عملت أستاذا في جامعة ‘سالفورد’ وهي مدينة ضمن مدن ‘مانشستر’ الكبرى فترة طويلة من الزمن، وكان عملي في تلك الجامعة بطريق الصدفة، إذ لم يكن حضوري إلى بريطانيا مهاجرا، وبالتالي فلم أكن أركز كثيرا على قوانين الهجرة وشروطها، وكل ما كنت أهتم به هو تجديد تصريح العمل، وخلال سنوات عدة لم أذهب إلى العاصمة البريطانية لندن، ولم أكن أعرف الكثير عنها، وعندما كلفت بأن أقدم بعض محاضراتي في فرع الجامعة في لندن.
كانت تلك بداية معرفتي بالعاصمة البريطانية، وقد أصبح شارع ‘كوينزويي’ ومجمع ‘وايتليز’ من أهم الأماكن التي أذهب إليها، خاصة عند انتقالي للعيش بصورة نهائية في العاصمة البريطانية، وكنت قد أسست جلسة شهيرة في ‘وايتليز’ كان يقصدها كثير من نجوم العمل السياسي اللاجئين في بريطانيا، غير أن الذي لفت نظري حقا هو كثرة الأشخاص اللاجئين في بريطانيا في ذلك الوقت، وعلمت من كثير من هؤلاء أنهم كانوا يصلون إلى الأراضي البريطانية ويقولون إنهم فارون من أنظمة الحكم في بلادهم فيسمح لهم بالإقامة وصرف علاوات الضمان الاجتماعي، ويخصص السكن المناسب لهم ولأسرهم، وهم بعد ذلك لا يبحثون عن عمل بل ينتظرون إلى أن يكتمل عدد السنين المطلوبة لأخذ الإقامة الدائمة في البلاد،وبعدها الجنسية.
وكانت تلك عملية أكثر سهولة وفائدة من ممارسة الشقاء في بلادهم، وفي الوقت ذاته كانت السلطات البريطانية في تلك الأيام على درجة كبيرة من التساهل والرأفة التي استفاد منها الكثيرون، ولكن هذا الوضع لم يكن مناسبا مع نظام الضمان الاجتماعي المعمول به في بريطانيا خاصة مع تزايد أعداد المهاجرين بعد قيام الاتحاد الأوروبي وتزايد عدد القادمين من شرق أوروبا، ولا شك أن بلدا كبريطانيا قادر على وضع النظم والقوانين التي ترعى مصالحه، وتبقى مع ذلك الهجرة هي القلق الذي يسيطر على كثير من الدول الأوروبية لأن المهاجرين من الدول الفقيرة يستسهلون عملية الخروج من الدول التي يعيشون فيها والذهاب إلى تلك القارة، وذلك ما جعل بعض البلدان مثل بلغاريا واليونان تبني سياجات من أجل تصعيب الدخول أو العبور من خلال أراضيها .
ولاشك أن الهجرة إلى أوروبا أصبحت تثير قلق كثير من البلدان الأوروبية ليس لأن هذه البلدان غير راغبة في تقديم المساعدة، بل لأن تقديم المساعدة في حد ذاته مسؤولية كبرى ويحتاج إلى توفير الإمكانات، خاصة مع استمرار مد المهاجرين، وكانت الفكرة في الماضي هي أن تقدم الدول الغنية مساعدات إلى الدول الفقيرة لمساعدتها في تقديم البرامج التي توفر الوظائف والخدمات لمواطنيها، ولكن يبدو أن الكثير من هؤلاء المواطنين لم يعودوا قادرين على الصبر وهم يريدون اختصار الوقت والمسافات بالسفر مباشرة إلى الدول الغنية، وذلك ما يجعلنا نتوقف لرسم صورة حقيقية لما يحدث.
تقول كثير من الدول الأوروبية إن هناك زيادة ملحوظة في عدد المهاجرين، ولم تعد الهجرة مقتصرة على العناصر التقليدية بل بدأت كثير من الجنسيات الجديدة تدخل على الخط، وقد بدأت الجهات الأوروبية تحدد جنسيات السوريين والمصريين والفلسطينيين والشباب من شمال أفريقيا، ومن شباب القارة جنوب الصحراء، والذين كانوا يتوجهون في الماضي إلى الولايات المتحدة مباشرة.
ويقوم معظم هؤلاء المهاجرين بمغامرات تتسم عادة بالخطورة، وقد قالت إيطاليا إنها قامت أخيرا بإنقاذ أربعمئة مهاجر كانوا متوجهين بالزوارق إلى سواحلها، والغريب أن معظم المهاجرين يقومون بمثل تلك المغامرات الخطرة هربا من الجوع دون خشية من الموت .وقد أدى هذا الوضع بزعماء الاتحاد الأوروبي إلى عقد جلسة خاصة لبحث موضوع الهجرة غير الشرعية إلى بلدانهم.
وعلى الرغم من هذه المواقف فإن كثيرا من الدول الأوروبية وفي مقدمها إيطاليا تبذل جهودا كبيرة من أجل توفير الأمان للمسافرين بالزوارق، وقامت السفن الإيطالية باعتراض زوارق تحمل نحو ثمانمئة مهاجر كانوا في الطريق إلى شواطئها، ولا يكون انقاذ المهاجرين ناجحا في جميع الأحوال فقد توفي غرقا في الآونة الأخيرة نحو أربعمئة شخص أغلبهم من الأرتريين والسوريين قبالة شواطىء ‘لامبيدوزا’.
وعلى الرغم من انخفاض الهجرة من المغرب إلى إسبانيا ربما بسبب حالة الكساد الاقتصادي الذي يضربها، فإن المغرب ما زال يعتبر من نقاط العبور المهمة إلى القارة الأوروبية، إذ يقصده كثير من راغبي الهجرة من دول أفريقية مختلفة ليخوضوا مغامرة الركوب على زوارق الموت من أجل الوصول إلى القارة الأوروبية. ولم يقتصر دور المغرب على وقف هجرة أبنائه إلى أوروبا بل هو يعمل جاهدا من أجل اعتراض الزوارق المحملة بالسنغاليين المتوجهين إلى شواطىء القارة الأوروبية.
وقال أحد الناشطين في مقاومة الهجرة السرية ويدعى محمد شهمان إن المهاجرين يختارون في العادة الزوارق الصغيرة لأنه يصعب على خفر السواحل تبينها، وبالتالي تصل إلى أهدافها إذا كتب لركابها النجاة، ولا يقتصر المهاجرون على استخدام الزوارق وحدها في عملية الهجرة، بل بإمكان الكثيرين الانتقال جوا إلى احد البلدان ومنها مواصلة الرحلة إلى الدول الأوروبية وتساعد في ذلك كثير من شركات الطيران التي تخفض أسعار تذاكرها، وبالتالي يستطيع كثير من الشباب التوجه بها إلى تركيا، ومن هناك يتسللون إلى القارة الأوروبية.
وتقول كثير من الدول العربية التي تنتقل الهجرة منها إلى القارة الأوروبية إنه يصعب عليها أن تقوم بمراقبة عملية الهجرة بشكل كامل لأنها تقدم في بعض الأحيان خدمات إنسانية للمهاجرين في داخلها ثم يتجه بعد ذلك هؤلاء المهاجرون إلى بلدان أخرى دون علمها.
ويرى كثير من المهتمين بقضايا الهجرة غير الشرعية إن معالجتها لا تكمن فقط في وقفها، بل في منع الأسباب التي تؤدي إليها، لأن معظم المهاجرين لا يتوجهون إلى البلاد الأجنبية من أجل التنزه بل لأنهم يعانون ظروفا إنسانية صعبة في بلادهم والسبيل الوحيد لوقف هجرتهم إلى البلاد الأجنبية لا يكمن فقط في مراقبتهم بل في توفير الحياة الكريمة لهم في بلادهم من خلال برامج التنمية والضمان الاجتماعي.
ومن جانب آخر يقول المسؤولون المصريون إن معظم الهجرة غير الشرعية التي تتم عبر ميناء الإسكندرية يقوم بها سوريون وفلسطينيون دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية .
ويرجع عضو المجلس الوطني السوري ‘جبر الشوقي’ ذلك إلى سببين، أولا التضييق الأمني على هؤلاء في الفترة الأخيرة خاصة بعد اعتصام رابعة العدوية المؤيد للرئيس مرسي، وثانيا وجود عدد من السماسرة يعملون في توفير ظروف ملائمة للهجرة إلى أوروبا نظير أجور زهيدة .
ومن الأخبار الطريفة التي قرأتها رأي لأحد مواطني الإمارات العربية المتحدة يقول لهؤلاء المهاجرين، لماذا لا تصبحون مثل الكوريين أو السنغافوريين الذين كانوا قبل ثلاثين عاما يعانون من الفقر واليوم أصبحوا من أثرياء العالم لأنهم لم يغيروا بلادهم بل غيروا ما بأنفسهم .
ولا شك أن هذا رأي على درجة كبيرة من الأهمية لأن معظم المهاجرين يعتقدون أن مجرد انتقالهم من بلد فقير إلى بلد غني سوف يحل مشاكلهم، دون أن يتساءلوا ماذا يفعلون في ذلك البلد الغني؟ هل يكتفون فقط بالعيش على الإعانات؟ هذه أمور يجب أن تكون في الحسبان قبل القيام بمغامرة الهجرة إلى البلاد المتقدمة .والرأي المجدي هو أن تبدأ معظم الدول الفقيرة في إحداث تغييرات أساسية في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية توفر لمواطنيها العيش الكريم ولا تدفع بهم إلى عالم المجهول
‘ كاتب من السودان
صدقني مافي حل بعد كده إلا تقوم القيامة !!!
أثارت استغرابي جملة (لم تعد الهجرة مقتصرة على العناصر التقليدية بل بدأت كثير من الجنسيات الجديدة تدخل على الخط، وقد بدأت الجهات الأوروبية تحدد جنسيات السوريين والمصريين والفلسطينيين والشباب من شمال أفريقيا)؟؟؟ هدا صحيح بالنسبة للثلاث الجنسيات المدكورة أما تونس مثلا التي تبعد فقط بعض الكيلومترات من أروبا عرفت الهجرة في الاتجاهين و مند القدم. أتساءل من هي العناصر التقليدية للهجرة هل تقصد السودان؟
المقال رائع جدا …ولكن ليس هنالك حلول غير المخاطرة
– ماذا عن المهاجرين الأجانب الذين أغرقوا البلاد العربية حتى أصبحت بعض الأقاليم العربية تضم 50 % أو 80 % …في شبه الجزيرة العربية… و أصبحوا يشكلون خطرا على الهوية العربية الإسلامية للبلاد …؟
– ماذا عن الهجرة المعاكسة الآن من كل جنسات العالم ؟ بما فيها الجنسيات الأوربية في اتجاه الوطن العربي ، حيث يعيشون في أحوال أحسن من أبناء البلد …
– ثم من المعلوم ، إن الدول الأوربية هي خلخلت وقوضت النظام الاقتصادي والاجتماعي للدول المصدرة للمهاجرين ، كما نهت خيراتها ومازالت …