القاهرة ـ ‘القدس العربي’ امتلأت صحف أمس الثلاثاء 10 كانون الاول/ديسمبر بالكثير من الأخبار والموضوعات المهمة، صحيح ان الخبر الأول كان قيام طلاب الإخوان المسلمين بجامعة الأزهر بأعمال عنف وحرق سيارة شرطة وسيارات للأهالي، الا ان الخبر المهم كان عن بوادر التقارب الذي قامت به قطر، بارسال وزير خارجيتها خالد العطية على رأس وفد كبير لتقديم واجب العزاء لأسرة المرحوم الشاعر والمناضل المصري والعربي أحمد فؤاد نجم، صحيح ان الزيارة استغرقت عدة ساعات، ولكن المغزى واضح وأثار خوف الإخوان، لأن قطر كان من الممكن ان ترسل وزير الثقافة أو الإعلام، أو وفدا من المثقفين، أو ارسال برقية عزاء، أما ان ترسل وزير الخارجية، للتعزية في وفاة شاعر أشاد بالفريق السيسي والجيش وهاجم قطر وقناة الجزيرة، وشن أعنف الحملات ضد الإخوان فهذه خطوة لها مغزاها الواضح.
وقد نشرت ‘المصريون’ الاسبوعية المستقلة التي تصدر كل يوم اثنين تحقيقاً في صفحتها الرابعة عن هروب عاصم عبدالماجد، وكيف هرب نقلا عن روايات عناصر من قيادات الجماعة الإسلامية انه هرب الى السودان ومن الخرطوم استقل الطائرة الى أنقرة في تركيا ومنها الى الدوحة، ورواية أخرى هروبه الى ليبيا ومنها الى تركيا، ورواية قالت الجريدة انها الاكثر مصداقية، ان من هربه الى تركيا جماعة الأنصار، التي أسسها لدعم الثورة السورية، داخل احدى الشاحنات الخاصة بنقل الأغذية والأدوية.
وقالت الجريدة ان هناك رواية عن أحد قادة جماعة الجهاد قال:
‘أحد الأجهزة السيادية قدم كل التسهيلات لخروج عبدالماجد خشية تصفيته بشكل قد يفتح معه صفحة المواجهة مع الجماعة الإسلامية، وبقايا جماعة الجهاد’.
وكل هذا الكلام عن خوف أجهزة الدولة من الصدام مع الجماعة الإسلامية أو جماعة الجهاد، عبارة عن هراء لأنه لا وجود فعلياً لهما، والغالبية الساحقة من عناصرهما، لا تريد أي مواجهة تعرف نتيجتها مقدماً، وكانت قد أبدت معارضتها على عاصم من وقت مبكر وأجبروه على ترك منصبه متحدثاً باسم حزب البناء والتنمية، وكادوا يجبرونه على ترك عضويته في مجلس شورى الجماعة.
ومن بين الاخبار الاخرى استمرار الاستعدادات لإجراء الاستفتاء على الدستور في الشهر القادم، وسط توقعات بموافقة نسبة كبيرة جدا عليه، واستمرار الجيش والشرطة في مهاجمة الإرهابيين في سيناء والقبض على أعداد أخرى من الإخوان.
وإلى بعض مما عندنا:
‘لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني
ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك’
ونبدأ مع زميلنا حازم غراب الذي طالب منذ عدة أيام فقط في ‘الحرية والعدالة’ بحل الجيش والشرطة وإشراف الجماعة على إنشاء جيش وشرطة جديدة تحت رئاستها لتكون مثل الحرس الثوري الإيراني. كما انه اعتبر ان الإخوان يمثلون شعباً، وأنصار خالد الذكر ممن أيدوا الإطاحة بهم ينتمون إلى شعب آخر، وطلب الصلح معهم، قال بالنص في مقاله بعنوان ‘يا شعبنا الشقيق’:
‘نستحضر فيكم بالذات بعد مذابح الحرس الجمهوري ورابعة، وصنوف البطش العسكري الآية القرآنية الكريمة: ‘لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين’، بعض آبائكم وقادتكم يا معشر القومجية عذبوا وقتلوا آباءنا وإخواننا في عصر ليس ببعيد، ولم يحدث قط أن انتقم من بقوا على قيد الحياة من القتلة ولا الجلادين، راجعوا يا شعبنا الشقيق أنفسكم بهدوء منكم من تعاملوا معنا زمالة أو جيرة أو طبابة أو دراسة أو تجارة، هل عهدتم في عمومنا عنفاً جسدياً أو لفظياً أو إهانة أو استكباراً؟
يا شعبنا الشقيق لقد خبرتم على سبيل التأكيد من غووكم واستقطبوكم وربما بحسن نية ورطوكم، هل وجدتموهم أفضل لهذا الوطن؟ بالله عليكم راجعوا أنفسكم وفكروا في آلاف الأشقاء الذين ساهمتم في قتلهم واصابتهم. بالتفويض والتصفيق مازلنا نردد المثل المصري البسيط ‘عمر الدم ما يصبح ميه’، التربية الدينية تعلمنا ونعلمكم الصفح، بل وعدنا ووعدكم الله أن من يتوب تتحول ذنوبه الى حسنات، يا عقلاء شعبنا الشقيق لقد خلقنا الله تعالى لنعبده بعمارة الأرض والتعايش والتعارف، رغم اختلافاتنا، ألم تدركوا بعد أن الانقلابيين يتسببون في كل ما يخرب ولا يعمر؟ أليس قتل النفوس بالآلاف تخريباً وحرماناً للوطن من هذه الطاقات البشرية؟ ألم تتيقنوا بعد من كذب الادعاء بأن المتدينين إرهابيون؟ اسألوا وتأكدوا بأنفسكم ممن خالطوا الإخوان والوسط والأصالة والبناء والتنمية وغيرها من الأحزاب الإسلامية، اسألوا عمن خدموكم منهم في الاتحادات الطلابية والنقابات والجمعيات الأهلية ومستوصفات المساجد’.
تقسيم القلوب والعقول
هو المقدمة الفعلية لتمزيق الأوطان
اما زميلنا أحمد شاهين رئيس تحرير مجلة ‘أكتوبر’ الحكومية فيقول:
‘نحن في أرض الكنانة يجب ان ندرك اننا المستهدفون في المقام الأول من هذا المخطط الشيطاني لتمزيق والتشتيت، سواء بالأغنية البلهاء الخرقاء أو بالأفعال الشيطانية المبرمجة، هو أخطر ما تواجه مصر فتقسيم القلوب والعقول هو المقدمة الفعلية لتمزيق الأوطان، فانتبهوا يا أولي الألباب والإفهام وانتبهوا ايضا يا أصحاب المسؤوليات ويا من تمتلكون السلطة والسطوة، فمصر أمانة في أعناقكم أولا، كما هي أمانة في أعناقنا جميعاً’.
الصراع بين الحق والباطل
طويل يحتاج الى صبر وعزيمة
ونعود الى ظاهرة اليأس، حيث عبر عنها بوضوح يوم الأحد في ‘الحرية والعدالة’ مفتي الجمعة والاستاذ بجامعة الأزهر الدكتور عبدالرحمن البر، عندما طالب أعضاء الجماعة الا ييأسوا بسبب ما يتعرضون له من ضربات، لأن الأعداء ينتابهم اليأس ايضا ويفكرون في الاستسلام، قال مستعينا بآيات من القرآن الكريم ليؤكد بها كلامه.
‘لما كان الصراع بين الحق والباطل طويلا ممتدا يحتاج الى صبر وعزيمة وإيمان فقد بين الله تعالى للمؤمنين طبائع النفوس في هذا الصراع حتى لا يقعدهم اليأس عن المواصلة أو يدفعهم الى الوهن فقال سبحانه: ‘ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليماً حكيماً ‘النساء: 104’ أي لا تضعفوا في نصرة الحق إن تكونوا تتوجعون من المحن والشدائد فإنهم يتوجعون مثلكم فحصول الألم قدر مشترك بينكم، فإذا كان الألم الذي يصيب الانقلابيين لا يمنعهم من مواجهتكم والتعدي عليكم يا أهل الحق والشرعية، فلا ينبغي أن يكون تألمكم مانعاً لكم من مواجهتهم والتصدي لعدوانهم، خصوصا وأنتم تألمون من الأجر والثواب في الآخرة والنصر في الدنيا ما لا يرجون، بعض مظاهر الألم في الفريقين: أما أهل الحق والشرعية السلميون فيتألمون بسبب ما يتعرضون له من القتل والإبادة والتعذيب والاعتقال والظلم والتشويه ومصادرة الأرزاق والتضييق على المعايش والفصل من الوظائف ونحو ذلك مما يتصور الانقلابيون انه سيدفعهم للاستسلام والخضوع، خصوصاً مع استمساك دعاة الشرعية بالسلمية الكاملة في التصدي لهذا العدوان الفاجر، وأما فريق الانقلاب الدموي فيتألمون لأسباب عديدة منها، إحساسهم بفقدان الشرعية التي لا مناص لمن يريد الحكم منها، فهم كاللص الذي سرق ما لا حق له فيه، وقد رأينا تخبطهم وارتباكهم ولهاثهم العجيب في الإسراع بإنهاء أعمال لجنة الأشقياء الخمسين، أملاً في تحقيق شرعية زائفة فوقعوا في أخطاء جمة جعلتهم اضحوكة لكل المتابعين، بعض ما ترجونه أيها المتمسكون بالشرعية من الله ولا يرجوه الانقلابيون، انكم ليست لكم أهداف شخصية ولا مادية، وترجون من الله ظهور الحق على الباطل وتنتظرون تحقيق ما وعدكم الله تعالى من النصر في آيات كثيرة في القرآن كقوله: ‘إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد’ ‘غافر: 51’، أما هم فلا يوجد لعملهم هدف مشروع بل كل أهدافهم مادية، وهي السيطرة على السلطة والثروة وإذلال الشعب بأي سبيل ويصيبهم الهلع كلما أحسوا بالفشل في ذلك، أثناء الصراع تأتي لحظات تعلو فيها المشقة على الطاقة ويربو الألم على الاحتمال، ويحتاج القلب البشري الى مدد فائض وإلى زاد متجدد هناك يأتي المدد من الصلاة والوقوف بين يدي الله، يأتي الزاد من ذلك الكنف الرحيم لإيجاد حالة تعبئة نفسية كاملة تواجه كل عوامل الضعف البشري كما تمنع حصول أي فتور أو يأس أو إحباط وتملأ القلب بالثقة في ضمان الله النصر للمجاهدين الصادقين.
وأن نهتم غاية الاهتمام بالصلوات المكتوبة في الجماعة، وأن نحرص غاية الحرص على النوافل خاصة قيام الليل نتذلل لله ونلتمس رحمته ومعونته وتوفيقه’.
الشعب اكتسب خبرات تؤهله للوقوف مع خيط النجاة الأخير وهو دستور مصر 2013
وننتقل الى جريدة ‘اليوم السابع’ عدد امس الثلاثاء ومقال الكاتب باسل عادل الذي عنونه بـ ‘الدستور ما بين مغالطات الاسود والرمادي’ يقول فيه:
‘يقف الآن بعض منظرى الحياد المموه في منطقه ما بين الأسود والرمادي، فهم لا يتبنون موقفا محددا تجاه الدستور والتسويق له، ويكتفون باعتلاء منابر الوعظ والإرشاد بحديث ظاهره الحكمة والرحمة والتعقل وباطنه المكر والعذاب!
الرماديون يستخدمون أحداثًا وملابسات لدساتير وإعلانات دستورية سابقة، ويخلطون الماء بالزيت ظنا أن هذا الطرح قد يمر، وكأن فترة حكم الإخوان، ومن قبل انفرادهم بالمجلس العسكري بعد 25 يناير يكافئ نفس التوحد الوطني بعد 30 يونيو، ويسطحون الأمور فيقارنون بين حقبة انفرد فيها الإخوان وبعض توابعهم بالقرار السياسي وكتابة الدستور ومن ثم الحكم، وبين دستورنا الجديد الذي تكاتفت فيه كل القوى السياسية من اليسار لليمين مع حزب النور السلفي والأزهر والكنيسة وممثلي مؤسسات الدولة، ومن هذه الخلطة الباردة، يخرج الرماديون بتنظير مسطح مفاده أن الليلة هي البارحة وأن الممارسات واحدة، وإن تغيرت الوجوه في مغالطة من العيار الصفيح.
من المستقر في الوعي العام المصري الآن وقد يكون العربى أيضا ‘إلا المتربصون’، أن مصر عادت من الاختطاف، وأن خطوات إعادة تملك الوطن تجري على قدم وساق على جغرافية خارطة طريق وافق عليها الشعب وأيدها الجيش المصري، ومن هنا يصبح الحديث عن دستور لكل المصريين واجبا وحقا، والحديث عن تبصير الناس به فرض عين، كما أن الاختلاف معه أيضا وارد في بعض من البنود ‘المئتين وسبعة وأربعين’، وهل من العقل أن يتفق أطراف على كل هذا العدد الضخم من البنود؟ ولكن المحك الرئيسي هو المستهدف والمتحقق من نفس الدستور، وهل نسبة تحقيقه مرضية أم لا؟ هل نرى في هذا الدستور هوية مصر أم لا؟ هل نصوص الحقوق والواجبات والحريات متوازنة أم لا؟ هل هناك نظام سياسي يتناسب وطبيعتنا أم لا؟
يحاول بعض الرماديين أن يجعلوك تنظر لنفسك أثناء تسويقك لدستور تثق به على أنه معركة مكررة، وأنك تفعل مثل ما فعل مخالفوك، وقد يطرحون أيضا أنك لا ترى إلا مصالحك السياسية، وتنظر لها، في حين أن اقتناعنا بمجمل دستور مصر الجديد هو الدافع الوحيد للتنظير له، وعندنا من الإثباتات الكثير، ويكفي أن دستورنا الجديد لم يقص أحدا إلا داعمي الإرهاب والعنف ورافضي الاتساق مع نداءات الشعب في ميادين 30 يونيو.
يقول السوداويون، إن التسويق للدستور بالاستقرار عار، غافلين أن الدساتير تمهد لأولى درجات الوضوح السياسي، وتؤسس لنظام حكم واضح المعالم يخرج البلاد من حالة ثورية مترامية السلطات والاتجاهات، ولكن الاستقرار الذي نعنيه يعني مصر بالكامل، ويحقق مصلحة كل المواطنين 98 بالمئة من الفرق السياسية وليس لحساب فصيل واحد يستقوي على المصريين! ثم إن التسويق للدستور بإعادة الإنتاج واستقرار السوق واستدعاء الاستثمار لهو من قبيل المنطق والعقل، ولا يفوتني هنا الدعاية التي أطلقها الإخوان لدستورهم ‘بالدستور العجلة تدور’ ولم يفسروا أن شرط دورانها أن تكون لمصلحتهم فقط، وأن تكون إقصاء لكل من هو دونهم…. اننا- وبكل وضوح- لا نريد دستورا يعادي الأديان، كما لا نريد دستورا يغفل الهوية الثقافية المصرية متعددة المشارب والاتجاهات والألوان والعصور.
يحاول السوداويون وحواريوهم من الرماديين أن يشككوا المصريين في رؤيتهم ويصيبوهم في واقعهم ومحدداته، ويحاولون أن ينالوا من زخم هذا الدستور تحت دعاوى التعقل، إن تلك المغالطات المستمرة للوقوف أمام إرادة 30 يونيو لن تفلح لأن الشعب بكامل قطاعاته استهلك في معارك سياسية بما فيه الكفاية، واكتسب خبرات تؤهله للوقوف مع خيط النجاة الأخير وهو دستور مصر 2013′.
أيهما أسبق.. الانتخابات
البرلمانية أم الرئاسية؟
وننتقل الى موضوع الانتخابات وايهما التي يجب ان تسبق الاخرى الرئاسية ام البرلمانية، ومقال الكاتب عمرو هاشم ربيع في جريدة ‘المصري اليوم’ عدد الاثنين يقول:
‘لعل من أصعب المشكلات الإجرائية في تنفيذ خارطة الطريق الجدل الحادث حاليًا ما بين أيهما يسبق الآخر: الانتخابات البرلمانية كما ذكر الإعلان الدستورى الصادر عقب ثورة 30 يونيو، أم الانتخابات الرئاسية المؤجلة بعدها؟ هذا الجدل ارتبط بأمور ذات طابع سياسي وأخرى ذات طابع دستوري. فسياسيًا، تتمثل الفائدة الرئيسية في جعل الأسبقية للانتخابات الرئاسية، ان تلك الانتخابات تتسم بالسرعة، فهي تجري على مرحلة واحدة، وليس ثلاث مراحل كما في الانتخابات البرلمانية. وتصبح مصر فيها دائرة واحدة غير مقسمة إلى عشرات الدوائر، كما في الانتخابات البرلمانية. كما أن الزخم السياسي في انتخابات الرئاسة رغم أهميتها محدود، بسبب قلة عدد المتنافسين وهم من الآحاد، مقارنة بالانتخابات البرلمانية، والمتنافسون فيها بالآلاف. من ناحية أخرى، فإن انتخابات الرئاسة سيكون هدفها انتخاب رئيس الدولة وهو المسؤول التنفيذي الأرفع والأهم في أعين الداخل والخارج، مقارنة بالانتخابات البرلمانية التي سينتخب فيها مشرعون. وأخيرًا والأهم، أن إجراء الانتخابات الرئاسة سيثبط من عزيمة جماعة الإخوان المسلمين، التي ما فتئت ترفع صور الرئيس المعزول وتطالب بياناتها بعودته.
ودستوريًا، هناك حالة ارتباك في مواد مشروع الدستور، فتارة نجد مادة تميل لكون الانتخابات الرئاسية أولا، وأخرى تشير لكون الانتخابات البرلمانية أولا، والمؤكد أن أعضاء لجنة الخمسين لم يقصدوا إحداث هذا الارتباك، لكن عدم القصد في حد ذاته يعني انخفاض درجة الوعي بأثر هذه المادة أو تلك. خذ مثلا، على الرغم من أن المادة 230 ساوت بين الانتخابين أيهما ينعقد أولا، فإن المادة 102 نصت على تعيين رئيس الجمهورية 5′ من أعضاء البرلمان، إذن كيف يعينهم وقد جاء البرلمان بعد انتخابه! كذلك المادة 162 التي تتحدث عن أنه إذا تزامنت انتخابات الرئاسة (حال شغور منصب الرئيس المنتخب) مع انتخابات البرلمان فإن الأولوية لانتخابات الرئاسة. على العكس من ذلك كله نجد المادة 142 تنص على أنه يشترط للترشح لمنصب رئيس الجمهورية أحد أمرين: إما أن يزكى من قبل 25 ألف ناخب، وإما أن يزكى من قبل 20 نائبًا في البرلمان. هنا يكون السؤال: أليس في عقد الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية منع لاستخدام الوسيلة الثانية؟
إن هذا اللغط الشديد يعتقد معه أننا أمام حتمية إعمال المادة 192 من الدستور عقب الاستفتاء عليه، وهذه المادة خاصة بتدخل المحكمة الدستورية (لتفسير النصوص التشريعية)، وذلك كي تجيب عن سؤال: أيهما أسبق.. الانتخابات البرلمانية أم الرئاسية؟
نحن أمام تزوير وقع في صياغة دستور البلاد
وفي عدد جريدة ‘المصري اليوم’ نفسه نقرأ مقالا للكاتب امين اسكندر بعنوان ‘خيانة الامانة’:’ ما حدث من تعديل في ديباجة الدستور، مسؤول عنه السيد عمرو موسى؛ لأنه هو مهندس تفاعلات لجنة الخمسين، وهو الممسك جميع الخيوط في يديه، فهو العارف بموقف جميع الفرقاء في جمعية الخمسين، عارف بموقف المدنيين وموقف الأزهر والكنيسة وحزب النور، عارف بالموقف من الدولة المدنية واشتقاق دولة نظامها مدني، وهو يعلم أيضا أن هناك فارقاً كبيراً بين دولة نظامها مدني ودولة حكومتها مدنية – حسبما وقع التزوير- فالأولى تعني مجموعة العوامل التاريخية والاجتماعية التي شكلت ملامح النظام السياسي، فعندما نقول دولة نظامها مدني فنحن نتحدث عن مسارات الدولة الحديثة ونظامها المدني منذ محمد علي حتى الآن، فهي رؤية شاملة فيها التاريخي وفيها الاجتماعي وفيها أيضاً الخطابات السياسية المدنية، وكذلك النخب المدنية التي وجدت طوال تلك الفترة من تاريخ الدولة الحديثة، وعلى سبيل المثال عندما نتناول بالحديث النظام السياسي الفرنسي، وهو الذي تأثرنا به كثيراً منذ محمد علي حتى الآن، فهو قد شهد عدة ثورات رئيسية حتى استقر، وشهد صراعاً مريراً بين أنصار الملكية والجمهورية والإمبراطورية، وخلال تطور هذا النظام حقق الشعب الفرنسي مكتسبات سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية وفلسفية وفنية، حتى وصلت مبادئ حقوق الإنسان إلى دستور الجمهورية الخامسة، وتشكلت جميع السلطات واكتملت صلاحيتها بدقة متناهية، ومن خلال الدستور الفرنسي نستطيع أن نقول إن فرنسا نظامها السياسي مدني.
أما تعبير حكومتها مدنية فهو منوط بالهيئة التي تمتلك القوة الشرعية لفرض الأحكام والقوانين والسياسات التي تصنع بغرض الحفاظ على الأمن والاستقرار وتنظيم حياة الأفراد المشتركة، وهناك أشكال متعددة للحكومة، منها الحكومة الملكية والحكومة الأرستقراطية والحكومة الديمقراطية. هنا يتكشف لنا أنه من الممكن أن تأتي حكومة تطبق سياسات دينية أو عسكرية أو تحافظ على النظام الجمهوري أو تنقلب على النظام الجمهوري، لذا فدولة نظامها مدني أشمل، وتاريخية أي ليست بنت اللحظة وتبلور اتجاهات النظام المدني بشكل عام، أما الحكومة المدنية فهي تعبير مرحلي ويتشكل من سلطتين فقط تنفيذية وتشريعية، وما يضاف من قوانين إلى السلطة القضائية التي تحتفظ بترسانة القوانين القائمة في البلاد.
بعد ذلك، هل يعلم من حاول تعديل الديباجة وخيانة الأمانة التي حمّلتها له جمعية الخمسين معنى ما فعل من جريمة، وأن ممثل الكنيسة كان معه حق عندما قال إن عمرو موسى وشلته هم الواقفون خلف التعديل الذي وقع في أكثر من مادة، منها نظامها مدني إلى حكومتها مدنية، ومنها حذف ‘تنوع مصادر التشريع’ في الجزء الخاص بتعريف مبادئ الشريعة، بالإضافة إلى ما كشفه محمد طاهر، رئيس نادي خبراء العدل، بأن هناك خطأ وقع في عنوان الفصل الخاص بمادة الخبراء بالدستور بتغييره إلى اسم معاوني القضاة.
باختصار نحن أمام تزوير وقع في صياغة دستور البلاد حسبما قال الشاعر الكبير سيد حجاب ‘المسودة خرجت عن النص الذي كتبته بيدي’؛ لذلك علينا أن نتوقع إن لم تتم معالجة الأخطاء بشفافية وعدالة فإن أطرافاً عدة ستأخذ على عاتقها رفع قضايا بوقف الاستفــــتاء، وكل هــــذا من جراء خيانة الأمانة وفهلوة التصرف، لكن علينا أن نعترف وبعدالة أيضاً بأن مشـــروع الدستور هذا أفضل كثيراً من دستور الإخوان، وأن هذا الدستور يليق بمصر في هـــذه اللحظـــات، وهو معبر عن تفاعلات اللحظات المعيشة، وأنه سوف يساهم في المستقبل بدستور أكمل يتناسب مع قدرات أخرى في تاريخ مصر، نأمل أن تأتي بعد المرور من تلك الأزمات التي نعبرها، عندها سوف يخلو الدستور من محاكمة المدنيين عسكريا ويخلو أيضاً من تحصين وزير الدفاع، وعندها سوف يكون دستور المواطنين الأحرار فقط.
نجم بين العمى الرسمي والبصيرة الشعبية
وننتقل الى موضوع اخذ حيزا كبيرا في الاعلام سواء المصري او العربي، وهو وفاة النجم احمد فؤاد نجم ونقرأ مقالا للكاتب وائل السمري في اليوم السابع عدد امس الثلاثاء يقول فيه:
‘لم يضع أحمد فؤاد نجم في حسبانه أن الدولة المصرية ستتذكره أو ستكرمه أو ستمنحه وساما أو جائزة، فهو المترفع المستغني، وهو المسكون بجائزة الشعب وحب الناس وألفة الأرصفة والشوارع والزحام القاهري المعتاد، وهو الذي كان يتلقى جائزة المحبة في كل عين تراه، وفي كل يد تصافحه، وفي كل عناق يتلقاه برحابة وحب، وهو العائش في كنف الشعب المصري الذي يعتبره أهله وعشيرته، ففي كل حارة له بيت، وفي كل بيت له غرفة، وفي كل غرفة له قلب.إذن لم يكن أحمد فؤاد نجم من منتظري الجوائز والتكريمات، وهو المكرم من كل مصر، والمحفور في العين والقلب والوجدان، لكننا نحن الذين كنا بحاجة إلى تكريمه، ترسيخا للعديد من المبادئ التي غابت عنا، وأهمها مبدأ العرفان والتقدير، فهذا الرجل كان أيقونة للحرية وأنموذجا أمثل للشخصية المصرية بتقلباتها وعظمتها وبساطتها وحنوها وإبداعها، لكننا للأسف منحنا جائزة الدولة التقديرية لشخصيات غريبة الأطوار مثل محمد الجوادي وتركنا ‘عم أحمد’ تتلقفه أمواج الحياة وتأكل منه تفاصيل المعيشة اليومية من دون جائزة أو تكريم.المشهد الأبشع للدولة الغافلة تجلى في عزاء أحمد فؤاد نجم، فهذا الرجل الذي له من الأفضال على الشخصية المصرية ما لا يعد ولا يحصى لم تشارك شخصية ‘رسمية’ واحدة في مراسم دفنه، كما أن توافد وزيري الثقافة والتعليم العالي على عزائه بالأمس لم يكن بصفة رسمية وإنما كان لعلاقات صداقة قديمة بين الراحل والوزيرين، ولقد كنا قديماً نرجع تجاهل مبارك للثقافة والمثقفين إلى قلة وعيه وانعدام ثقافته، لكن ما حجة هذه الحكومة التي يجلس على مقاعدها العديد من المثقفين وعلى رأسهم الدكتور حازم الببلاوي، وللأسف فإن دولة مبارك التي كنا نصفها بالجهل والعمى تفوقت في هذه الجزئية على دولة ‘منصور والببلاوي’، فحرص مبارك على تشييع جثمان الكاتب المصري العالمي نجيب محفوظ بنفسه، ورغم أن مشاركته في الجنازة كانت رمزية، وأن مدتها لم تتعد بحسب بعض الروايات الدقائق العشر، لكنها كانت ‘مشاركة’ على أية حال، تعكس اهتمام رأس الدولة بقيمة الإبداع وأهمية المبدعين، فأين رأس الدولة من عزاء أحمد فؤاد نجم؟ أم أن دولتنا الآن ‘بلا رأس’؟وليس أشد مرارة من غياب رأس الدولة عن تشييع شاعرنا الكبير أحمد فؤاد نجم إلا غياب اتحاد الكتاب المصري عن هذا الحدث الجلل، فقد تجاهل هذا الاتحاد المتخاذل الذي تفرغ مؤخراً لمطاردة المبدعين وقيامه بدور المحتسب ‘بالوكالة’ عزاء أحمد فؤاد نجم ولم يشارك لا في مراسم الدفن ولا تقديم واجب العزاء، ولم يصدر حتى ‘بيانا’ ينعى فيه روح الشاعر الكبير، ومر يوم وفاة شاعرنا الكبير من دون أن ينبس مجلس إدارة الاتحاد ببنت شفة، كما لو أن الأمر لا يعنيه، أو أن أحمد فؤاد نجم لم يرب أجيالا من المبدعين والمثقفين والفنانين، وفي ظل هذا التجاهل الأعمى سواء على المستوى الرسمي أو النقابي، فإنه من العبث الآن أن نستاء من تطاول أعضاء الإخوان على شاعرنا الكبير، فإذا كانت ‘دولة 30 يونيو’ التي دعمها ‘نجم’ وتفرغ للدفاع عنها ومهاجمة خصومها قد نسيته فلماذا نلوم أعداء ’30 يونيو’ على التطاول عليه؟ نحن هنا لا نطلب من أحد ‘صدقة’ أو ‘تفضلا’ فقد كان ارتقاء ‘نجم’ إلى السماء مناسبة لتقوم الدولة بدورها وترعى أبناءها الذين ظلموا طوال حياتهم، لكنها للأسف لم تستغل هذه المناسبة ومضت في ظلم مؤيديها، والمطلوب الآن أن يتم تكريم هذا الشاعر الكبير بكل وسيلة ممكنة، وأن تبذل الدولة أقصى ما في وسعها لرعاية إبداعه والعناية بأسرته، فهذا حق مصر وحق أبناء مصر.
ت
تم نزع الرحمة والتعاطف
مع من يفترض أنهم ‘بني آدمين’.
اما في جريدة ‘الشروق’ عدد امس الثلاثاء فنقرأ لباسم يوسف مقالا بعنوان ‘تعاطفك لوحده كفاية’: ‘من كان يتخيل أن يعاقبك الناس حين تحاول أن تظهر إنسانيتك أو أن تعبر عن حزنك أو ضيقك حين يتعرض بني آدم، أكرر، ‘بني آدم’ للظلم بأي صورة؟ من كان يتخيل أن اعتراضك على مقتل ‘بني آدمين’ أو حبس ‘بني آدمين’ أو قمع ‘بني آدمين’ بأي صورة يجعلك عرضة لاتهامات متعددة تتراوح بين الخيانة والكفر على حسب من يقوم بالحكم عليك؟ الآن أنت لا تستطيع أن تنعم بأكبر نعمة أنعمها الله عليك وهي التعاطف مع إخوانك في الإنسانية، بدون أن تكون مستعدا بديباجة طويلة عريضة لتوضيح موقفك السياسي حتى لا تتهم بالعمالة أحيانا، وبالزندقة أحيانا أخرى.
الموضوع ليس جديدا. هو قديم قدم الإنسانية. فحين تفكر في الحروب والمجازر والتاريخ الدموي لظلم الإنسان لأخيه الإنسان تدرك أن كل هذا لم يكن ممكنا إلا بطريقة واحدة فقط، وهي شيطنة أعدائك ونزع أي نوع من التعاطف معهم. يتساوى في ذلك من يقتل باسم الرب أو باسم أمن الوطن.
يمكنك أن تقرأ هذا الكلام بدون أن تقلق، ففي النهاية أنت لست الجندي أو الجهادي أو فرد الأمن الذي يضغط على الزناد ويطلق الرصاص بلا رحمة على من يعتبرهم بشرا سابقين. ولكن الحقيقة أن هذا يبدأ بين أناس عاديين. مواطنين مثلي ومثلك فقدوا كل تعاطف مع الآخر.
يبدأ الموضوع بنوع من الأنانية المفرطة. فأنت لا ترى غير الضحايا الذين يقعون على جانبك أنت. يعني مثلا إن عبرت عن ضيقك وغضبك بسبب حكم حبس بنات إسكندرية (الذين حصلوا على البراءة لاحقا) يبعث لك صديقك بصورة لجنود كرداسة الذين تم قتلهم ظلما وبهتانا ويقول لك ‘لو زعلان على دول، افتكر دول’. لو عبرت عن حزنك لمقتل الجنود في سيناء تنشر الصفحات الإخوانية صورا من رابعة وتقول: ‘لو زعلت على دول، افتكر الأول دول’.
يتم اغتيال ضابط الأمن الوطني في كمين إرهابي فبدلا من أن نترحم على روح إنسان، يتسابق البعض على نشر أسماء وصور الشهداء الذين وقعوا برصاص الداخلية وكأن محمد مبروك مسؤول عن كل ضحايا الداخلية.
الموضوع لم يعد مجرد تذكير بمن قتلوا. الموضوع تحول لمتاجرة بهم لنزع أي محاولة تعاطف مع من بقى بيننا. أنت لا تستطيع أن تبدي رأيك في أي شىء بدون أن يذكرك الإخوان برابعة واللي حصل في رابعة. ‘انت ازاي تضحك وتاكل وتشرب وتعيش وفيه ناس ماتوا في رابعة؟’. هم نفس الاخوان الذين شتموا جيكا ورفاقه وتشفوا فيهم حين قُتلوا في عهد مرسي وهم نفس الإخوان الذين يتاجرون الآن بدمه ويطالبون بالقصاص للشهداء….
هل تتذكرون المناحة التي نصبها البعض أيام أحداث بورسعيد؟ وكيف كانت القنوات التلفزيونية تصف من خرج ضد مرسي بالمتظاهرين وتصف من ماتوا بالشهداء؟ قارن الآن بما يحدث في الشارع في المظاهرات، حتى التي لا يحركها الإخوان. نفس الحركات الشعبية التي خرجت ضد مرسي، وكانت تحتفي بها وسائل الإعلام، هي الآن حركات ‘تستاهل القتل’
ما نراه الآن في الحياة السياسية ليس مجرد عداوة أو خصومة سياسية بين أطراف متصارعة. فالكراهية المتبادلة متوقعة من الأعداء السياسيين وينعكس ذلك على سعيهم لتعميق البغضاء بين قواعدهم وقواعد منافسيهم. ما نراه الآن هو تغلغل هذه الكراهية إلى الأشخاص العاديين. لقد تم نزع أي نوع من الرحمة والتعاطف مع من يفترض أنهم ‘بنى آدمين’…. أصبح الكل متربصا للكل الآن. غير مسموح لك حتى ان تحزن أو تتعاطف مع من يشاركونك هذه الحياة بدون تقديم كل ما يثبت أنك على نفس الخط الفكري والسياسي حتى يتم قبول حزنك….
لنكن صرحاء مع أنفسنا، أنت لا ترى أي سبب للتعاطف مع أحد خارج دائرتك المؤيدة لآرائك. وإن كان هذا رأيك فهذا شأنك ولكن أن تصادر على حق الآخرين في التعاطف مع من مات ومع من تم حبسه ومع من تم قمعه، فلا أنت قبلت بالرحمة ولا تركتنا ننعم بها.
نحن لا ننكر أن هناك استقطابا حادا في المجتمع، لكن اللى بيحصل ده مش استقطاب، ده استهبال. وبصراحة إحنا كده رايحين في سكة نكد! في وسط هذا الجنون أنا لا أطلب منك أن تبدل موقفك السياسي أو أن تقلل من تعصبك ناحية طرف ما. كل ما أطلبه منك أن تفعل ما تمليه عليك طبيعتك البشرية. أنا لا أطلب منك أي شيء ولا حتى أن تتبرع ولو بجنيه. تعاطفك لوحده كفاية’.
مقال رائع
اظن لو فكر المصريون بهكدا تفكير لما احتاجواالى انقلاب عسكري وما ترتب عنه من كل هداالجنون الدى نراه فى الشارع اليوم ولامتنعوا عن تدخل العسكر فى السياسة اصلا وللان الحكم اكبر من يترك للعسكر
فلم تدكر لنا كتب التاريخ والجغرافيا مند فجر الانسانية الى يوم الناس ان عسكرا اسسوا دولة او اقاموا حضارة على الاطلاق