إيران والدور الإقليمي.. ما لم يأت بالنووي جاء بغيره

حين قررت إيران نقل ملف برنامجها النووي من مجلس الأمن القومي إلى وزارة الخارجية كانت في الواقع تنقل أهم وأخطر ملفات البلاد من ساحة الأمن إلى حيز السياسة والدبلوماسية، هكذا لم نعد نسمع تصريحات عالية السقف بشأن البرنامج النووي، وبات الكلام سياسيا ولينا ويتناسب مع مصطلح ‘الليونة البطولية’ الذي أعلنه المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. حين كانت ايران تفعل ذلك كانت تقوم بخطوة أخرى مماثلة، لكنها أقل علانية تمثلت بنقل أثقل ملفاتها الاقليمية، وهو الملف السوري من وزارة الخارجية إلى يد النخبة في الحرس الثوري والدائرة الضيقة للمرشد الأعلى، هكذا أيضا بات كل ما له علاقة بسوريا يخرج من جيوب العسكر في ايران وليس من عباءات الساسة. كان ذلك مؤشرا يشي بأن النظام الايراني يقوم بتبديل وجهة قطار دوره الاقليمي من سكة الملفات الداخلية، وعلى رأسها الملف النووي، إلى سكة جديدة تخضع لمحددات اقليمية بعيدة عن يوميات الجمهورية الاسلامية بالمعنى الداخلي.
بطريقة مدروسة وغاية في الدبلوماسية بدأت طهران كما لم تفعل من قبل بالانفتاح على الغرب في ملفها النووي، وراحت تقدم للعالم الحر الديمقراطي إيران التي يريدها، إيران الاعتدال والشفافية، إيران المؤمنة بالحلول الدبلوماسية وطاولة الحوار، إيران التي تقدم ما تستطيع من ضمانات بأنها ليس بصدد عسكرة برنامجها النووي، إيران العقلانية المنضبطة. في المقابل يتشدد النظام الايراني في قضايا الاقليم من البوابة السورية، كما لم يفعل من قبل ويريد للمخاض السوري في ساحتيه الاقليمية والدولية أن يلد دورا إيرانيا اقليميا منتزعا عمليا على الأرض بسياسات واضحة لا لبس فيها. صحيح أن الجمهورية الاسلامية لم تذهب إلى مؤتمر جنيف 2 السوري، لكنها تبدو أكثر اللاعبين الاقليميين تحضيرا واستعدادا لأي نتائج قد يخرج بها المجتمعون في جنيف، تسمع ذلك بوضوح حين تجادل دبلوماسيا إيرانيا سابقا، تراه يقول لك بلهجة الواثق بأن طهران مستعدة لكل الاحتمالات. إن نجح جنيف 2 نجاحا مبهرا فإنه في أحسن الظروف سيقود إلى حكومة انتقالية، كما تطالب المعارضة، مع التأكيد على ضرورة التصدي للارهاب وتنظيف سوريا من غير السوريين، هنا يفاجئك الطرح الايراني بالسؤال: هل هناك أقدر من إيران وحلفائها في المنطقة لمواجهة الارهاب في سوريا؟ وتلك مهمة سترحب بها الولايات المتحدة الامريكية ومن خلفها الغرب، بل وحتى بعض اللاعبين الاقليميين كتركيا، فقد نشهد حينها تدريجا في المواقف يبدأ بالتزام الصمت ثم ينتقل إلى ترحيب خجول لينتهي بتأييد صريح. أما في حال الحكومة الانتقالية فلا أحد يملك قدرة طهران على إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بأن بقاء النظام بماهيته الراهنة يستلزم تنازلا ما من رأس النظام نفسه. يعرج الدبلوماسي الايراني السابق على أكثر الاحتمالات سوداوية، حين يفترض جدلا أن جنيف 2 السوري فشل كليا في الوصول إلى أي نتائج مرضية للطرفين، ذلك يعني تصعيدا متسارعا على الأرض وربما تسليح ألوية وكتائب بعينها من المعارضة، وإيران وحلفاؤها مستعدون لاحتمال كهذا في حال فرض عليهم.
باختصار هناك دور إقليمي إيراني في طريقه إلى العلن وأفضل البوابات الراهنة لذلك هي البوابة السورية، تدرك ذلك بشكل جلي حين ينهي الدبلوماسي الايراني كلامه بالقول: ما لم يأت بالنووي جاء بغيره.

‘ كاتب فلسطيني متخصص في الشؤون الايرانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية