بين الترغيب والترهيب تراوح إسرائيل الآن في التعامل مع الفلسطينيين وهي تنتظر إعلان وزير الخارجية الأمريكي رسميا عن خطته. هي تبدو متضايقة إلى حد ما مما طرحه كيري ومن تهديده لها بالعزلة الدولية إن هي رفضته، لكنها في ذات الوقت تريد نقل هذا الضيق إلى المعسكر الفلسطيني حتى يبدو هوالمسؤول عن أي إفشال محتمل للمساعي الأمريكية الحالية.
ورغم أنه من المستبعد أن يكون كيري قد صاغ مقترحاته بعيدا عن التنسيق الموسع والتفصيلي مع الإسرائيليين، كما أثبتت ذلك كل التجارب التفاوضية في العشرين سنة الماضية، فإن الإسرائيليين لا يبدون على قلب رجل واحد في مواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة إذا ما عنّ للأمريكيين أن يضغطوا بجد لترجمة ما استقر عليه رأيهم من حل يرونه توفيقيا بين الطرفين. هناك اليمين المتطرف الذي يبدو معارضا بشدة للأفكار الأمريكية ومهاجما لجون كيري مقابل غياب شبه كامل لما كان يسمى معسكر السلام، في حين يسعى نتنياهو للتنكر في صورة رجل الدولة الحريص على مراعاة كل وجهات نظر الطبقة السياسية حرصه على تماسك تحالفه الحكومي المعرض للإهتزاز أو الانفراط إن هو تجاوب بشكل أو بآخر مع واشنطن فيما تعرضه من تصورات.
وفي الوقت الذي يتجنب فيه المسؤولون الإسرائيليون التصريح رسميا وعلنا بما يقبلون به وما يرفضون في مقترحات كيري، نجد الجانب الفلسطيني واضحا تماما في مواقف كبار مسؤوليه حتى أن صائب عريقات عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية قال بأن الرئيس محمود عباس بعث برسالة إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما أوضح فيها دون لبس الموقف الرسمي النهائي من هذه المسائل المتعلقة بالقدس والحدود والمستوطنات وغور الأردن واللاجئين وغيرها من المسائل التي تأكد أنه كلما تأخر حسمها زادت استعصاء مع السنوات.
وإذا كان كل من الإسرائيليين والفلسطينيين يسعون حاليا، كل على طريقته، لمواجهة ما يوصف بـ’لحظة الحقيقة’، فإن الإسرائيليين هم الأكثر شعورا بصعوبة هذا الوضع لأنهم هم المدعوون للتنازل عن احتلال استمر لعقود في حين أن تمسك الفلسطينيين بحقوقهم، على الأقل وفق القانون الدولي، لن يزيد وضعهم الحالي سوءا. العكس هوالصحيح فالدولة الفلسطينية العضو والمراقب في الأمم المتحدة قادرة من الآن فصاعدا على التأثير ضمن المؤسسات والهيئات الدولية التي ستلتحق بها وخاصة تلك القادرة على محاسبة إسرائيل وممارساتها الإستعمارية وإنزال العقوبات بها وبمسؤوليها، وهو ما تقيم له إسرائيل الآن كل حساب. سلاح فلسطيني لا يجب الاستهانة به والإفراط في التهديد به .
المشكلة الآن أن الإسرائيليين، مدعومين بالأمريكيين في بعض المسائل، يحاولون جاهدين التحلل من مواجهة جدية لما يطرحه كيري، رغم أنه في مجمله لصالحهم، ودفع الأمور في اتجاه أن تصبح المسألة برمتها مشكلة فلسطينية وليس إسرائيلية وذلك عبر تكتيكات مختلفة: بث الإشاعات كتلك التي أطلقتها تسيبي ليفني مسؤولة المفاوضات مع الفلسطينيين من أن المفاجأة المقبلة ستكون اعتراف القيادة الفلسطينية بإسرائيل دولة يهودية وهو ما تنفيه هذه القيادة وتصر على رفضه، تكثيف النشاط الاستيطاني لدفع الفلسطينيين لنفض اليد تماما من مساعي التسوية حاليا، تهديد الرئيس محمود عباس في السر والعلن بأن مصيره لن يختلف عن المصير الدرامي للزعيم الراحل ياسر عرفات إن ه وظل على عناده في مسائل الحل النهائي، الابتزاز عبر تسريبات تفيد بأن الإسرائيليين يبحثون عن رجل يخلف أب ومازن ويكون قادرا على التجاوب معهم في ما يطرحونه وهنا يخرج بين الفينة والأخرى عفريت محمد دحلان، التهديد بقطع المساعدات الأمريكية والدولية على السلطة الفلسطينية مما يفاقم معضلتها المالية… وغير ذلك مما قد لا يكون معروفا.
وإلى حد الآن تبدي القيادة الفلسطينية قدرا لا بأس به من ‘الشطارة’ في إدارة الوضع الحالي، كما أن التقدم الأخير في مساعي إنجاز المصالحة بين ‘فتح’ و’حماس’ من أقوى الأسلحة بيدها لتجاوز المرحلة المقبلة التي ستكون قاسية على الجميع، لكنها ستكون أقسى وأمر إن هم واجهوها منقسمين بين سلطتين منهكتين في الضفة وغزة.
في ذكر العدو الصهيوني بإسمه الذي أطلقه على نفسه والذي ورد في عنوان المقال هو في حد ذاته غياب للسلام وإحلال للحرب التي هي ضرورة ملحة للفلسطينيين والعرب والمسلمين ضد الكيان الغاصب لأرض فلسطين.