‘الأم الشجاعة’ تعيد نضال الأشقر الى المسرح الحي

حجم الخط
0

بيروت- ‘القدس العربي’:حقاً كانت رائدة الحركة المسرحية في الوطن العربي نضال الأشقر ‘الأم الشجاعة’ التي كتبها بريشت، لكنها في الاقتباس إلى الواقع العربي صارت ‘الواوية’. هذا العرض المسرحي المثير للإعجاب أعاد واحدة من أهم الممثلات المسرحيات إلى الخشبة بعد 22 عاماً من الانقطاع. مسافة جيلين بين لعبها للـ’حلبة’ مع رفيق علي احمد وأكثر وعودتها في الواوية، ومع ذلك كانت الممثلة التي لم تفقد أياً من أدواتها المسرحية. كما أنها استعادت كامل خفتها وليونتها في الحركة على الخشبة.
مسرح المدينة يقدم نضال الأشقر في ‘الواوية’ هذا ما جاء في بطاقة الدعوة. هو تقدير لعودة قديرة تميزت في أكثر مفاصل العرض. ورغم حضورها المسيطر جداً في نص اقتبس ليكون على مقاسها، بقي حضور المُقْتَبس إيلي أضباشي موجوداً، وحضور المخرج ناجي صوراتي متغلغلاً في كافة مفاصل العرض.
في الغالب تحاول الحركة الفنية المتنوعة من سينما ومسرح أن تترك بينها وبين الحدث السياسي ـ الحربي مسافة زمنية لتراه من بعيد وبتجرد، ومن ثم التعبير عنه. الحدث العربي الملتهب المسمى ربيعاً في أوجه، ومع ذلك عادت نضال الاشقر إلى الخشبة لتسأل بشكل غير مباشر ‘إن كان الربيع العربي سيبقى بالفعل ربيعاً، أم أنه سوف يتحول إلى حروب لا متناهية’؟
في هذا العرض المسرحي كنا على تماس مع مشكلات العالم العربي الراهنة. وعكست شخصيات العرض قصص المواطن، مما أتاح التساؤل عن حقائق عالمنا المتماوج ومفاهيمه. الواوية هي الشخصية الرئيسية للعرض أحاط بها على المسرح أبناؤها الثلاث. خالد العبد الله الابن دمشق يتواصل عبر الكلام والغناء، وعبد قبيسي وعلي الحوت وهما على التوالي يحملان أسمي بغداد والقدس ويتواصلان عبر استخدام الموسيقى وهما أبكمان. فيما جسد هادي دعيبس الشخصيات الاخرى بواسطة الدمى.
بأسلوب الكوميديا السوداء عالج النص أثر الحرب والسلم على النفس البشرية. الواوية المحاطة بالحروب تدرك أن وسيلتها الوحيدة للبقاء مع ابنائها هي في انتهاز اللحظة وهكذا تحولت إلى تاجرة. وفي دخولها إلى عالم الانتفاع ترى الواوية ‘بدون حرب ما في نظام.. الناس خايفين من السلم.. السلم كسرلي ضهري.. الهزائم والانتصارات بتكلفنا نحنا عامة الشعب’. يجيبها محرك الدمى ‘منحازة للحرب لأنك مستفيدة منا’.
ومن الافكار التي رددتها الواوية ‘بْتوقَع الحرب بجورة الخرا بيضطروا الحكام ينزلوا ع الجورة وينشلوها’. وكذلك ‘الحرب متفائلة.. مفرفحة بتطلع لقدام’. ورددت الواوية كذلك بلسان المستفيدين من الحروب ‘نجرب نجني خيرات الحرب حتى بس يوصل السلم نقدر نرتاح’.
صرخت الواوية بوجه تجار الحرب، وصوت نضال الاسقر هو جزء من حضور جسدها، وهي تمكنت من استعادة هذا الحضور بجاذبية واضحة تماماً. وكانت المرأة المناضلة المتألقة بالحيوية وحب الحياة. إنما لم يخلو حضورها من الخطاب المباشر المتناثر على مدار العرض وفي الختام بخاصة.
في الحديث عن باقي الشخصيات في العرض كان الصوت الغنائي لخالد عبد الله ومعه غناء نضال الأشقر جزءاً من الصراع من أجل الحياة. وكذلك كان كل من عبد قبيسي وعلي الحوت في تأليفهما الموسيقي وعزفهما الحي على الخشب شخصيتان قائمتان بذاتهما. فالآلات تأوهت، صرخت، وضربت نفير الحرب، وتركتنا نشاهد تحرك الجيوش بكل عتادها. الشخصيات الاخرى التي كان لها حضورها، كانت تلك الرؤوس المنفصلة عن الاجساد والمعلقة على السلالم تشي بالقلق. وهي رؤوس مثلت شخصيات بعينها وكان لها حديث وموقف وخطاب.
في السينوغرافيا التي وقعها برنار ملاط كنا كمتفرجين بمواجهة حلبة حرب شاسعة وداكنة وممتلئة عمادها السلالم. ربما هي سلالم الصعود والهبوط من وإلى هاوية الحرب. اضاءة منى كنيعو تحدثت عن الحروب والموت الذي تخلفه. لقد أمضى المتفرج ساعة وبضع دقائق من الزمن مع نص اقتبسه ايلي اضباشي بشكل جميل عن بريشت تمكن خلاله من تحقيق ولادة جديدة لنص بريشت، ومن وحي واقعنا العربي المعاش. نص وضع عليه المخرج ناجي صوراتي لمساته التي قربته من القلب. وإن كانت عودة نضال الأشقر إلى الخشبة تحسب لصوراتي وأضباشي معاً، فلا شك بأن عرض الواوية هو نتيجة لقاء أفكار بين صوراتي والأشقر.
نضال الأشقر التي جعلت من مسرح المدينة منارة ثقافية اعادت الحياة بالتدريج إلى شارع الحمرا الشهير في بيروت سبق لها وأخرجت على خشبته تباعاً ومنذ سنة 1996: طقوس الاشارات والتحولات. منمنمات تاريخية. 3 نسوان طوال. قدام باب السفارة الليل شو كان طويل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية