النزاع الدبلوماسي بين قطر وجيرانها الخليجيين قد يبطئ الإستثمار والاصلاحات

حجم الخط
0

دبي – رويترز: قد يؤدي نزاع دبلوماسي بين قطر وجيرانها الخليجيين إلى تعطيل إستثمارات بمليارات الدولارات في المنطقة، ويبطئ مساعي لتحسين كفاءة إقتصاداتها من خلال إصلاحات في قطاعي التجارة والنقل.
وتعني ثروة قطر الضخمة من الغاز الطبيعي ان الدولة الخليجية الصغيرة قد تتمكن على الأرجح من مواصلة مسيرتها لأجل غير مسمى، على الرغم من استياء السعودية ودولة الامارات العربية والبحرين.
لكن نمو إقتصادها قد يتباطأ إذا تقلصت روابطها التجارية والإستثمارية مع الإقتصادات العربية الخليجية الكبيرة. وقد تعاني جميع الإقتصادات في المنطقة في الأجل الطويل، إذا أدت التوترات الدبلوماسية إلى عرقلة مشاريع مثل تشييد شبكة خليجية للسكك الحديدية وتطوير منطقة للتجارة الحرة.
وقد يحرم ذلك أيضا شركات أجنبية من عقود للتشييد بمليارات الدولارات.
وقال جون سفاكياناكيس، كبير خبراء الإستثمار في ‘ماسك’ – وهي شركة إستثمار مقرها الرياض- ان النزاع الدبلوماسي لن يؤثر على الفور على أنشطة قطاع الأعمال في منطقة الخليج، لكن سيكون هناك تأثير في الأشهر والسنوات المقبلة إذا لم تنحسر التوترات.
وأضاف ان النتيجة المحتملة في حال إنعزال قطر عن المنطقة ستكون ‘إستثمارات أقل وتحويلات رأسمالية أقل وعدد أقل من المشاريع المشتركة والمزيد من الاشياء السلبية لقطر’.
وسحب الدول الخليجية الثلاث لسفرائها هو قرار لم يسبق له مثيل في تاريخ مجلس التعاون لدول الخليجية العربية، الذي انشئ قبل ثلاثة عقود، ونتج عن إستياء عميق بين جيران قطر من سياسات مثل دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين.
ولم تظهر دلائل على التحرك نحو فرض أي عقوبات إقتصادية، وتكهن مسؤولون ورجال أعمال في المنطقة بأن الحكومات ستبقي النشاط الإقتصادي بمعزل عن السياسة.
وقال اكبر الباكر، الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية القطرية المملوكة للدولة، للصحافيين في برلين ‘الدول في منطقتنا لا تخلط السياسة بنشاط الأعمال’.
لكن الإقتصاد يميل الي ان يتأثر بالسياسة في الشرق الاوسط، فيما يرجع جزئيا إلى ان الكثير من الشركات الكبرى تسيطر عليها الدولة، ولأن الحكومات الخليجية أصبحت تعمد إلى استخدام ثروتها النفطية كأداة دبلوماسية.
وحدث هذا مع مصر في الأعوام القليلة الماضية عندما تجنبت الشركات السعودية والإماراتية الإستثمار هناك اثناء حكم الرئيس الإسلامي محمد مرسي، لكن البلدين قدما مساعدات بمليارات الدولارات للقاهرة منذ الإطاحة بمرسي العام الماضي، كما استؤنف تدفق الإستثمارات الخاصة.
وبإعتبارها أكبر مُصَدِّر في العالم للغاز الطبيعي المسال فإن قطر بلغت مبلغا من الغنى يجعلها لا تحتاج التجارة والإستثمار مع ومن باقي الدول الخليجية لضمان رخائها الإقتصادي مادامت قادرة على مواصلة بيع الغاز إلى الاسواق الدولية.
وسجلت ميزانية الحكومة القطرية فائضا بلغ 27.3 مليار دولار، أو 14.2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، في السنة المالية حتى مارس/آذار الماضي. ويعني ذلك ان بإمكانها إستيراد الغذاء والتكنولوجيا والعمالة التي تحتاجها من جنوب آسيا وأوروبا ومناطق اُخرى.
وأشار فاروق سوسة، كبير الخبراء الإقتصاديين، في ‘سيتي غروب’ في الشرق الأوسط إلى انه بسبب كون الدول الخليجية تركز على صادرات الطاقة، فإن لها روابط إقتصادية قليلة نسبيا فيما بينها. وقال ان التجارة خارج مجال الطاقة بين قطر والدول الثلاث الاُخرى بلغت حوالي 1 في المئة فقط من مجمل التجارة القطرية.
لكن ستكون هناك بعض العواقب المالية إذا استمرت التوترات الدبلوماسية لفترة طويلة، إذ ان مواطني الدول العربية الخليجية مستثمرون نشطون في أسواق الاسهم في كل من الدول الاُخرى، وقد تبدأ تدفقات الأموال هذه في التراجع.
