لندن ـ ‘القدس العربي’ مع مقتل أربعة من المسلمين البريطانيين الذين كانوا يقاتلون إلى جانب الجماعات الجهادية في سورية، عاد الجدل حول سفر الشباب المسلمين إلى الجبهات السورية وانضمامهم للجماعات المقاتلة، ففي تقرير خاص بثته ليلة الأربعاء القناة الثانية في ‘بي بي سي’ في نشرة أخبار المساء ‘نيوز نايت’ تم الحديث فيه عن ناشط مسلم محلي من مدينة بورتسموث الساحلية واسمه افتكار جمان حيث ذهب إلى سورية ويقاتل الآن في صفوف الدولة الإسلامية في العراق والشام ‘داعش’، ودافع الشاب عن قراره، كما دافع شقيقه في المقابلة عن الأعمال التي تقوم بها الدولة من ناحية توفير التعليم والصحة للمواطنين، وعندما سئل إن كان يوافق مع السلطات الأمنية البريطانية التي ترى فيه خطراً على الأمن القومي، قال ‘ليناموا مرتاحين فلن أعود إلى بريطانيا’.
من كل مكان
وقال افتكار في المقابلة التي جرت عبر ‘سكايب’ إنه ليس المقاتل الوحيد الذي جاء من أوروبا فهناك أعداد كبيرة جاءت لسورية من كافة أنحاء العالم الإسلامي، من بولندا وفرنسا والشيشان والباكستان وبعضهم اعتنق الإسلام حديثا. وتقدر الإستخبارات البريطانية عدد البريطانيين المسلمين الذين يقاتلون في صفوف المقاتلين السوريين بما بين 200- 300 شاب معظمهم في العشرينات من عمرهم.
وتخشى أن يعودوا بعد حرب سورية ويقوموا بتطبيق ما تعلموه في بريطانيا، لكن شيراز ماهر من ‘المركز الدولي لدراسة التطرف’ في جامعة كينغز كوليج قال إن معظمهم متحمس ومندفع بفكرة الجهاد ويريد البقاء في سورية. لكن في يوم ما قد تخبو هذه الجذوة ويقررون العودة للغرب.
ويتزامن الحديث عن الجهاديين البريطانيين بتقارير أمريكية تتحدث عن رغبة عدد كبير من الأمريكيين الشباب بالسفر لسورية، ومع الإعلان عن مقتل شاب مسلم اسمه محمد الأعرج، من لادبغروف، في لندن في سورية، حيث كان ‘أبو خالد’ يقاتل في صفوف المقاتلين ونشرت له صورة مع شخص آخر اسمه أبو حجامة البريطاني من هاونسلو في لندن، حيث اعتبرته ‘داعش’ شهيدها.
من غرب لندن لسورية
ويعتبر الأعرج رابع شاب بريطاني يقتل في سورية، بعد إبراهيم المزوجي، من شمال لندن، وعلي المناصفي من أكتون في غرب لندن.
وتقول السلطات الأمنية البريطانية أن بعض المقاتلين الشباب يعودون إلى بريطانيا ويحاولون جذب الآخرين للقتال في سورية، وفي الشهر الماضي قامت السلطات الأمنية باعتقال شابين في وسط لندن عادا من سورية بعد ربطهما بما قالت السلطات لأنه مؤامرة أرهابية.
وقتل الأعرج في شهر آب (أغسطس) في كمين نصبه له الجيش السوري او المؤيدون له. وكان قد سجن لمدى 18 شهراً بعد تظاهره أمام السفارة الإسرائيلية أحتجاجاً على حربها على غزة، وكان في امتحاناته الأخيرة لدراسة الهندسة الميكانيكية، ونقلت صحيفة ‘غارديان’ عن عائلته أنها ستقوم بنشر بيان عبر محاميها تطلب تركها وشأنها، فيما نقلت صحيفة ‘تايمز’ عن صديق للعائلة قوله إنه لم يكن يتوقع أن يقوم محمد بهذا العمل، حيث كان يعيش حالة من الفراغ بعد خروجه من السجن، وبدأ يتردد على المسجد ‘وبدأ يقول كل هذه الأشياء الجنونية عن الإسلام’ لكن شقيقته كتبت في 17 آب (أغسطس) بعد وفاته مباشرة ‘حبي له لن يستطيع أحد فهمه’.
وتقول ‘تايمز’ إن الأعرج قتل إلى جانب ثلاثة من رفاقه كانوا مع عشرة آخرين من جنسيات مختلفة، وجرح في الكمين ثلاثة بريطانيين آخرين لا يزال واحد منهم يعالج في سورية.
ويقول مصدر إنهم كانوا يحضرون أنفسهم للقيام بعملية عندما حدث انفجار كبير جداً لم يكن بسبب قذيفة هاون بل قذيفة مدفعية أو صاروخ’. وحذر باحث في المعهد الملكي للدراسات المتحدة قوله إن تزايد عدد القتلى البريطانيين في سورية يرفع من مخاطر التهديدات الإرهابية على بريطانيا ‘فمن المحتمل تفكير بعضهم بمعاقبة بريطانيا لوقوفها موقف المتفرج على الدمار المستمر في سورية، وهناك إمكانية قيام بعضهم بتجريب الخبرات التي تعلمها في المعركة وتنفيذ عمليات ضد الغرب’ على حد قوله.
ويرى مسؤولو الإستخبارات البريطانية أن ‘تدويل’ الحرب السورية والوحشية التي وصلت إليها هما عاملان أساسيان في دفع الشباب نحو المشاركة فيها بحيث تتحول سورية وبشكل كبير إلى ساحة حرب أوسع من الساحة الأفغانية في الثمانينات من القرن الماضي والعراق بعد غزو القوات الأمريكية له عام 2003.
وجاءت الأخبار عن مقتل البريطانيين في بعد تبرئة ساحة بريطانيين أخريين اتهما بالإنضمام للجماعات الجهادية أحدهما طبيب في الخدمات الصحية الوطنية ‘أن أتش أس’، ويرى معظم المتطوعين للحرب في سورية أن ما يقومون به هو واجب، كما أن معظهم تأثر بالصور وبما قرأه على الإنترنت حيث يقول جمان ‘بدأت بقراءتي كتابا، كنت اخاف من كلمة جهاد، ومهمة المسلم هي حب الجهاد’ في النهاية. وكان الأعرج وهو من عائلة فلسطينية قد ولد بالطائرة ونشأ في لندن.
ونقلت ‘غارديان’ عن أقاربه أنهم علموا بمقتله في سورية.
وقال والده وليد الذي يعمل في تجارة الانتيك او القطع القديمة، إنه سيصدر بياناً عبر محاميه.
وفي الوقت الذي تقول فيه ‘تايمز’ إن أربعة بريطانيين قتلوا في سورية إلا أن شيراز يرى أن الأعرج هو الحالة الثانية المعروفة بعد المناصفي.
بروفايل
ويقوم شيراز بتتبع ‘تغريدات’ الجهاديين على التويتر ورسم صورة او ‘بروفايل’ عن دوافعهم والأسباب التي دفعتهم للقتال في سورية.
ويقول ماهر إنه من الأدلة التي جمعها يبدو أن الأعرج قد اتصل مباشرة أو غير مباشرة بجماعات لها صلة بالقاعدة ‘لقد بحثنا في الجماعات التي كان يخرج مع أفرادها.
ولاحظ وجود مواد دعائية تعود لجبهة النصرة في بعض المواد التي وضعها على التويتر، كما لاحظ مواد أخرى تعود لداعش، وهناك مواد تظهر أنه كان في حلب وإدلب مع جماعات جهادية مستقلة والتي تقدم دعماً لمقاتلي الجبهة وداعش.
مقاتلون من أمريكا أيضاً
وكانت المخابرات الأمريكية قد تحدثت يوم الأربعاء عن مئات من الشبان الأمريكيين ممن سافروا للقتال في سورية منذ بداية الإنتفاضة ضد بشار الأسد عام 2011. وتظل نسبة الأمريكيين قليلة مقارنة مع أعداد الشبان الأوروبيين ومن أستراليا وكندا حيث يقدر الأمنيون عددهم بما بين 600 ـ 700 مقاتل وربما وصل الرقم إلى ألف.
ولا يمثلون إلا نسبة قليلة من مجموع الجهاديين الأجانب الذين وصلوا لسورية ويقدر عددهم بما بين 6-11 ألف مقاتل من العالمين العربي والإسلامي.
وتقول صحيفة ‘نيويورك تايمز’ إن العدد من أمريكا قليل جداً حيث وصفت السلطات الأمنية عددهم ‘بالعشرات’ ولم يبرزوا بشكل واضح في العالم القتالي، ولكنهم كما يقول المسؤولون الأمنيون جزء من عدد متزايد من المقاتلين الأجانب ‘وأتوقع زيادتهم طالما استمر القتال’ حسب مسؤول بارز والذي كان واحداً من أربعة مسؤولين تحدثوا للصحافيين عن مشاركة الأمريكيين والأجانب في القتال السوري، وتحدثوا عن الطريقة التي تتم فيها تجنيدهم وتمويل رحلاتهم.
مشيرة إلى أن تدفق الشباب المسلم من حملة الجوازات الأجنبية أثار مخاوف تهديد إرهابي جديد حالة عودتهم من الحرب.
وما يزيد من القلق أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام هو أكثر الجماعات جذباً للمقاتلين الأجانب، وفي الوقت نفسه يجد الأسد دعمه من المقاتلين الأجانب من مقاتلي حزب الله، والمتطوعين الشيعة من العراق وإيران.
كتائب خاصة بالمهاجرين
وبالإضافة لجبهة النصرة وداعش هناك كتائب خاصة بالمهاجرين القادمين من الخارج والتي ليس لديها النظام الصارم للتعرف والتدقيق في هوية المقاتلين وقلع جذور المخبرين من داخلها.
ومن بين الكتائب المعروفة ‘جيش المهاجرين والأنصار’ والذي يقوم بحملات تجنيد من بين الشباب في وسط آسيا وأوروبا ويستخدم التويتر، وتدريب على الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي. وفي الوقت الذي لم يتم بعد الكشف عن عائدين إلى بلادهم ممن يخططون لهجمات إرهابية إلا ان المقاتلين من ‘جيش المهاجرين والأنصار’ يمثلون خطراً أمنيا على الغرب كما يقول المسؤول.
ومن بين المتطوعين الأمريكيين الذين قتلوا نيكول لين مانسفيلد (33 عاماً) من فلينت، ميتشغان، والذي قتل في أيار (مايو) عندما كان بمعية مقاتلين في محافظة إدلب، وهناك إريك هارون (30 عاماً)، الذي وجهت له اتهامات في فونيكس بالقتال في صفوف جبهة النصرة، وكان هارون قد وضع صوره على الفيسبوك في شباط (فبراير) أظهر تفاخره فيها أنه ‘أسقط مروحية سورية ونهب كل الأسلحة والأجهزة فيها’.
ويرى المسؤولون الأمنيون الأمريكيون أن سورية ‘اصبت أكبر مركز جذب للجهاديين’.
وتقول صحيفة ‘واشنطن بوست’ إن المحللين في مركز مكافحة الإرهاب، ومن سي أي إيه، وبقية الوكالات الإستخباراتية الأمريكية يرون أن تدفق المقاتلين الأجانب لسورية من المتوقع استمراره وتوسعه، خاصة أن أياً من الطرفين ليس قادراً على حسم المعركة مما يعني أن ‘الحرب قد تستمر لوقت طويل’ حسب مسؤول.
ونقل عن مسؤول قوله إن ‘الذين يذهبون إلى سورية يحصلون على خبرة قتالية في المعارك، ويتم غرس أفكار الجهاد في وعيهم إن لم يكونوا قد تعرضوا لحملات غسيل دماغ’.
