سيف الملك آرثر والحروب الفرنجية المعاصرة!
نصر شماليسيف الملك آرثر والحروب الفرنجية المعاصرة! بادئ ذي بدء، يتوجب علينا الاعتراف بأن الحرب الذهنية التي يشنها الأمريكيون وحلفاؤهم ضد الأمة العربية والإسلامية قد حققت بعض النجاحات الهامة في أوساط نخبوية ليست قليلة، وهي أوساط من أصول يسارية وقومية وإسلامية، صارت تعتمد قواعد التفكير والتحليل والتوصيف والاستنتاج علي الطريقة الأمريكية، بل إن بعضها انتفض من إهابه اليساري أو القومي أو الإسلامي، واستبدله بالإهاب الليبرالي، أي الأمريكي، فهو يدين العنف بكل أشكاله وبغض النظر عن أسبابه وأهدافه، أي أنه يدين المقاومة، وهو يدين التيارات الجهادية العربية والإسلامية التي قادت الأمة العربية علي مدي القرن الماضي، ومعها الاشتراكية طبعاً، فيحكم علي نضالها الطويل بالعقم الأصلي، ويعتبر ما ترتب عليه مجرّد كوارث متلاحقة، فيدعو الي استئصالها واستبدال عقائدها الظلامية العقيمة بالليبرالية، وهو يسلّم بسيادة الغرب الأوروبي الأمريكي، ويتبني طروحاته وسياساته عموماً، ويعلن استعداده للتحالف معه، حتي لا نقول للعمل في ركابه! وتجدر الإشارة الي أن الفضل في تحقيق نجاحات الحرب الذهنية الأمريكية الفرنجية، يعود في بعضه الي ارتكابات الاستبداد، التي كان الأمريكيون يفرحون بها ويراكمونها كرصيد يستخدمونه ذات يوم قادم ضد أوطاننا، وها هو اليوم القادم قد أقبل كما يبدو، غير أن ذلك لا يعطي عذراً لأولئك الذين يريدون استبدال معاناة بمعاناة أشد، وخطر بخطر أعظم!الحرب الذهنية تجنّد ضحاياها!إن الحرب الذهنية وسيلة متقدمة علي الحرب النفسية، فالثانية تسعي الي تجريد الخصم من بعض مزاياه ووسائله القتالية، الدفاعية أو الهجومية، وذلك بإضعاف وإتلاف قواه المعنوية التي تفوق في أهميتها قواه المادية، أما الأولي، الحرب الذهنية، فتمضي الي أبعد من ذلك بكثير، متطلعة الي تجنيده كأنما طوعاً وبقناعة منه في نطاق قوي أعدائه! ويتحقق ذلك بالتأثير علي ذهنه، أو عقله، وجعله يصوغ أفكاره ومفرداته وأحكامه انطلاقاً من الأسس والقوانين والقواعد التي وضعها أعداؤه، ومن ثم يحدّد مواقفه العملية علي هذا الأساس، معتقداً في الحالتين أنه يمارس قناعته الخاصة ويعتمد محاكماته المستقلة، وإذا به يتوصل الي أن أمته هي المخطئة وأن أعداءها علي صواب، ليبلغ أحطّ حالات الابتذال والسخف والعيب، حين يصف أجداده وآباءه وإخوانه بالقومجية والإسلامجية واليسارجية، وما الي ذلك من تعابير تعكس الهوان الذي انحط إليه، بينما هو يتوهم نفسه في قمة النضج والوعي والتوازن، فيمضي الي أقصي حدود الضلال داعياً الي تحقيق ما يستحيل تحقيقه، وهو التحالف مع الغرب الليبرالي الديمقراطي الجميل، ضدّ مقاومة أمته الظلامية التدميرية القبيحة! وهكذا، انطلاقاً من عدائه لفظائع الاستبداد، ولقبح الممارسات الظلامية، ينتقل الي صفوف قوي الأعداء، محذّراً أهله من مقاومتهم غير المجدية، ومزيناً التحالف مع الأعداء (أي الإذعان لسياساتهم وترتيباتهم) وتذليل العقبات علي طريقهم، أي أنه يتذرع بنقد ما هو فظيع لتحقيق ما هو أفظع!إشهار السيف الأسطوري المعاصر!لقد بدأ الأمريكيون بإرساء أسس الحرب الذهنية/العقلية منذ عام 1980، حيث أعدّ الكولونيل السابق بول فاليلي دراسة تحت عنوان (من الحرب النفسية الي الحرب الذهنية: سيكولوجيا النصر) عارضاً من خلالها مخططاً يتضمن: شنّ حرب ذهنية مفتوحة ضدّ الشعوب الصديقة والشعوب المعادية علي حد سواء، وحتي ضد الشعب الأمريكي! تقول الدراسة ان تطبيق استراتيجية الحرب الذهنية يجب أن يبدأ حالما تصبح الحرب العسكرية أمراً واقعاً لا محالة، وذلك بإثارة انتباه الأمة المعادية وجذبه بكل وسيلة متوفرة، ويضرب جنود الأمة المستهدفة قبل أن يتمكنوا من ارتداء بزّاتهم العسكرية، فهؤلاء الجنود في بيوتهم ومجتمعاتهم (قبل انتقالهم الي جبهات القتال) يكونون أكثر عرضة للحرب الذهنية وقابلية للتأثر من فاعليتها! والحرب الذهنية يجب أن تستهدف الأصدقاء والأعداء والمحايدين علي حد سواء في جميع أنحاء العالم كما تشرح الاستراتيجية، ويتحقق ذلك عبر وسائل الإعلام التي تمتلكها الولايات المتحدة، والتي تملك القدرة علي الوصول الي جميع الشعوب في أي مكان علي وجه الأرض، وهذه الوسائل الإعلامية تشمل الإعلام الإلكتروني إضافة الي الإذاعة والتلفزة، وتشمل اتصالات الأقمار الصناعية، وتقنيات تسجيلات الفيديو، ووسائل الإرسال الإذاعي عبر الليزر والحزم البصرية، الأمر الذي سيمكّن من اختراق أذهان البشرية في العالم أجمع بفعالية!يعتقد الأمريكيون أنهم يملكون من أدوات اختراق الذهن البشري العام، وتطويعه وتنظيمه علي هواهم، ما يشبه الأدوات والقوي الأسطورية، فأدوات الاختراق الجبارة التكنترونية تشبه (من وجهة نظر الأمريكيين) سيف الملك آرثر، ذلك السيف الأسطوري الذي كان مغمداً في صخرة والذي لم ينجح أي كان في انتزاعه، سوي ذلك الفارس من فرسان المائدة المستديرة، الذي كان يستعد مسبقاً للذهاب الي فلسطين والانخراط في حرب الفرنجة المقدسة التي كانت ناشبة آنذاك!نجاح جزئي وفشل عام!يقول الأمريكيون في دراساتهم عن الحرب الذهنية انها سيف الملك آرثر الأسطوري الذي لا يجوز التخلي عنه: فبواسطتها سوف نلهم الثقافات الأجنبية بتبني أخلاقياتنا، أما إذا امتنعت تلك الثقافات فسوف نحاربها علي مستوي أدني وأشدّ وحشية، والحرب الذهنية يجب أن تكون موجّهة لجميع الأطراف، حيث وظيفتها إضعاف الأعداء من جهة وتقوية الولايات المتحدة من جهة أخري، وذلك بحرمان العدو من الوصول الي شعبنا، وبالتشديد علي الأسباب العقلية التي تستوجب شن الحرب لما فيه مصلحتنا الوطنية، فالحرب الذهنية تستخدم أحدث التقنيات لغسيل الأدمغة، وتستخدم من الأسلحة ما يهاجم مباشرة النظام العصبي المركزي والنشاطات الدماغية للشعوب المستهدفة..الخ!إن تفاصيل استراتيجية الحرب الذهنية الأمريكية وتطبيقاتها الميدانية أمر يطول شرحه، وقد اعترفنا أنها حققت نجاحاً ملفتاً في أوساط النخب، لكننا نتابع باطمئنان وثقة فشلها الإجمالي في ميادين المقاومة العربية والإسلامية، بل وفي أمريكا اللاتينية حيث تحقق المقاومة انتصارات سلمية مؤزرة!ہ كاتب من سوريةwww.snurl.com/375h 8