جهاز الدفاع الاسرائيلي يتبني سياسة الجدار الحديدي لعزل حكومة حماس من اجل القضاء عليها بسرعة
يفسر ضبط حماس لنفسها بالمعضلة.. والاستراتيجية الاسرائيلية تقلق الاردن ومصرجهاز الدفاع الاسرائيلي يتبني سياسة الجدار الحديدي لعزل حكومة حماس من اجل القضاء عليها بسرعة عندما ستتشكل حكومة حماس ستجد اسرائيل نفسها ـ علي الأقل علي المستوي النظري ـ في حالة حرب. لن يكون هناك استدعاء للاحتياط ولن تندلع النيران. ولكن حكم العامل الفلسطيني الذي سيحاول الدخول الي اسرائيل سيكون مماثلا لحكم العامل الايراني. أي أنه سيعتبر مواطنا في دولة معادية ولن يعود أمامه ما يبحث عنه هنا.عندما يستلم أتباع حماس ـ مباشرة أو غير مباشرة ـ المسؤولية عن جهاز الأمن الفلسطيني سيتحول كل عناصر الشرطة الفلسطينية الموزعون اليوم علي 150 موقعا قرب الحدود مع اسرائيل في شمالي الضفة ـ أتباعا لمنظمة ارهابية. اليوم يجري ضباط الجيش الاسرائيلي الاتصالات معهم، ينسقون ويتحادثون فيما بينهم، وهناك تعاون حقيقي. أما في الفترة القادمة فسيتحولون الي أتباع لمنظمة ارهابية وسينتهي كل هذا الذي نراه الآن. هذا لا يعني أن اسرائيل ستبدأ باطلاق النار عليهم منذ صبيحة الغد، إلا أنهم سيعتبرون من الآن فصاعدا طرفا معاديا.علي سبيل المثال توجد لقادة الألوية في الضفة علاقات عمل جيدة نسبيا مع نظرائهم الفلسطينيين في المدن. المقصود هنا علاقات عمل في اطار القضايا الأمنية، وفي بعض الحالات يجري تبادل المعلومات الأمنية الحساسة احيانا وايصال الاشعارات بحدوث عمليات وما الي ذلك. عندما ستسيطر حكومة حماس علي مقاليد الأمور ستقطع اسرائيل كل اتصالاتها مع السلطة وممثليها كائنا من كانوا. ذلك لأن كل حوار مع ضباط تقودهم حكومة تسير وفق الايديولوجية الحماسية سيكون حوارا مع حكومة تعلن الحرب علي اسرائيل.هذه هي الرؤية الآخذة في التبلور في جهاز الدفاع والجيش في ظل انتصار حماس الجارف في الانتخابات وعشية اقامة حكومة فلسطينية. المسألة هنا تدور حول رؤية متشائمة لا تترك مكانا للتأويلات: صعود حماس خطير لدولة اسرائيل وعليها أن تبذل كل ما في وسعها لمنع تشكيل هذه الحكومة بما في ذلك حكومة وحدة مُقنّعة أو حكومة يقف في مقدمتها ممثلون معتدلون ، علمانيون أو تكنوقراطيون . بالنسبة لجهاز الدفاع، حماس هي جزء لا يتجزأ من محور الشر . اذا كان هذا المحور يقف عند حزب الله في جنوب لبنان قبل عدة اسابيع فقد أصبح ممتدا اليوم الي قطاع غزة ومحوره هو: طهران ـ دمشق ـ حزب الله ـ حماس. هذا طالما لم تلغِ حماس ميثاقها ولا تعترف بدولة اسرائيل ولا تتخلي عن سلاحها وتعترف بالاتفاقات الموقعة بين اسرائيل والسلطة. هذه هي التوصيات التي سيقدمها جهاز الدفاع للمستوي السياسي.في هذه الاثناء تعرف أطراف أمنية عليا كيف تشير الي عدة مصائد وضعتها حماس في وجه الامريكيين والاوروبيين ومصر ودولة اسرائيل. كل واحد من هذه الأطراف هو جزء من سور تم تشييده في وجه حماس في محاولة لاجبارها علي التغير الايديولوجي. حماس ستحاول فتح ثغرة في هذا السور حتي تتمكن من الخلاص من هذا الضغط. احدي الطرق هي تشكيل سلطة فلسطينية ثنائية الرأس، أي رئيس ـ أبو مازن ـ الذي ستتواصل الاتصالات معه والي جانبه حكومة حماسية تخضع للمقاطعة. من المحظور علي اسرائيل أن تتلعثم وأن تقبل مثل هذا الوضع كما تقول الجهات الأمنية، لأن هذه وصفة مؤكدة لاخراج حماس من عزلتها مع بداية ظهور الشرخ الاول في السور الذي ستنفذ من خلاله أطراف اوروبية وغيرها من الباحثين عن طريقة للتحدث مع السلطة حتي وإن كانت حماسية. الجهات الأمنية تقول إنه من المحظور علي اسرائيل أن توافق علي وجود سلطة حماسية، وكيف يفترض أن يشكل الفلسطينيون سلطة غير حماسية؟ الجهات الأمنية الاسرائيلية لا تملك جوابا علي ذلك. من وجهة نظرهم – فليذهب الفلسطينيون لانتخابات جديدة، لأن اسرائيل لن تقبل بحماس في صورتها الحالية. الفخ الثاني الذي يشيرون اليه في جهاز الدفاع هو ما يسمي الخطاب المتكتك الذي يستخدمه قادة حماس ويُلقون به في وسائل الاعلام العربية والدولية. هذا الخطاب، كما يقولون عندنا، هو نوع من المخدر الذي يقوم قادة حماس بحقنه في المنظومة الدولية واسرائيل. هناك فجوة واسعة بين ما يقوله قادة حماس في وسائل الاعلام الدولية علانية وبين ما يتردد عندهم في الغرف المغلقة.يتبين أنهم يتحدثون علي المستوي الداخلي عن استنساخ النموذج الايراني، أي السير مرحلة تلو اخري وتعويد العالم واسرائيل علي فكرة أن الجنّي ليس فظيعا الي الحد الذي يعتقدونه، تماما مثلما حدث بعد صعود الخميني للحكم. في تلك الآونة كما نذكر، تم تشكيل الحكم الايراني من شخصيات معتدلة وبراغماتية وعلمانية. وفي المرحلة الثانية بعد أن ابتلع العالم فكرة الثورة الاسلامية تمت إزاحة هؤلاء الاشخاص وحل رجال الدين مكانهم. مرت عدة سنوات، وعندما أفاق الجميع كان الجنّي الاصولي قد خرج من القمقم. في اسرائيل يعتقدون أن نفس الحكاية تنضج هنا. حتي الأطراف الأكثر تشاؤما في القيادة الأمنية توافق علي أن حماس لن تنوي الانجرار الي الارهاب غدا. بل علي العكس. اغلبية التقديرات تتحدث عن هدنة طويلة، هذه الموافقة من قبل حماس للتحدث حول التهدئة ستُقابل في اوساط الجمهور الاسرائيلي بصورة حماسية بالضرورة. والعالم ايضا سيصفق لذلك. ولكن هذه النظرية التي تعتقد أن اللحظة المواتية للهدوء ستحدث انعطافة في نهاية المطاف ـ تبدو خطيرة جدا في نظر الأطراف الأمنية في اسرائيل. هذا بالنسبة اليهم نوع من المخدر. وخطوة تكتيكية محدودة اخري من اجل تشويش الصورة علينا. وبالمناسبة، لا تشارك حماس في محاولات الجهاد الاسلامي لشن العمليات في قطاع غزة، ولا تشارك في اطلاق صواريخ القسام، ولا في انشاء البنية التحتية للجهاد في سيناء حيث يجري التخطيط لشن عمليات داخل اسرائيل عبر الحدود المصرية. حماس في غزة تنظر الي ما يحدث ـ ولا تتدخل. اسرائيل توجه ضرباتها للفلسطينيين في القطاع وتقوم بعمليات اغتيال انتقائية ممركزة فيما تلتزم حماس الصمت. حماس تبنت استراتيجية حزب الله فور فك الارتباط. أي: ان كل ضربة توجهها اسرائيل لسكان القطاع تستوجب ردا من حماس. ولكنهم يقومون الآن بوضع هذه الاستراتيجية جانبا. في هذا الاسبوع قامت اسرائيل خلال اربعة ايام بتصفية 11 ناشطا ارهابيا في القطاع ولم تحرك حماس ساكنا. أتباعها يُعتقلون في الضفة من دون أن يرمش لها جفن. طائرات سلاح الجو تقصف والمدفعية تطلق حممها وحماس لا تتدخل. كل خطوة تُحسب عندهم بدقة. وكل ما قد يُفسد عليهم تشكيل الحكومة – يُجمد في الوقت الراهن. هناك دليل واحد حتي من الشارع علي محاولة حماس لاقناع أتباع الجهاد الاسلامي بايقاف اطلاق صواريخ القسام. هذه المحاولة كانت لمرة واحدة لم تتكرر ولم تُحدث تأثيرا يُذكر.في اسرائيل يفسرون ضبط حماس لنفسها بالمعضلة التي تواجهها اليوم. في اسرائيل يعرفون أن حماس ستضطر للتنازل عن الارهاب، علي الأقل في المرحلة الاولي، اذا أرادت البقاء في الحكم. ذلك لأنه لا يمكن ـ كما تقول أطراف أمنية ـ الاحتفاظ بالحكم والقيام بأنشطة ارهابية في المقابل. وعليه، ستفضل حماس الحفاظ علي الهدوء في الفترة القريبة.بعد سقوط صاروخ القسام الذي أصاب عائلة واحدة في كرميا، اعتبرت اسرائيل أن لديها شرعية دولية لاستخدام قوتها ضد القطاع. الخطوات القتالية المضادة للارهاب في الضفة الغربية تتواصل كالمعتاد منذ انتخابات السلطة. أما في غزة فقد أوقفت فيها هذه العمليات منذ الانتخابات بما في ذلك القصف المدفعي. ولكن بعد حادثة كرميا عادت الكرة. سياسة استخدام القوة التي تحددت للجيش تقول: العمليات تتواصل كالمعتاد الي أن تتشكل الحكومة الفلسطينية الجديدة، أي أن القوة ستُستخدم بصورة موضوعية. لا يوجد كبح علي خلفية نتائج الانتخابات. ومنذ اللحظة التي ستقوم فيها الحكومة سيكون استخدام القوة متناسبا مع سياسة تلك الحكومة. أي أن الحرب ضد الارهاب ستتواصل بكل الوسائل وفي كل الاحوال.حسب تقدير أطراف بارزة في جهاز الدفاع تعني اقامة حكومة حماس: الجمود. لا ممر بين الضفة وغزة. خطة مرور 250 مسافرا في اليوم علي متن الحافلات أُلغيت. التسهيلات في حركة اعضاء البرلمان الفلسطيني لن تُمنح لاعضاء حماس. خطط تسليم مدن اخري للفلسطينيين مُجمدة. الغلاف الجمركي الذي تتمتع به السلطة اليوم سيُلغي. معني ذلك أن العلاقات التجارية بين غزة والضفة ستكون أكثر تعقيدا لدرجة القطيعة التامة. في المراحل الاولي ستواصل اسرائيل نقل البضائع للقطاع والأنشطة الانسانية ستستمر. في السابق كان شارون يتصور أن غزة ستقطع صلاتها باسرائيل في عام 2008، أما حسب الوضع الآن فان الافتراق سيحدث قبل هذا التاريخ.إخراج الناس الي الشوارعسلم التهديدات مختلف في الوقت الحالي، بالنسبة لقيادة المنطقة الوسطي. حتي الانتخابات كان الاستعداد للعمليات الموجهة ضد العمق الاسرائيلي علي رأس الأولويات، ومن ثم الاستعداد للعمليات علي محاور الطرق، وأخيرا العمليات ضد المستوطنات اليهودية في الضفة. أما الآن فقد صعدت المستوطنات الي المرتبة الثانية. التقديرات تفيد بأنه اذا نجحت حماس في الوصول الي صيغة الهدنة التي تتطلع اليها، فانها ستتبني الرؤية التي استخدمتها في غزة، أي ممارسة الضغوط علي الرأي العام الاسرائيلي بواسطة العمليات في المستوطنات ـ خصوصا المستوطنات المعزولة في الضفة. من المعتقد أن حماس لن تفعل ذلك حاليا، وستفضل رؤية الحكومة الاسرائيلية الجديدة والسياسة التي ستتبعها ومن ثم ستبدأ في تحريك الجماهير.حماس، خلافا لفتح، تملك القدرة علي اخراج الناس الي الشارع. في البداية ستنظم مظاهرات حاشدة في القضايا الوطنية الاجتماعية مثل الجدار وغلاف القدس ـ التي ستُقابل في العالم بالاستحسان والتعاطف. وفي المرحلة الأبعد ـ كما يقدرون في اسرائيل ـ ستبني حكومة حماس قوة عسكرية علي أساس الميليشيات الشعبية التي تقيمها في غزة (المرابطون)، امتزاج الأطراف العسكرية لحماس في الاجهزة الأمنية القائمة سيتمخض عن تشكيلات ألوية، علي غرار ألوية جيش التحرير الفلسطيني التي شهدناها في السابق. هذا الجيش هو أحد رموز الدولة التي ستكون في هذه الحالة ـ دولة معادية.هذه الصورة التي ترسمها الجهات الأمنية الاسرائيلية تقلق الاردن ومصر ايضا. في هذه النقطة تبلور قاسم مشترك للتحرك والحفاظ علي جبهة منسجمة من اجل محاولة إجبار حماس علي قبول الاملاء الدولي وتغيير ايديولوجيتها.التوجه التشاؤمي الذي لا يقبل المساومة الذي يطرحه جهاز الدفاع ليس صدفة، ليست في ذلك محاولة لتخويف مواطني دولة اسرائيل، بل انها محاولة لرسم صورة بالابيض والاسود، والتي لا تسمح لحماس بالنفاذ الي المناطق الرمادية وبث الضباب حول نواياها. اذا تشبثت حماس بأيديولوجيتها الحالية وقادت الشعب الفلسطيني ـ فستواجه اسرائيل جبهة شرقية ارهابية رأسها في ايران وجسمها في العراق ولبنان وأرجلها في الضفة وغزة. لذلك، يتوجب حسب التصور الاسرائيلي إبقاء السلطة الفلسطينية ـ الحماسية في حالة ضعف وعدم اعتراف دولي وافتقار للدعم الاقتصادي والسياسي والعزلة التامة بين الضفة وغزة. هذا وضع لن يتيح بقاءها لمدة طويلة.اليكس فيشمانالمراسل العسكري للصحيفة(يديعوت احرونوت) 10/2/2006