ومن المتوقع ان تظل علاقات الجهاديين مع جماعاتهم حتى لو عادوا إلى بلادهم فيما بعد.
ولاحظ المسؤول أن الجماعات المقاتلة لديها قدرة جيدة على استخدام وسائل التواصل الإجتماعي، مثل يوتيوب، تويتر، فيسبوك من اجل تجنيد الشبان، حيث يتم الإعتماد على المتكلمين بالفرنسية والإنكليزية بشكل كبير.
وقال المسؤول إنه لم يشاهد جهوداً محددة موجهة نحو أمريكا، ولاحظ أن عدد الجهاديين الأمريكيين لا يمثلون إلا نسبة قليلة جداً من الجهاديين الأجانب، وهذا يعود لبعد أمريكا عن سورية مقارنة مع الدول الأوروبية.
ويرى المسؤولون أن الأعداد التي تساق للحديث عن المقاتلين الأجانب غير دقيقة، وأن معظهم جاءوا من دول مثل بريطانيا ، فرنسا، ألمانيا، هولندا وبلجيكا.
جبهة النصرة ومعركة القلوب
وفي تقرير متعلق بمحاولة الجماعات الجهادية تثبيت أركانها، قالت مراسلة صحيفة ‘ديلي تلغراف’ روث شيرلوك إن جبهة النصرة تقوم بتطبيق برامجها الدينية بعيداً عن ساحات المعارك في محاولة منها لإنشاء خلافة جديدة. وتقول إن الجبهة تقوم بغرس أفكارها في القرى والبلدات الواقعة تحت سيطرتها، وتعمل على فرض رؤيتها وأيديولوجيتها بإرسال دعاة وأئمة وتحظر التدخين وتطلب من الرجال العناية بلحاهم والنساء لبس النقاب.
وقضت الصحافية اسبوعاً تجري مقابلات مع عناصر في القاعدة وسكاناً في القرى الواقعة تحت سيطرة داعش وجبهة النصرة أظهرت ما أسمته ‘استراتيجية محكمة’ تتبعها هاتان الجماعتان لتغيير شكل المجتمع السوري.
ونقلت عن أبو عبدالله، أحد عناصر داعش قوله إنها تقوم بالتغيير من القاع للأعلى وأن الهدف هو ‘نهدف لتطبيق الشريعة وإقامة حكم الله’، مشيراً إلى الجهود التعليمية وتقديم برنامج تعليمي جديد للأطفال وتعليم المصلين في المساجد ‘نحن نضعهم على الطريق الصحيح’. وتقول الصحيفة أن البرنامج الذي تطبقه القاعدة واضح في مدينة الرقة، شمال- شرق البلاد والدانة وهما البلدتان الواقعتان تحت السيطرة الكاملة للمقاتلين الإسلاميين.
ونقل عن أحمد قوله إنهم يقومون بفرض ‘قوانين جديدة في كل مدينة’، وقال وهو مواطن في الرقة إن داعش قامت في الأسبوع الماضي بوضع ملصقات في كل أنحاء المدينة تدعو النساء إرتداء النقاب، ‘وضع مواعيد محددة كي تلتزم كل النساء بالأوامر، حيث كان الجهاديون في الأسواق يوزعون النقاب على المارة’.
كما طلبوا من النساء التوقف عن زيارة الاطباء او التحدث للرجال خارج البيت بدون محرم. وتقول تقارير محلية إن الجهاديين يحاولون إغلاق المدارس المختلطة. ونقل عن مواطن قوله كيف قام أعضاء في داعش بدخول مدرسة وعنفوا طالباً كان يتحدث لزميلته وقالوا له ‘حرام’ كما قالوا إن زي الطالبات غير إسلامي ‘حرام’ وعندما اعترض أحد الطلاب مستخدما اللغة الإنكليزية ردوا عليه أن التحدث باللغة الإنكليزية ‘حرام’.