ويقدر محللون ان مواطني مجلس التعاون الخليجي غير القطريين ربما يمتلكون من 5 إلى 10 في المئة من الأسهم في البورصة القطرية التي تبلغ القيمة السوقية للاسهم المسجلة فيها حوالي 175 مليار دولار.
وهبط المؤشر الرئيسي للاسهم القطرية 2.1 في المئة أمس الأول مع ظهور أنباء النزاع الدبلوماسي، ولكنه عاد إلى التعافي اليوم وإسترد خسائره.
واشار ناصر سعيدي، رئيس شركة ناصر سعيدي وشركاه للإستشارات في دبي، إلى ان قطر مستثمر كبير في السوق العقاري المزدهر في دولة الإمارات، والذي قد يخسر مصدرا للأموال إذا طال أجل النزاع.
وتحرص شركات قطرية كبيرة، مثل بنك قطر الوطني، على التوسع في الخليج للهرب من قيود سوقها المحلي الصغير، وهي قد تجد ذلك أكثر صعوبة في المستقبل.
وكان من المنتظر ان تبدأ الخطوط الجوية القطرية تسيير خطوط محلية في السعودية في الربع الثالث من هذا العام، بعد ان أصبحت إحدى شركتي طيران أجنبتين فقط منحتا حقوقا لخدمة السوق السعودي الذي يبلغ حجمه حوالي 30 مليون مسافر.
وإذا تصاعدت التوترات في نهاية المطاف الي عقوبات إقتصادية، فان أكبر شيء عرضة للتأثر سلبيا في الخليج سيكون على الأرجح خط أنابيب ‘دولفين إنرجي’ الذي ينقل حوالي ملياري قدم مكعبة من الغاز يوميا من قطر الي الإمارات العربية وسلطنة عُمان.
وقال سوسة انه لا يتوقع ان تستخدم إمدادات الغاز كسلاح إقتصادي، لكنها سلاح محتمل مهم. ويقدر محللون ان تدفق الغاز يمثل حوالي 5 في المئة من إجمالي صادرات قطر، وحوالي 30 في المئة من حاجات الإمارات من الغاز.
وأضاف قائلا ‘إذا حدث شيء لخط الأنابيب فسيكون وضعا يصعب معالجته في الجانبين كليهما، لكن بالأساس في جانب الإمارات العربية’.
ولقطر أيضا روابط للطاقة مع باقي الدول الخليجية من خلال منظمة ‘اُوبك’ حيث أيدت بشكل تقليدي سياسات السعودية بإعتبارها المنتج المُهمين في المنظمة.
والمصلحة الذاتية ربما تمنع سياسة الطاقة من ان تصبح منغمسة في النزاع الدبلوماسي. وقال مصدر في شركة قطر للبترول عملاق الطاقة المملوك للدولة ‘جميع مشاريع الغاز وعلاقات اُوبك المرتبطة بالنفط مع مجلس التعاون الخليجي لن تتأثر’.
لكن مبادرات مشتركة اُخرى بين قطر وجيرانها الخليجيين- وبعضها مهم لجهود تلك الدول لخلق المزيد من الوظائف بالقطاع الخاص وتنويع إقتصاداتها لتقليل الاعتماد على النفط- قد تتعطل. وقد يحرم هذا شركات أجنبية من عقود للتشييد بمليارات الدولارات.
وتناقش البحرين وقطر منذ سنوات إحتمال بناء جسر فوق البحر بطول 40 كيلومترا للربط بينهما، ومن الصعب تصور ان يمضي هذا المشروع قدما في ظل المناخ الحالي.
وربما يتعطل أيضا مشروع قيمته 15 مليار دولار على الأقل لربط الدول الخليجية بشبكة مقترحة للسكك الحديدية في الأعوام القادمة.
وحتى قبل تفجر النزاع الدبلوماسي فإن مقترحا لوحدة نقدية لمجلس التعاون الخليجي بدا مجمدا، لأن المسؤولين الخليجيين أصبحوا متشككين ازاءه بعد ان شاهدوا الصعوبات في منطقة اليورو.
وهناك مبادرات إقتصادية اُخرى كانت تبدو مرجحة بشكل أكبر، لكنها اصبحت الآن تبدو أقل ترجيحا. ففي 2003 دشن مجلس التعاون الخليجي منطقة للتجارة الحرة برسوم خارجية موحدة. وأزال هذا إلى حد بعيد حواجز تجارية ظاهرية داخل التجمع الخليجي. لكن ممارسة هذه الوحدة وظائفها كاملة عطلته إختلافات حول كيفية تقاسم إيرادات الجمارك.
وتحاول سلطة للإتحاد الجمركي أنشاها مجلس التعاون الخليجي حل المشاكل، لكنها ربما تجد الآن ان ذلك اكثر صعوبة.
كما أن تبني مقترح لإستحداث ضريبة للمبيعات في مختلف دول المجلس -وهو إصلاح رئيسي لتقليل اعتماد الحكومات على الإيرادات النفطية- يبدو بعيدا ايضا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية