ان إضفاء الطائفية والمذهبية كسبب لما يدور في طرابلس أو على الساحة اللبنانية وغيرها من الساحات هو منطق مقلوب ومرفوض لان هذه الصراعات وإن ظهرت بمظهر طائفي انما هي في جوهرها صراعا سياسيا بامتياز مع أن البعض يلبسه لباس الطائفية والمذهبية لأغراض في نفس يعقوب كما يقولون، ومنها محاولة ابعاد المسألة السياسية عنهم. والمتتبع للأحداث في لبنان بشكل عام وربما في طرابلس بشكل خاص يرى أن الاحداث في صعود وهبوط، والذي يضبط ايقاعها هو الاحداث في سوريا. فعند كل منعطف تخسر فيه المعارضة المسلحة والتكفيريين والإرهابيين موقعا أو معركة، نرى حدثا على الساحة اللبنانية التي من خلاله تسعى هذه المجموعات التعويض عن خسارتها أو هكذا تفكر.. إن القاء اللوم على كل ما حصل في طرابلس على جبل محسن مجافي للحقيقة والوقائع. يجب أن لا ننسى ما خلفته ظاهرة الأسير في طرابلس ولا ننسى تنامي البؤر التكفيرية والارهابية في هذه المدينة تحت أعين السلطات اللبنانية وإعطاء الغطاء الأمني والسياسي لها من قبل بعض الأطراف السياسية اللبنانية المتنفذة. لقد قام الجيش اللبناني بالانتشار في جبل محسن في المواجهات الأخيرة في طرابلس وذلك بالتعاون مع أهالي الجبل، ولكنه لم يستطع الانتشار في باب التبانة لأنه لم يعطى الغطاء السياسي لذلك، ليس هذا فحسب بل أنه تعرض لإطلاق النار عليه عندما حاول الاقتراب منها. نحن مع انتشار الجيش في كافة المناطق لحفظ أمن المواطنين ويجب أن يعطى الغطاء السياسي لذلك. أن البيان الذي صدر من ‘قادة المحاور في جبل محسن’ انما يأتي ليعكس مأساة غياب سلطة الدولة الغائبة والتي تنأى عن نفسها لما يحدث في طرابلس، وهي التي من المفترض أن تكون حاضرة وبقوة لمنع الاعتداءات على المواطنين بغض النظر عن هويتهم المذهبية أو الطائفية او السياسية. أما في موضوع النزاعات الاهلية التي يخلقها النظام السوري للحفاظ على نفسه نتساءل ما هو تعريف النزاعات الاهلية أو الحرب الاهلية؟ لقد أصبح العديد حتى من أعداء سوريا والذين لا يضمرون أي خير لها يقرون بأن الحرب الدائرة في سوريا في معظمها هي حرب بين الجماعات التكفيرية والارهابية والجيش العربي السوري، وأن أعداد كبيرة من هذه المجموعات ليس سورية بالأصل بل قدمت من كل بقاع العالم. وهذا الحشد من المقاتلين الأجانب لم يرى له سابقة حتى في زمن الحرب في أفغانستان عندما كانت المجموعات الجهادية تحارب القوات السوفياتية. وهنالك العديد من الاستخبارات للدول الغربية التي بدأت تتوافد على دمشق او تقوم بالاتصال للحصول على بعض المعلومات عن مواطنين لها يقاتلون في سوريا مع الجماعات الإرهابية. أما عن المحيط السوري ، فمما لا شك فيه أن الدول التي سهلت أو تغاضت عن استخدام أراضيها لإدخال المقاتلين والأسلحة للداخل السوري لا بد أن تلدغ وتقاسي من أفعال هذه المجموعات ولننظر الى ما حصل في عرسال فهو أكبر دليل على ذلك فقد أصبحت تورا بورا للجماعات الإرهابية ومنطقة يحذر على الجيش اللبناني الدخول اليها. أما طرابلس فقد أصبحت قندهار اللبنانية. وهذا ينطبق حتى على الدول الغير محاذية لسوريا والتي أسهمت بإرسال الارتال من التكفيريين والارهابيين الى الداخل السوري مثل تونس، وكما يقول المثل ‘دجاجة حفرت على رأسها عفرت’. هذا ليس من فعل النظام السوري أم هو كذلك نتساءل؟ أما فيما يختص بلبنان والتوازن الطائفي فان المصيبة الكبرى التي عايشها ويعيشها لبنان منذ استقلاله يكمن في تأسيس نظام السياسي المبني على المحاصصة الطائفية والمذهبية وبالتالي تكريس النزعات والولاءات للطائفة والمذهب، بدلا من تعزيز الانتماء للوطن والدولة، وهذا ما يجعل لبنان عرضة للتدخلات الأجنبية المبنية على هذه النظرة الضيقة والمقيتة، هذا بالإضافة الى التدخلات المصاحبة لموقع لبنان على الخارطة الجغرافية والسياسية للمنطقة . ان الذي يسعى لتدمير لبنان وتمزيق لحمته ومكوناته الاجتماعية واشعال اتون الحرب الاهلية هو من جاهر بذلك علنا أما عن تفكيك لبنان، ان المنطقة والدول العربية ودون استثناء كلها مستهدفة من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الذين يسعيا الى تحويل دولنا ومنطقتنا الى دويلات وكيانات وجزر أرخبيل طائفية ومذهبية وعرقية. وقد أحرزت نجاحات في ذلك في العراق والسودان وليبيا، واذا لم يتم التصدي لهذا المشروع الجهنمي ستسقط الدول المتبقية الواحدة تلو الأخرى. وما هذا الهجوم الكوني على سوريا الا لأنها الدولة الوحيدة التي رفضت الانصياع لهذا المخطط والرضوخ للهيمنة الامريكية، وما زلنا نذكر ماذا حمل كولن باول من الرسائل والتهديدات الامريكية المبطنة منها والمعلنة للنظام السوري بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وتدميره بالكامل، ولكن الذي يبدو أن ذاكرة البعض قليلة أو أنهم يفضلون عدم التذكر. وإذا ما كانت الولايات المتحدة قد تراجعت نسبيا عن عدوانيتها المكشوفة لأسباب أصبحت معروفة للقاصي والداني، فان هذا لا يعني بالضرورة تخليها عن مشروع التقسيم والتجزئة للمنطقة. ان سوريا في حربها وصمودها لا تدافع عن الوطن السوري فقط بل تدافع عن العروبة والقومية العربية الذي يريد البعض أن يمحو ما تبقى منها، وهي تتصدى للإرهاب الإقليمي والدولي في آن واحد وتتصدى للمخططات الاستعمارية والصهيونية للمنطقة . الدكتور بهيج سكاكيني أكاديمي – لندن