باريس ‘القدس العربي’: ‘فرقة نشامى هي نتاج مشروع موسيقي يحاول الاشتغال على الأغاني التراثية التي راجت بالمظاهرات السلمية في سوريا، اشتغال يقوم على بحث موسيقي حر وأكاديمي، لإعادة إنتاج وتوزيع هذه الأغاني’الموسيقي السوري وائل القاق اختار الكلمات سالفة الذكر، لكي يبدأ حديثه لجريدة ‘القدس العربي’.
يعتبر القاق أن بداية الاشتغال على هذا المشروع الموسيقي بدأ مع انطلاق الثورة السورية المجيدة، حيث أن الهتيفة والناس الذين خرجوا في المظاهرات اشتغلوا على إعادة إنتاج أغاني التراث بما يتماشى مع كلمات تعبر عن مطالبهم’وأنا دوري ينحصر في التوزيع الموسيقي لهذه الأغاني’.
يرى القاق أن فضاء اشتغاله الموسيقي يقوم على تراث موسيقى بلاد الشام بالعموم والتراث السوري كجزء منه بالتخصيص، ويلفت نظره أن عبقرية الموسيقى التراثية تستقي حضورها في الضمير الجمعي من خلال مترافقاتها الارتجالية من دبكة ورقص وغيره..’أنا لا أدعي أنني أقوم على عملية إعادة تجميع التراث هذه العملية صعبة وتحتاج لإمكانيات ضخمة، ما أود القيام به في هذه الموسيقى التي غالباً ما تتقاطع في مقام أو مقامين، هي إعادة الإنتاج الارتجالات المترافقة معها من وجهة نظري الموسيقية المتواضعة’.
ويرتكز الجهد الموسيقي الذي قام به القاق على ترتيب الأغاني التراثية حسب المقامات ومن ثم البحث في المقامات الأساسية التي تقوم عليها الأغاني، بغية معرفة المقام الأصلي وكيفية إعادة الإنتاج والتوزيع، ومحاولة معرفة سر الحماس في هذه الأغاني، سواء عبر الكلمات أو الموسيقى.
مشروع الفرقة عملياً أبصر النور مع ألبومهم الأول ‘نشامى’ وضم نخبة من أغاني التراث وأغاني الهتيفة في المظاهرات السورية، حيث نجد هذا الألبوم يضم الأغنية السورية التي لاقت رواجا منقطع النظير ‘جنة’ وهي بصوت حارس نادي الكرامة والمنتخب السوري ‘الساروت’ وتوزيع موسيقي للقاق، وأغنية ‘جوفيه’ المستقاة من تراث حوران جنوب سوريا، والأغنية من غناء كل من أحمد القسيم وشادي أبازيد، والتي لاقت رواجاً في مظاهرات حوران، وأغنية ‘عالهودلك’ والتي سجلت عبر هاتف محمول في إحدى مظاهرات ريف دمشق، ولا يفوت التذكير بأغنية ‘يا محلاها الحرية’، بالإضافة طبعاً لأغنية ‘نشامى’، التي حمل الألبوم اسمها.
وأغنية نشامى تقوم على توزيع التراث الموسيقي السوري ضمن قالب أكاديمي ينيط اللثام عن تنقل عارف وواعي مع الحفاظ على الأمانة الموسيقية لروحها الأم ‘خبرتي الموسيقية المتواضعة لم تكن مبضع نقدي حاولت أن أبقى وفياً لتراث أبناء المنطقة وموسيقاهم ‘الألبوم الأول لم يلق الرواج الذي كان يتوقعه القاق على صعيد الرواج التسويقي على عكس الرواج السماعي والتذوق، ولكن هذا لم يمنعه من التوقع أن قادم الأيام حبلى برواج الألبوم، معتمداً على توفر مناخات أمنية واقتصادية أفضل مما تشهده سوريا الآن، حينها يكون بإمكان الناس أن تحتفي بموسيقاها الجديدة.
مؤخراً أصدر القاق الذي يقيم في العاصمة الفرنسية – باريس- على خلفية اعتقال جراء الاشتراك في المظاهرات السلمية – ويتنقل بين تركيا ومصر ولبنان، ألبومه الثاني ‘خبر عاجل’ الألبوم صدر عبر منحة مادية من مؤسسة ‘آفاق’ واعتماد ذات السياق الموسيقي التراثي، ولكنه أدخل عليه تجريب واشتغالات حرة أكثر من الألبوم الأول، حرية أكسبته علو موسيقي لم يتمكن أن يصله بالتحليق الأول.
حيث ضم الألبوم الثاني أغاني ‘من قفا مدخل بيتكن’ و’مخاوف عاطفية’ و’بيروت’، بالإضافة لأغنية ‘خبر عاجل’ التي حمل الألبوم اسمها، هذا الألبوم على عكس الألبوم الأول لاقى رواج على صعيد التلقي سواء عبر ‘الأون لاين’ أو المبيع. ‘نجاح ألبوم خبر عاجل كان متوقعاً بسبب أجواء الاستقرار والنجاح التي سادت المشروع بالدرجة الأولى، وبالدرجة الثانية على قدم المساواة الجهد الشاق، والذي استغرق نيف وسنتين لاستكمال التوزيع الموسيقي وكافة الأعمال التقنية’ ورؤية القاق أن ألبوم ‘نشامى’ و ‘خبر عاجل’ مشروع موسيقي يؤسس لموسيقى سورية جديدة متمردة على مشاريع النظام الرثة والتي غيبت الإنسان عن الموسيقى كهدف أساسي، والموسيقى السورية الجديدة ليست بديلة عن القديمة، بل هي موسيقى جديدة متمردة من أجل الإنسان كهم أساسي لها.
القاق خريج المعهد العالي للموسيقى بدمشق يراودها حلم العودة إلى سوريا وعبر مطار دمشق الدولي الذي خرج منه بعد أن أخبرته الأجهزة الأمنية، أنه لا مكان للمعارضين في سوريا، وسيحاول خلال السنة القادمة وعبر إقامته في مدينة الفنانين العالمية بباريس وضمن الإمكانيات المتوافرة وخاصةً من منحى توافر استديو للتسجيل، استكمال مشروعه الموسيقي مع فرقته ‘نشامى’ التي تضم بالإضافة له، شاعر الربابة والمغني شادي أبازيد، وأسامة الخيرات على المجوز، ويزن القاق على العود والإيقاع، بالإضافة للموسيقي الأردني شادي خريس على الدف، وكل الآلات السابقة هي آلات شرقية وتنتمي لمنطقة بلاد الشام ولا يرغب القاق بإدخال آلات غربية لن تنتج الموسيقى المتوخاة.
فرقة ‘نشامى’ وبعد حفلتها التي أحيتها مؤخراً في السويد، لديها جولة أوروبية وأمريكية وتأمل أن تساعدها الظروف للقيام بجولة عربية أيضاً، وريع الحفلات بالكامل سيعود لمشاريع إنسانية وإغاثية، لتكون الموسيقى متزاوجة مع الواقع ومثمرة بالإضافة للموسيقى أشياء مادية ومحسوسة تعي أن أدوارها متكاملة وتثبت للناس جدوى الثقافة بالعموم والموسيقى خاصةً.