من آفات الاستبداد.. الاستبداد نفسه

حجم الخط
0

من آفات الاستبداد.. الاستبداد نفسه

د. الضاوي خوالدةمن آفات الاستبداد.. الاستبداد نفسهقد لا يختلف عاقلان ان كل ما ينافي طبع الانسان المستخلف علي عمارة الكون زائل ولو دام مئات او آلاف السنين لأن الوظيـــفة الاساسية له في هذه الدنيا ان يقتلع سعادة معاشه ومعاده من خضم محنته وابتلائه. ومن اعتي المحن التي تعترض سبيل دور الانسان في تحقيق رسالته تلك التي اوجده الخالق من اجلها تسلط اخرين من جنسه عليه بغيتهم استخدامه لمصالحهم بعد تجريده او محاولة تجريده من قواه الانسانية الكامنة فيه كالعقل والارادة والكرامة.. غير ان المستبدين الطغاة الساعين بشتي الطرق والاساليب الي استدامة تسلطهم وتخليد استعباد غيرهم، بدا فشلهم يتراءي واضحا فاضحا لانهم يسيرون في الاتجاه المعاكس للتاريخ والدين والحياة لذلك قد تهاوت اغلب عروشهم وتحرر اغلب مستعبديهم ولم يبق علي وجه البسيطة الا نقيطات سوداء معزولة اخد مد الموج يضربها من الخارج وحركة الشعوب التواقة للحرية تنخرها من الداخل الامر الذي طفق يخلخل بنية الاستبداد ذاتها بدءا بتشققات ضيقة ممتدة عميقة وتثنيه بانشقاقات قاصمة وانتـــهاء بتفتيت البنية ذاتها.ولعل من الامثلة الساطعة لما اخذ يدك هذه البنية دكا خفيفا فثقيلا فمهمشا ما يعيشه الاستبداد والظالمون في بلادنا من اوضاع حاسمة في حياتهم يحسن الالمام باختصار بظهور فيروس الاستبداد الذاتي ثم تكاثره ثم اجهازه علي البنية بأكملها.لقد فتحت الدولة العربية الحديثة عينيها فوجدت نفسها كسيحة مشوهة، مقوماتها تقاليد سياسية استعمارية عثمانية غربية وبنيات اجتماعية غبارية خاصة وعامة قائمة علي درجيات واقتصاد اقطاعي يحتضر تحت ضربات الزحف الاقتصادي الغربي الحديث و ساسة جدد افرزهم هذا الواقع وهذه البيئة تولي اغلبهم قيادة بلدانهم كما كان يقودها العثمانيون والمستعمرون الغربيون و تميزت اقليتهم بانتهاج نهج جديد في الحكم لكنهما اتفقا علي ضبط الشعوب ضبطا مدجنا معطلا كل الطاقات مما سرع انهيار ما اعتادته الشعوب من نمط حياة وولد نمطا جديدا رجال اقتصاده حواشي سلطة يسمسرون مع الشركات الغربية ويعملون وكلاء لها في بلدانهم وادارة خادمة لهذا التوجه بقوانين وقرارات وممارسات وسياسة خصخصة جمعت ملكية الشعب والوطن العامة في جيوب أسر الحكام واقاربهم فكان الغني الافحش في رأس القمة الحادة والفقر الافحش في البقية العريضة ودفع الغني المتوحش الي مزيد الغني ودفع الفقر الي المطالبة بالقوت.. فظهرت الصراعات في القمة من اجل المال والسلطة خادمة المال وتفجرت القاعدة الواسطة مطالبة بحقها في الحياة. لكن الزعيم التاريخي او خلفه كان لا يألو جهدا في اسكات ضجيج الصراع والسيطرة علي الموقف بمعاقبة هذا وترضية ذاك وتهويل قضية خارجية او اعلان عن قرارات ثورية مع اظهار دائما انه الاقدر والابقي والاحكم حتي ان مرضه يبقي سرا فلا يترك المقــــربين منه يعرفون عن حالته الصحية ولا عن نوع مرضه او مكان علاجه شيـــئا وقبيل موته قد يورث الحكم لابنه او قريبه او احد افراد حزبه/ اسرته غير ان موته يشتت الحزمة بالانشـــقاقات النائمة المكبوتة فيظهر قطـــب من اقطاب النظام فاضحا غيره من الزملاء ناعتا نفسه بأنه الانقي والانظف والاكثر وطنـــية وديمقراطية وانسانية ناسيا عشرات السنين التي قضاها فاسدا مفســـدا جلادا فينبري له البقية من رفاق امس فاضحيه وفاضحين انفسهـــم في نفس الوقت، ومؤكدين انهم كانوا يعــرفونه فاسدا.. وينكشف الجميع: رجال النظام يتفاضحون ويعرف الشعب ان نظـــام نصف قرن كان فسادا اسود لكن المؤلم الغريب الشاذ ان الشعوب العربية قد مرت جميعها وما زالت تمر بدول تنشق انظمتها الاستباقية ثم يعاد رتقها وتنكسر ثم يعاد ترميمها مع ما يصاحب ذلك من كشف الغطاء عن ممارسات الفاسدين والمفسدين في حق المواطنين والاوطان.. دون ان تقف وقفة واحدة لتحرير نفسها وتطهير تاريخها وتلميع سمــــعتها.. فمتـــي تستفيق؟ہ اكاديمي من تونس8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية