكشفنا عن وجهنا صدمناها فراحت تستغيث، وفوجئنا من ناحيتنا بأنها ليست الحسناء التي دأبنا على رسمها كما نشتهي في أخيلتنا وراكمنا لها وعنها قصص الجمال والعدل والحكمة والخير.

علاقتنا بها مثل علاقة قيس بليلى، علاقة حب عذري من بعيد لبعيد، ويبدو أنه الأفضل لنا ولها أن يستمر هذا الغرام مؤبدًا وبلا لقاء. 

ولكن ما العمل وفي نهاية المطاف علينا أن نقرر هل نريدها أم لا! هل نحن بحاجة إليها أم لا! وهل نجاح الانقلاب في مصر وإغراق الثورة في سورية بالدم والتوتر المستمر في تونس والقبلية المسلحة في ليبيا يجعلنا نرتدع عن المطالبة بلقائنا ووصالنا معها،طبعا أقصد الديمقراطية.

وبناء على التجربة العربية الحديثة التي ما زالت خديجة،هل تستطيع الشعوب الفقيرة ممارسة الديمقراطية! بل هل يمكن لملايين الأميين ممارستها والسماح لهم بتقرير مصيرهم ومصير شعوبهم أو أمتهم،وهم الذين يمكن التصويت عنهم بالجملة! حيث يقوم رجل واحد في بعض الأماكن العشائرية بالتصويت عن مجموعات كبيرة من أبناء عشيرته،هذا إذا صوتوا أصلا، هل يمكن لمجتمع ما زالت القبيلة مرجعيته أن يمارس الديمقراطية! 

ولكن إلى متى سنعتبر مجتمعاتنا قبلية أو دون سن الرشد المدني،أليس لدينا مدن يعيش فيها الملايين! وهل يستطيع ملايين الفقراء أن يختاروا بحرّية! ألا يمكن شراء ضمائرهم وذممهم وتوجيههم ليصوّتوا بأثمان بخسة حيث يشاء من يقدم لهم الرغيف،الطعام والدواء مقابل الأصوات،وحتى الدعاء بالنصر مقابل الرغيف، ثم هل هناك من معنى للتوجه الى صندوق الاقتراع عندما ينعدم الشعور بالكرامة الإنسانية!

من أسس عملية الانتخاب الديمقراطي أن تكون سرية كي لا يتعرض الناخب لأي ضغط من مسؤول في العمل أو حزب أو من قريب أو من زوج أو من ابن أو والـــــد أو أي بلطجي من أي نوع كان، ولهذا بنينا الآمال العريــضة على مصر، فمدينة مثل القاهرة تعد حوالي الســبعة عشر مليونا لا يمكن للقبيلة أو للبلطجة مهما كانت أذرعها قوية ومتشعبة أن تتغلب عليها.

محاكمة الرئيس المنتخب محمد مرسي تعني محاكمة ملايين الناس الذين انتخبوه،ومحاكمة الديمقراطية،ومحاكمة العقلية العربية، كذلك تعني محاكمة من انقلبوا عليه، ومحاكمة فكرة الديمقراطية من أساسها!

عندما يحاكم رئيس منتخب بيد انقلابيين، لا بد وأن نتوقف لنتساءل ماذا فعلت بنا الديمقراطية وماذا فعلنا بها، وهل هذا الدواء ينفع لأمراضنا! ألا توجد خصوصية لجينات كل أمّة، خصوصًا لدى الشعوب المنغلقة على نفسها، والتي لا تختلط ولا تتصاهر مع الشعوب الأخرى إلا القليل! 

ولكن ألم تنجح الديمقراطية وتمارس في عدد كبير من دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ولدى شعوب أقل عراقة من العرب! هل هي فكرة لا يمكن لها أن تلائم العقلية العربية ومصادر نشوئها وتبلورها!

هل أساء الدكتور محمد مرسي وحزبه استخدام السلطة؟ وكيف يمكن الحكم على ممارساته بهذه السرعة العجيبة! وما هي أفضلية مبارك زعيم الفساد المطلق عالميًا والسيسي الذي هبط بالمظلة إلى كرسي الحكم وبعنف ودماء وبشار الأسد الدموي الكيماوي وغيرهم من حكام على مرسي حتى يحاكم هو ويودع في قفص الاتهام ويهان، بينما القاتلون لعشرات الآلاف والمتسببين بدمار بلدانهم مثل بشار الأسد ما زالوا في الحكم بل ويحظون بتعاطف ورعاية دول عظمى!

علمًا أن مرسي هو الوحيد الذي انتخب بطريقة هي الأقرب لما يمكن أن نسميه اختيار الشعب، مع كل البؤس والأمراض التي تعانيها العملية الانتخابية في بلد فقير ممكن شراء الذمم والأصوات فيه من خلال المعدة الخاوية، ولكن هذا سلاح يستخدمه الجميع ولا فضل لحزب على آخر في هذا الأمر. الديمقراطية تحتاج إلى شعب أو لأكثرية لديها اكتفاء، لأناس يتمتعون باستقلال اقتصادي وفكري، غظظير قابلين للانكفاء، علمًا أن الفقراء هم أكثر الناس حاجة للديمقراطية كي يأخذوا فرصهم ليكونوا متساوين مع أصحاب الإمكانيات والتأثير، سواء المعنوي أو المادي، ولكن السؤال النقيض هو هل يمكن لمجتمع الوصول الى الاكتفاء المادي بدون الحرية والديمقراطية،إنه مثل سؤال البيضة والدجاجة، الديمقراطية تحتاج إلى شعب شبعان كي يستطيع ممارستها بدون ضغوط، ولكن كي تجد شعبًا غير جائع تحتاج إلى الديمقراطية! فالدكتاتوريات لا تجلب سوى البؤس والخوف وتقديس الأفراد، واللقمة حتى لو توفّرت تكون مغمّسة بالإذلال والخوف والخضوع وشلل التفكير والإبداع. 

هناك من يدعون أننا شعوب لا تنفعنا سوى الدكتاتوريات، وأنها الوصفة الوحيدة الجيدة والملائمة لمجتمعاتنا القبلية والطائفية المتخلفة، ويتساءلون بخبث أو بغباء، ألم تكن سوريا ومصر وليبيا وحتى تونس أفضل مما هي عليه الآن وخصوصًا في سورية!ولكن أليست الدكتاتوريات العفنة الحقيرة القمعية مصّاصة الدماء هي التي أدّت إلى انفجار الشعوب!

يبدو أن ما نحتاجه هو أعمق بكثير من مجرد القول أننا نريد الديمقراطية،كذلك لا يمكن لنا التسليم ببقاء أنظمة الاستبداد والقمع الدكتاتورية أو استبدالها بحكم العسكر أو بدكتاتوريات جديدة بحجة عدم نضوج شعوبنا.

نحتاج فعلا إلى الجمع بين عوامل عدة، ولكن هذا لا يأتي بالأمنيات ولا بالقرارات، ويبدو أن هذا ما تفرضه الشعوب فرضًا في مسار تاريخي معقد قد يستغرق عقودًا وبتكاليف باهظة جدًا، الدلائل تقول أن العملية انطلقت ولن تتوقف مهما تعرجت الطرق واستوحشت ولا تراجع مهما علا وغلا الثمن. 

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أحمد - ألمانيا:

    التربية المنزلية في بلادنا قائمة على أسس ديكتاتورية وفي المدرسة والجامعة وفي مجالات الحياة العملية أيضا, ولاننسى هنا أثر التربية الدينية والعادات والتقاليد المتحكمة في سلوك الأشخاص والمجتمعات العربية فهي مناقضة تماما لأبسط مبادئ الديمقراطية . والدمقراطية لن تنزل علينا من السماء بمظلة تهبط بهدوء لتعم الحرية ودولة المؤسسات القائمة على العدل الإجتماعي ومحاسبة الحاكم والمحكوم سواء. فلنبدأ في المنزل ونربي أبناءنا على أنهم أناسا بكافة الحقوق البشرية ونؤكد لهم ألا يتنازلوا في المدرسة والشارع والجامعة وأماكن العمل عن حقوقهم البشرية مهما كانت بسيطة , إذا نجحنا في هذا المضمار يمكن أن نأمل أن تعيش الأجيال اللاحقة في أجواء دولة ديمقراطية!

  2. يقول مريم:

    ان العرب بصفة عامة بحاجة الى بناء الديمقراطية وعلى جميع الاصعدة بداية من الاسرة فالمدرسة ، والجامعة ، وجميع المؤسسات عامة ، ثم مراكز الحكم المحلي سواء كانت المجالس البلدية ام السلطة العامة في الدولة ، وهذا الامر يحتاج لوقت طويل لتربية جيل جديد على المبادئ والاخلاق وحرية الفكر .
    والرسول صلى الله عليه وسلم هو المثل الاعلى في خلق الديمقراطية ؛ فقد ربى جيل جديد خلال 23 سنة رسخ عندهم قواعد القوة الفكرية والعقائدية والسير في دروب الحرية والديمقراطية . وبهم استطاع الاسلام دحر القوى العظمى في زمانهم ولمع شأن الدولة الاسلامية فاصبحت الدولة القوية على مستوى العالم . ولايمكن في زماننا هذا ان تبنى الديمقراطيات في ظل الغوغاء والطمع وحب الذات والقمع والقتل والتجرد من الولاء لله والوطن .
    وكل واحد منا مسئول عن غرس الديمقراطية فيمن يرعى ، فهل ياترى نحن بحق كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته .
    مريم

  3. يقول سامح // الامارات:

    شكرا للاخ الكاتب ع مقاله القيم .
    لكن يا طيب …( الشعوب العربية فعلا غير ناضجة سياسيا ) …؟؟؟
    * ما يحدث في ليبيا …. ( جريمة بحق الوطن والمواطن البسيط )…؟؟؟
    *ما يحدث في مصر …( غامض وضبابي ) والله وحده يعرف …المنتهى …؟؟؟
    * ما يحصل في تونس …( فضائح وصراع مكشوف ع السلطة والكراسي )؟؟؟
    * ما يحصل في سوريا …( مجزرة ومحرقة ) من أجل أن يبقى الكرسي
    في حضن أسرة واحدة …ع الرغم من فسادها وإجرامها وإفلاسها …؟؟؟!!!
    * ما يحصل في اليمن …( مكانك سر ) …؟؟؟
    * ما يحصل ف السودان ( للخلف سر ) …؟؟؟
    كل هذا يا أخي ( كيوان ) …وتعترض وتحتج ع عدم ( نضوج العرب ) ؟؟؟
    سامحك الله … وشكرا .

  4. يقول أنور - برشلونة:

    اثني على أحمد ومريم بتعليقيهما الهادف والجاد .لقد أصاب الأستاذ سهيل بالتحليل العميق كبد الحقيقة .يقول الأمام الشافعي رحمه الله :لا تشاور من ليس في بيته دقيق (طحين ).إن الشعوب العربية اليوم وخاصةً الفقيرة منها والمسحوقة تدرك بحسها المرهف الجيد من الخبيث وليس لها إلا الدعاء على أو للحاكم بالخير أو بالسخط .وهناك شريحةٌ واسعةٌ تستطيع أن تدفع الحاكم نحو الخير وتثنيه عن الضلال (انها البطانة ).طبعاً أية أمة تحتاج فترات حراك وتفاعل بن شرائحها المختلفة على أن يسد مبدأ (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) وفي الوقت نفسه يحاسب المسيء والمتجاوز على اخطائه وتجاوزاته.شكراً أستاذ سهيل وسلمت يداك

  5. يقول خليل ابورزق/ الاردن:

    الهند دولة ديموقراطية منذ استقلالها و استمرت على ذلك حتى اليوم و لم تكن افضل حالا من العرب. وغيرها الكثير. السبب الاهم لفشل الديموقراطية لدينا مرتبط بوجود اسرائيل. اقام الغرب اسرائيل لأسباب دينية و استعمارية لحماية مصالحه و لكي لا تقوم للشرق قائمة و ما زالت هذه السياسة مستمرة.

  6. يقول د. خليل كتانة- قائد كتائب مثقفي الشعراوية- فلسطين:

    عندما يكون الاعرابي( ديموقراطي = حر التصرف) مع نفسه قد يتقن التعامل بالديموقراطية مع الغير. إذا كان الاعرابي الذي يتقمص شخصية (العربي) الجميلة لا يفقه بين مسمى الاعرابي والعربي؟؟ فكيف تريد من إستمرء قيادة البعير أن يطير……..؟
    د. خليل كتانة-قائد كتائب مثقفي الشعراوية- جنين-فلسطين
    [email protected]

  7. يقول S.S.Abdullah:

    احسنت فيما لخصته من اسئلة يا سهيل كيوان
    ولكني اختلف معك في العنوان
    لأنَّ الإشكالية من وجهة نظري ليست في العرب كشعب، خصوصا وأنَّ الشعب لا يهمه الالتقاء بالديمقراطية أو الديكتاتورية طالما كل منهما لا يقبل الالتزام بأي شيء أخلاقي.
    ولكن الإشكالية كل الإشكالية من وجهة نظري على الأقل هي فيما يتفلسف به المثقف خصوصا وأنه لم ينتبه إلى أنَّ قواعد اللعب/الترجمة في عصر العولمة اختلفت عن قواعد اللعب/الترجمة في عصر الديمقراطية.
    فحسب مفهوم المثقف فهو شيء له علاقة بالنخب الحاكمة إن لم يكن يمثل الفرد أو الـ أنا بها
    بينما المواطن حسب مفهوم المثقف فهو شيء آخر له علاقة بالشعب إن لم يكن يمثل الفرد أو الـ أنا به.
    نفس هذا المثقف يظن أنَّ الديمقراطية في الكيان الصهيوني والغرب شيء بينما الديمقراطية في أفغانستان ما بعد الاحتلال عام 2002 وعراق ما بعد الاحتلال عام 2003 شيء آخر.
    في حين أنَّ الترجمة في عصر الديمقراطية تعتمد على النقل الحرفي (النقحرة) كما هو الحال في طريقة كتابة كلمة الديمقراطية/الديكتاتورية/السيسيولوجي/الإنثروبولوجي بحروف اللغة العربية
    في حين أنَّ الترجمة في عصر العولمة تعتمد على التوطين (التعريب حيث أن اللغة العربية لا تنحصر بحدود سايكس بيكو كما هو حال اللهجات) وهذا ما لم ينتبه له المثقف بشكل عام ممن يجيد التفلسف أو الفضفضة بصوت عالي.
    النظرة السلبية للمثقف هي التي تجعله لا يرى إلاّ نصف القدح المليء فيما يتعلق بديمقراطية الكيان الصهيوني، في حين لا يرى إلاّ نصف القدح الفارغ فيما يتعلق بديمقراطية العملية السياسية الديمقراطية في العراق بعد احتلاله عام 2003
    في الدولة الديمقراطية لا يوجد احترام للقانون في كل ما يتعلق من له علاقة بالنخب الحاكمة ولديك افضل مثال ما يحصل للعرب في الكيان الصهيوني خصوصا في كل شيء له علاقة بالأرض وما يمكن أن يخرج منها من خيرات، وفي الجانب الآخر ما يحصل للمواطن العادي وغير المحسوب على النخب الحاكمة في العراق الديمقراطي بعد عام 2003.
    الإشكالية في المثقف الذي يفضفض ويتفلسف عن الديمقراطية بأشياء ليس لها علاقة بالواقع الحقيقي الذي يعيش فيه الشعب وما يعانيه من ظلم من قبل النخب الحاكمة في النظام الديمقراطي والذي لا يختلف بالمناسبة عن النظام الديكتاتوري سوى في عدد الأقطاب فيما يمثل النخب الحاكمة، أما النظام فهو واحد في أنَّ ليس له أي علاقة بالأخلاق.
    وأبسط دليل على ذلك هو ما قام به عبدالفتاح السيسي في مصر من ضرب للقانون والدستور والتعامل الأخلاقي عرض الحائط ووقف غالبية المثقفين لتبرير ذلك؟! مشكلة الرئيس محمد مرسي من وجهة نظري على الأقل هو أنه تعامل بأخلاق في نظام لا يعترف بالأخلاق كوسيلة للتعامل.
    ومن هنا تأني بلاغة ما يطالب به الشعب من أن الشعب يُريد اسقاط النظام الذي ينتج مثقف ونخب حاكمة بلا أخلاق ولا مبادئ.
    فالشعب يُريد نظام أخلاقي ولا يهم من يحكم إن كان ملك أو أمير أو رئيس أو كافر طالما النخب الحاكمة تعاملت بشيء من الأخلاق مع الشعب

  8. يقول أ.د. خالد فهمي - تورونتو - كندا:

    شكراً للسيد كيوان على المقال الجيد. قاطرة “الديمقراطية” (مهما كانت بدائية) قد غادرت المحطة ولن تعود….وكما خلصت اليه أنت في المقال ( ” الدلائل تقول أن العملية انطلقت ولن تتوقف مهما تعرجت الطرق واستوحشت ولا تراجع مهما علا وغلا الثمن “).

    بمجرد مراجعة تأريخ الديمقراطيات الاوروبية الغربية – على سبيل المثال – نجد أن الزمن و الوعي و الارادة و الايمان بالحرية والعدالة الاجتماعية هي الاسس التي أوصلت ديمقراطياتهم الى ما هي عليه اليوم…فعلى العرب أن يؤمنوا و يعملوا بالاية الكريمة 200 من اَل عمران من القراَن المجيط :

    ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”

إشترك في قائمتنا البريدية