بأربعة أسطر أختصرت سيرتها الأدبية. وبثلاث روايات إختصرت مسيرتها للشهرة، لأنها موهوبة وذكية ومتمكنة من اللغة العربية. لا يصدم العين في رواياتها خطأ إملائي أو نحوي (عدا شدّة زائدة)، في زمن تذبح فيه اللغة كل يوم وبكل وسائل الإعلام .
لست قارئة روايات ولا أحشر نفسي بين النقاد، الحديثين خاصة، ولا نفهم أحياناً ما يقولون.
مذهبي في النقد مازال على طريقة مارون عبود الذي أحببنا نقده وقرأنا كل كتبه لأنه يمثل الذائقة العربية، لا الذائقة المستوردة .
لإنعام حساسية خاصة في جمع الحوادث وإعادة توزيعها وفي كل نقلة تفاجئك بضربة ذكية .
ثلاث روايات فقط مسيرة الكاتبة العراقية التي تعيش في باريس :(سواقي القلوب) و(الحفيدة الأميركية) و(طشاري).
ترجمت أعمالها إلى عدة لغات: الفرنسية، الإنكليزية، الصينية، الإيطالية، اليونانية.
تقرأ كتب إنعام فتراها تغمس المأساة بسخرية لاذعة.
ما عدا عناوينها التي لا أحبها، المأخوذة أحياناً من العامية الشائعة وأمثالها، أحببت كل رواياتها.
إنعام سيدة الإسلوب الحضاري المتمدن، ولا يحسب أحد أن الحضاري هو المتمدن، فللحضاري جذور الإقتدار الثابتة في إستعمال اللغة الصحيحة الخالية من الأخطاء، وللمدنية لذة البيان المختصر وروعة المفارقة وإختصار الحديث الطويل إختصاراً يوحي بالكثير.
حين قرأت روايتها (طشاري) تصورت أنها روايتان. إحداهما قصة طبيبة عراقية مسيحية سافرة عملت في إحدى مدن الجنوب المحافظة، وسرعان ما اندمجت بطيبة أهل الجنوب ونالت ثقتهم بإخلاصها وتفانيها. وهذا ما يحسه، بسرعة، الذكاء الفطري في هذا المجتمع .
والقصة الثانية هي المقبرة الألكترونية التي ابتدعها خيال أحد العراقيين المهاجرين ‘المطشرين’ في العالم ليلم فيها أفراد الاسرة الأموات، بعد أن تعذر جمعهم أحياءا .
قرأت الكتاب حال صدوره، ولم يتركني. لماذا قصتان لا علاقة بينهما يجمعهما غلاف واحد ؟
إنعام وأعرفها ذكية، لم تشأ أن تقول ولكنها توحي، تترك لذكاء القارئ أن يقرأ ما لم تكتب:
(هكذا كان العراق) قبل أن تشوّه السياسة علاقاته وتبذر الفتنة بين طوائفه المتعايشة بسلام.
هذا في نصف روايتها الأولى. أما النصف الثاني فهو: (هكذا صار العراق الآن)، وصار آخر أمنيات العراقيين (وقد فقدوا الماضي،حتى مقابر العائلة، فتعلقوا بالوهم) أن تجمعهم يوماً وتلملم ‘طشّارهم ‘ مقبرة وهمية في الكومبيوتر. هذا كل ما بقى من الماضي الجميل الذي يحاول العراقي أن يتشبث به.
كل عبارة عند إنعام كجه جي تستحق الوقوف. قد تكون الروايات مجرد هيكل عظمي تختصرها إن شئت بكلمات، ولكن إنعام تكسوها لحماً وبشرة براقة.
الأسلوب… الإسلوب هو سر نجاح الكاتب. وقد عرفت إنعام هذا السر فنجحت .