الذبح الحلال للدول المارقة
د. عبدالوهاب الافنديالذبح الحلال للدول المارقة(1)فيما يبدو انه تصلب مفاجئ ومستغرب، رفضت الترويكا الاوروبية المكونة من بريطانيا وفرنسا والمانيا بحزم عرض ايران لاستئناف التفاوض حول برنامجها النووي.والمعروف ان مسار التفاوض هذا جاء بمبادرة من هذه الدول، وكان يمثل صلب استراتيجيتها لحل القضية النووية الايرانية. وبما ان كل الدول، بما فيها الولايات المتحدة، تستعيد حلا غير سياسي لهذه الازمة، فانه لا يوجد اي بديل للمفاوضات. فلماذا اذن هذا الرفض والتصلب؟(2)الاجابة هي ان المفاوضات مع ما يسمي في عرف الولايات المتحدة الدول المارقة هي استراتيجية ردع، مثلها في ذلك مثل القصف، وليست بديلا للردع، والامر اشبه بالتكنيك الذي يتبعه رجال الشرطة في التعامل مع الخاطفين، بهدف اطالة امد الحصار وانقاذ اكبر عدد ممكن من الرهائن، وجمع اكثر كمية من المعلومات تساعد في اتمام عملية الاجتياح المتوقعة بأقل الخسائر، ولا يعتبر مثل هذا التفاوض بديلا لاعتقال الخاطف وتحرير رهائنه، بل تمهيدا له.(3)الولايات المتحدة تستخدم في الغالب اطرافا ثالثة للقيام بهذه المهمة: روسيا وفرنسا وبعض الشخصيات العامة ذات الاحترام (مثل ادوارد هيث) في حالة العراق بعد اجتياح الكويت، الصين في حالة كوريا الشمالية، مصر والسعودية في حالة سورية، السعودية وجنوب افريقيا في حالة ليبيا؟ والترويكا الاوروبية في حالة ايران.(4)مهمة هذا الطرف الثالث هي ان يظهر لـ الدولة المارقة بأنه حريص علي مصالحها، ويقدم لها نصائح تؤدي الي تجريدها من احد اهم اسلحتها (الدروع البشرية في حالة العراق،) الوجود في لبنان في حالة سورية، التخصيب في حالة كوريا الشمالية وايران)، وتمهد الطريق لطلب آخر أو الضربة المتوقعة.(5)في حالة ايران فان المطلب الاساسي هو وقف النشاط النووي عموما والتخصيب خصوصا. وبحسب توقعات الخبراء الاستراتيجيين فان ايران تحتاج الي خمس سنوات لانتاج قنبلة نووية وبحسب هذا التاريخ من بداية نشاطها النووي الفعلي. ولهذا فان هدف المفاوضات هو منع او تأخير النشاط النووي اما مع استمرار النشاط النووي فان المفاوضات تصبح غير ذات موضوع، ولهذا يعتبر قرار رفض المفاوضات ورقة ضغط ـ حتي لا نقول ابتزاز ـ لاجبار ايران علي وقف نشاطها.(6)لا نستبعد ان يظهر قريبا فاعل خير او طرف ثالث (آخر) يتقدم باقتراح حل وسط : ان توقف ايران التخصيب مقابل ان يتوسط هذا الطرف لدي الترويكا حتي تستأنف المفاوضات. ولن نستغرب ان استجابت ايران لهذه الوساطة بلهفة بعد ان وضعت نفسها في ورطة لا تعرف منها مخرجا قريبا.(7)مشكلة الدول المارقة هي انها ليست مارقة بما فيه الكفاية، فهي تريد ان تصل بالتحدي الي نقطته الاقصي بدون ان يتحول ذلك الي مواجهة مباشرة. ولكن مشكلتها دائما هو انها تخطيء الحساب، اما بتجاوز كبير لحدود المسموح به، او بالوقوع في فخ التنازلات، وغالبا بالامرين معا، ويزيد المسألة تعقيدا ان هذه الدول تكون تحت حكومة فرد او مجموعة صغيرة هدفها الاستراتيجي البقاء في السلطة، مما يجعلها تساوم في امور استراتيجية وتتنازل عما لا يمكن التنازل عنه طمعا في البقاء في السلطة.(8)المفاوضات حين تقع المواجهة تعتبر وسيلة الذبح الحلال لانتزاع المطلوب من النظام المتمرد بالتي هي احسن وبأقل ثمن ممكن، وتجريده من دفاعاته حتي يكون جاهزا للذبح. وبالطبع فان من الحماقة الدخول في تحد لا يكون النظام جاهزا له، فالدولة لا تغزو دولة مجاورة ـ بدلا من الاكتفاء باحتلال منطقة حدودية متنازع عليها مثلا ـ دون ان تكون طورت دفاعات مناسبة ضد الهجوم المتوقع.ولكن اذا ارتكب المرء مثل هذه الحماقة، واصبحت المعركة قادمة لا محالة، فمن الغباء ان يقدم المرء التنازلات التي تسهل القضاء عليه. ولكن تجاربنا والتجارب الانسانية تؤكد ان من لم تعوزه الحماقة لم ينقصه الغباء.9