مثل غيري أقف في نهاية كل عام متأملا أهم الأحداث والتطورات التي شهدها العالم العربي في الإثني عشر شهرا المنصرمة، لأستخلص الدروس والعبر وأحاول أن أتـنبأ بما تخبئه الأيام في العام الجديد. ودعني أجتهد وأقول منذ البداية إن التاريخ المعاصر لم يشهد وقد لا يشهد أسوأ من عام 2013 على مجمل المواطنين العرب من تونس غربا إلى العراق شرقا مرورا بليبيا ومصر والسودان واليمن وفلسطين ولبنان وسوريا، أي ثلاثة أرباع الشعوب العربية. لقد وصفت عام 2011 بأنه عام التحولات الكبرى وعام الشباب العربي بامتياز لأنه شهد سقوط أربعة من الطغاة العرب وهدد بسقوط ثلاثة أو أربعة آخرين. ووصفت عام 2012 بأنه عام صراع بين المواطن العربي والطاغية والسلطان، لأن الأمور لم تكن حسمت لصالح الطغاة، أما هذا العام فقد وقع المواطن العربي العادي بين مطرقة الطاغية الذي استرد بعض مواقعه، إما عن طريق الانقلاب أو تعميم الفوضى أو استخدام القوة المفرطة، وبين سندان الجماعات التكفيرية التي بدأت تفرض أجنداتها المشبوهة بقوة السيف والمتفجرات. لقد ساهم هؤلاء التكفيريون الذين تجمعوا في قلب هذا الوطن ‘من كل لِسْنٍ وأمة – فلا يفهم الحداث إلا التراجم’، بشكل مباشر أو غير مباشر، في دعم الطغاة على استرداد بعض مواقعهم. فبقدر ما كان عام 2013 عام الطغيان المطلق والارتداد على ثورات الربيع العربي دخل عامل الانتحاري التكفيري وسياراته المفخخة وفتاواه الجاهزة لجز الرقاب ورجم الفتيات وإقامة الحد بطريقة رعناء لا تنتمي إلى دين أو عقيدة أو حضارة لتزيد الصورة قتاما ومأساوية، لدرجة أن أصبح بعض المواطنين يتمنون رمضاء الطاغية على نار التكفيريين والانتحاريين التي لا تبقي ولا تذر.
إذن من أين نبدأ الحديث عن رزمة المآسي التي تعاني منها هذه الأمة منذ أن قامت الجماهير العادية بتحدي أنظمة الطغيان لأنها تتوق للحرية والكرامة أسوة ببقية شعوب الدنيا؟ في العام المنصرم توسعت عمليات العقاب الجماعي لكل من جاهر بصوته وهتف للحرية والكرامة والتعددية والتنمية الرشيدة واجتثاث مافيات الفساد وحكم العائلة وتوريث الأبناء المدللين. لقد اعتقدنا في السنة الأولى للربيع العربي بأن نهاية عصر الذل والخنوع والتفتيت وهدر الأموال والهزائم والتشرد والطائفية البغيضة والانصياع لإملاءات الأجنبي والفساد غير المسبوق قد بدأت وأن حلكة الظلام لا بد إلا أن يمحوها انبلاج الفجر. ورغم كل المنكدات والعوائق بقيت شهيتنا مفتوحة في العام الثاني للربيع العربي ببزوغ فجر جديد لهذه الأمة التي سفهها مجموعة من الجهلة والقتلة والمتخلفين ذهـنيا وجسديا. بتنا نحلم، ومن حقنا أن نحلم، أن عهد الطغاة الأكثر رعونة ووقاحة يكاد ينتهي كما انتهى من قبله طغاة أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتنية وأفريقيا. لكن التمنيات شيء والواقع شيء آخر ودعونا نقرأ شيئا من واقع هذه الأمة الذي يثير فينا الغثاء والقهر والإحباط.
1. من فلسطين نبدأ ونرى أن المفاوضات العبثية عادت إلى سكتها التي لا تؤدي إلا إلى تثبيت الاحتلال والمساومة على الحقوق والتخلي عن حق العودة والقبول بفتات ما تفيض به أريحية الكيان الذي يعيش أزهى عصوره بعد تفتت جميع جبهات الأعداء وانصياع كثير من القوى التي كانت تعارض وجوده لتصبح حليفة له ضد الجار أو الحاكم الظالم. لقد كان وزير الخارجية الأمريكي كيري واضحا في طرح مشروعه الذي تبنى فيه الموقف الإسرائيلي تماما في ما يتعلق بشكل الكيان المسخ الذي يعرض على قيادات أوسلو التي أوصلتنا إلى هذا المأزق وأصبحت تتآكل من الداخل ‘كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله’. الانتهاء من المفاوضات، كما وعد كيري، ستكون في نهاية نيسان/أبريل القادم، ننتظر بعدها مؤتمرا صحافيا من كبار المفاوضين وصغارهم لإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، ونشاهد شبلا أو زهرة يرفع العلم الفلسطيني على قباب كنائس القدس ومآذن مساجدها ‘شاء من شاء وأبى من أبى’. ألم يكن هذا هو الوعد الذي سمعناه منذ اتفاقية أوسلو قبل نيف وعشرين سنة؟
أما غزة فما لم يدمره حصار الأعداء والإخوة الجيران دمرته السيول. غزة تحاصر برا وبحرا وجوا. المعبر الوحيد إلى أرض الكنانة مغلق بشكل شبه متواصل وعندما يفتح فليوم أو بعض يوم. مبروك للإنجازات العظيمة التي حققتها حكومة الببلاوي وكأن ميدان إنجازاتها قطاع غزة الذي يتم شيطنته بالكامل تحت حجة تعاطف حركة حماس مع حكومة الإخوان خلال سنتها اليتيمة. أما على الساحة الفلسطينية فيبدو أننا سننتظر سنة أخرى قبل تحقيق الوحدة الوطنية بين حزبين فقدا الكثير من شرعيتهما وشعبيتهما وتحولا إلى نظامي حكم لا علاقة لهما بهموم المواطن القابع تحت الاحتلال الاستيطاني الإحلالي الأشرس في تاريح الحركات الاستيطانية التي أنجزتها الحضارة الأوروبية التي تتشدق بالمساواة والأخوة والعدل.
2. أما مصر فقد دخلت أو أدخلت في نفق مظلم منذ تسلم العسكر قيادة مرحلة ما بعد مبارك. لقد اكتملت الدائرة تماما الآن وتم إجهاض ثورة 25 يناير لتعود البلاد إلى عهد الدكتاتوية والعسكر وقمع الحريات وتكميم الأفواه والإعلام الهابط الذي لا شغل له إلا التحريض ضد الإخوان وحماس وغزة والفلسطينيين. ولا يظنن أحد أننا ندافع عن الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها قيادات الجماعة، الذين ظنوا أن لديهم تفويضا حصريا من رب العالمين ليحكموا البلاد والعباد من منظورهم الخاص، على اعتبار أنه ‘الصراط المستقيم’ فقط وما عداه ‘بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار’. لقد عولجت أخطاء الإخوان بخطايا العسكر وأموال النفط التي أقسمت على نفسها أن تجهض كل الثورات العربية حتى لا يبقى دور للجماهير التي لا ينفع معها ديمقراطية ‘ويجب ألا تعامل إلا بالعصا’، كما قال أحد المتنفذين. لو كانت الإطاحة بالإخوان سلمية وحضارية وتم الاحتكام للشعب صاحب الكلمة العليا لما حصلوا على نسبة تؤهلهم للحكم ثانية، ولما توسعت دائرة المعارضة للعسكر لتشمل حركة 6 أبريل وحزب الوسط وغيرها من الحركات السلمية غير الإخوانية. لكن الاضطهاد الذي يتعرض له الإخوان وأنصارهم سيدفعهم إلى النزول تحت الأرض ويمتشقون سيف العنف والرد الدموي. ألم يتعلم من في السلطة أن القمع يولد القمع والاضطهاد يفجر الأحقاد؟ ومن بين إنجازات حكومة العسكر، بالإضافة إلى حصار غزة، إعادة تأهيل الحزب الوطني ومبارك وأولاده وأحمد شفيق وملك الحديد وكل من له علاقة بنظام مبارك. فإذا قامت ثورة 25 يناير للإطاحة بحكم مبارك بعد ثلاثين سنة من الحكم فماذا بقي من تلك الثورة؟ أتمنى أن أكون مخطئا عندما تنكشف الأمور بعد الاستفتاء على الدستور وخوض الانتخابات التشريعية والرئاسية ونرى مصر العزيزة تتجه نحو الاستقرار.
3. تونس كذلك مرت بسنة عصيبة شهدت حوادث اغتيال هزت البلاد، خاصة سقوط القيادي في النقابات العمالية شكري بلعيد والنائب المعارض محمد البراهمي. لقد أدت حالة الفلتان والفوضى وتغول الجماعات المتطرفة إلى سقوط عدد من رجال الأمن والجيش، وبدأ تنظيم أنصار الشريعة يهدد ويتوعد ويهدر دماء الصحافيين ويشتبك يوميا مع الشرطة ورجال الأمن. تحصنت جماعات متطرفة في جبال الشعانبي قرب مدينة القصرين، حيث حدثت مجزرة قتل الجنود الثمانية يوم 29 أيار/مايو، اثنان منهم قتلوا ذبحا. تونس لا تحتمل مثل هذا العنف أو التطرف حيث لم تشهد في تاريخها عملية اغتيال إلا عام 1961 عندما صفي معارض نظام بورقية المناضل صالح بن يوسف في فرانكفورت بألمانيا. لقد اتفقت القيادات التونسية على تجنيب البلاد التجربة المصرية فبقيت الأطراف الثلاثة (النهضة والمؤتمر والتكتل) تتحاور إلى أن اتفقت على حل الحكومة واستبدال رئيس الوزراء النهضوي علي العريّض بالسيد مهدي جمعة وزير الصناعة المستقل لتشكيل حكومة تكنوقراط لغاية الانتخابات القادمة. صورة حضارية لشعب حضاري مصمم على إنجاح أول ثورات الربيع العربي، رغم رشقات الدم التي ينشرها القتلة والإرهابيون. نراهن في السنة القادمة على وعي الشعب التونسي وقياداته الميدانية لإيصال البلاد إلى بر الأمان.
4. وماذا أقول عن سوريا؟ وهل بقي فيها شيء لا يستحق البكاء؟ ألا يكسر القلب أن يودع العام الحالي بمجزرة مروعة في حلب الشهباء بواسطة البراميل المتفجرة والطائرات التي تحصد المئات يوميا ولا يتحرك أحد ولا يصرخ أحد؟ المصيبة أن الرد أحيانا يأتي من القوى الظلامية التي تنتقم لقتل المدنيين الأبرياء بقتل مدنيين أبرياء آخرين، فالضحية في الحالتين أطفال ونساء وشيوخ ومرضى ومصابون. لقد وجد الشعب السوري أو ما تبقى منه أنه ضحية لنظام لا يرحم وعلى استعداد حقيقي أن ‘يحرق البلد’، كما وعد، وحركات تكفيرية تسللت إلى سوريا لتدفع بأجنداتها الغريبة على حساب الشعب السوري ونسيجه العرقي والديني والثقافي المتنوع. من أين ستكون نهاية المأساة وبداية الحل؟ من جنيف 2 في الثاني والعشرين من الشهر الأول للعام الجديد؟ أم من هزيمة التكفيريين الذين ساهموا في إعادة تأهيل النظام، حيث وضعوا القوى المتنفذة أمام خيارين- كان إعادة تأهيل النظام الخيار الأقل ضررا على مصالحهم، خاصة بعد أن تخلى بسرعة البرق عن ترسانته الكيميائية التي أعدها للوصول إلى مرحلة توازن الرعب مع العدو الصهيوني. هل ستكون النهاية في هزيمة عسكرية للنظام؟ وهل سيسمح حلفاء النظام الأساسيون بهزيمته عسكريا؟ ألم يمدوا له العون في ‘القصير’ عندما فشل الجيش النظامي باستردادها من المعارضة فتطوع حلفاؤه بهذه المهمة؟ إذن تقف سوريا على حافة الانهيار البنيوي الشامل للدولة والشعب والسلطة، لتستبدل بدول وشعوب وسلطات متناحرة إذا لم يتم إنقاذ الموقف في جنيف وبضمانة الدول الفاعلة ودول الجار وممولي الحركات المتطرفة كما حدث في مؤتمر دايتون حول الحرب الأهلية في البوسنة في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1995. أتذكرون أن الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش شارك في المؤتمر، وبعد انتهاء الحرب وضعت السلاسل في يديه وشحن إلى المحكمة الجنائية الدولية ليقضي بقية عمره فيها؟
5. أيكفي سرد كل تلك المصائب التي عاني منها وطننا العربي عام 2013 أم نستمر في الحديث عما لحق بليبيا واليمن ولبنان والعراق من مصائب؟ لقد أثقلت على القارئ كثيرا وأود أن أختصر المسافة وأقول إن ما يجري في هذه البلدان من تفجيرات واغتيالات وتمرد الميليشيات المسلحة وفوضى السلاح قد يؤدي بهذه الدول إلى وصول مرحلة الدولة الفاشلة. ففي العراق مثلا أودت التفجيرات والاغتيالات والمداهمات وفض الاعتصامات بحياة 7260 إنسانا لغاية نهاية شهر نوفمبرمعظمهم من المدنيين. موجة السيارات المفخخة والانتحاريين والتكفيريين وصلت لبنان وكافة أطراف اليمن وليبيا ولا نتوقع عودة الهدوء لهذه الدول بسهولة، خاصة أن الدولة عاجزة عن تقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها مما يشجع الانضمام إلى تلك العناصر المتطرفة. ثلاث سنوات على انطلاق الربيع العربي الذي حوله الطغاة وأعداء الأمة إلى حقول موت لكل من ينشد الحرية والكرامة والمواطنة المتساوية. والرسالة التي يريدون إيصالها هي ‘إقبل بحياة الذل والهوان تحت أرجل الطاغية وإلا سلمناك للفوضى والجماعات التكفيرية التي لا ترحم ولا تخاف ولا تغفر ولا تساوم’. وفي النهاية ستبقى في الذاكرة الجمعية للشعوب العربية أن في هذا العام الرديء يحاكم رئيس منتخب بتهمة التخابر مع حماس ويقوم رموز معروفون من النظام السعودي بالاتصال علنا وعلى رؤوس الأشهاد بمسؤولين إسرائيليين. وتحية في النهاية للأسير المحرر سامر العيساوي الذي شذ عن النص وقهر الاحتلال بأمعائه الخاوية ليسجل صورة رائعة في النضال ويثبت أن هناك بديلا للخنوع والذل إذا ما قررت اليد أن تناطح المخرز بالإرادة التي لا تكل ولا تلين.
‘ أستاذ جامعي مقيم في نيويورك
الفوضى الخلاقة التي نادت بها كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية سابقاً تبلورت في الوطن العربي حيث أنها مكلفة على جميع الأصعدة للشعوب العربية والاسلامية ،والمنسجمة مع الأهواء الغربية بمساعدة الضرير العربي أللا مسوءول
لم دائما نلقي اللوم على اعدائنا انهم خططوا وقالوا وفعلواو و و .والسؤال أين نحن كشعوب واخير امة أخرجت للناس من قدرنا وحياتنا ووزننا .هل استسلمنا كالخراف ليد الجزار.ويا استاذ قول أعان الله غزة على ما تحتمل من أجل الدفاع عما تبقى من كرامة العرب ولتشعرنا بقيمة ا
انسانيتنا واننا بشر نستحق الحياة على ظهر الارض باحترام