السياسة والواقع الذي يعيشه الشعب العربي

حجم الخط
0

لقد مضى أكثر من نصف قرن من الزمان، منذ أن تحررت معظم البلاد العربية من ربقة الاستعمار الأوروبي، وهي ما زالت على ما هي عليه من تخلف وتدهور، تتجاذبها إشكاليات التنمية وعدم الاستقرار السياسي وفشل التنمية الاقتصادية.
الأزمة التي يعيشها العالم العربي تدور حول ركام من المشكلات الطاحنة، التي تزداد تعقيدا وتشابكا يوما بعد يوم، كما تدور حول عجز الأنظمة العربية عن صياغة استجابة واعية وملائمة للتغيير ولروح العصر الذي تعيشه، لعلها تعطي بتطورها التاريخي معنى حضاري وذا قيمة في المجتمع الإنساني.
لا شك أن من حق الشعوب العربية التي رزحت لعقود متواصلة تحت أنظمة ديكتاتورية فاشية أن تثور، وتزلزل الأرض تحت أقدام الطواغيت وأنظمتهم الوحشية، لا بل من حقها أيضا أن تنسف تلك الأنظمة من جذورها، لما اقترفته من جرائم سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية بحق الشعوب.
ما زال الغبار ينبعث من تفجير بيروت الذي يسلمها تذكرة الانضمام لنادي عواصم الذبح العربي، من بغداد إلى تونس، وبينهما خط متعرج من الدم والبارود، يمر عبر دمشق والقاهرة وطرابلس وليبيا، بعد أن حسمت السودان وفلسطين أمرهما مبكرا بالقتل ثم الانقسام واقتسام البلدين، كغنائم حروب بين الأخوة الألداء.
للواقع العربي، هناك بصيص أمل ونور نتيجة حركة الشعوب والوعي وحركة التقدم التي نشهدها في الواقع العربي، إلا أن الصراع له أبعاد عديدة، والبعد الأمني والعسكري من الأبعاد المهمة، كما أن هناك أبعاداً أخرى مهمة، ومنها الأبعاد السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية.
وما يجري اليوم من مظاهرات واحتجاجات، ما هو إلا بداية لعصر جديد يطل على العالم العربي ويفرض واقع العولمة، التي أتاحتها وسائل الاتصالات الحديثة والتكنولوجيا المتطــــورة للفرد في أنحاء المعمورة.
ويستطيع المرء اليوم أن يربط الأحداث التاريخية الجارية، في تلك البلدان إلى عدة أسباب، من أهمها الاستبداد السياسي، وسوء توزيع الثروات، وانتشار الفقر والبطالة، وانعدام الطبقة المتوسطة، مع أتساع المساحة التي تفصل بين الغني والفقير، ولكنه لا يمكن أن يتجاهل، رغم تراكم كل هذه الأسباب والمحفزات، لهذه الثورات الشعبية، العامل الرئيسي الذي تلعبه وسائل الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة، التي ساعدت على اندلاع هذه الانتفاضات العفوية، ضد القمع والاضطهاد السلطوي للشعوب في العالم العربي.
ولا يمكن أن نغفل أهمية الرأي العالمي، في دفع مجريات الحدث اليومي على الصعيد المحلي، نحو اتجاه معين أو نتائج غير مرغوبة للطرف الخاسر من المعادلة في الصراع بين الحاكم والمحكوم.
إن القوة الحقيقية التي تملكها الدول في مواجهة المخاطر والتحديات، ليست في حجم الأسلحة والترسانة العسكرية، وإنما في الرضا الشعبي عنها، لهذا فإننا نؤكد على أهمية أن تعمل الحكومات في العالم العربي على صياغة الأطر والمؤسسات، التي تهتم بحاجات المواطنين، وتنصت إلى أحوالهم وأوضاعهم، وتعمل وفق آليات واضحة لتعميق خيار الرضا الشعبي عن الأداء والخيارات السياسية للحكومات.
إن كل هذه المتغيرات الوطنية والدولية، حملت معها انقلابا عميقا في أولويات المواطن العربي وحاجاته في كل الدول العربية، إذ لم يعد هذا المواطن مهتما كثيرا بالقضايا الخارجية، وما استند إليها من خطابات سلطوية وعاطفية، كما لم يعد يصدق أن تخلفه الحضاري وتردي واقعه المعيشي الحاضر، سببه الاستعمار الأجنبي الذي ولى عهده، أما تضييق الخناق عليه ومصادرة حقوقه وحرياته، بحجة الأمن الوطني أو القومي، فقد وصل إلى الحد الذي لا يمكن السكوت عليه، والسماح به طالما أن ذلك يصب في مصلحة طغاة السلطة والملتفين حولها، في الوقت الذي دفعته آفة الفساد إلى حافة الفقر المدقع المهين، مع اتساع كارثي للفجوة بين القلة الأغنياء والأكثرية الفقراء.
ومثل هذا الشعور الشعبي المتنامي، أخذ يعبر عن نفسه، من خلال ما نراه من غليان، ينتهز كل فرصة ليرفع صوت نقمته وسخطه بوجه السلطة – ما يحصل بعد أحداث تونس نموذجا – مما يقتضي من المعارضة السياسية، أن تكون متناغمة مع الحراك الاجتماعي، وقائدة حقيقية للتغيير، فتكون صلبة في مقـــــارعتها للحكومات، لا تؤثر فيها إغراءات السلطة وملمسها الناعم، كما لا يؤثر فــــيها إرهابها ووعيدها، ولا ترضى بديلا عن التغيير السياسي الكامل، الذي يقود إلى حياة سياسية ديمقراطية، قائمة على تداول حقيقي للسلطة، وفك الحصار الكامل عن حقوق وحريات الشعب، ومحاسبة صارمة للفاسدين والمفسدين.
نحن نواجه الفقر والمعاناة، نتيجة التراجع في خدمات الصحة والتعليم والعمل، والكهرباء والمياه، ومستوى المعيشة، وموجة العنف التي تضرب مجتمعاتنا، لذلك علينا المواجهة، بل ذلك يفرض علينا تطويق هذا البعد لأنه ليس لمصلحة الشعب، وتقع على عاتقنا وعلى عاتق جميع القوى مسؤوليات عديدة، وعلينا واجب العمل مع الجمهور بنفس طويل، وتفعيل حركتنا بين الناس، لمواجهة مشاريع الفتنة، فالفتن لا يستطيع أحد القضاء عليها سوى بوعي الناس، والناس خائفة من موضوع الفتنة ولا مصلحة لها فيها’.

أيمن هشام عزريل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية