علينا الإختيار: العقل والعدالة أم التكفير؟

حجم الخط
1

في هذه الحقبة الإسلامية التي نعيش حالياً فظائع تجاوزاتها القيمية، ونتلحًّف بسواد ليلها الحالك الذي يفرضه على أرض وطن العرب كلًّه جنون التكفيريين المنتعلين أحذية دم الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء بغرور العار وابتسامات الشيطان، خارج حظيرة الله وأنبيائه والصالحين من عباده.. في حقبة الجحيم الإسلامي الذي يلفح وجوهنا كل يوم فلا نرى من خلاله إلاً ظلمة المستقبل القاسي المفرًّغ من عبق ونور الرًّحمة الإلهية.. في هذه الحقبة نحتاج أن نسترجع في ذاكرتنا وعقولنا وأرواحنا وأعماق إنسانيتنا بأن في قراءة رسالة الإسلام يكمن وجهان : الأول يمًّثله تزمُت وتخلُّف وقسوة وعبثية وإجرام قوى الكره والتكفير والإبادة للآخر التي نراها أمامنا، أما الثاني فيمكن استحضار تسامحه وتقدميته وإنسانيته وعقلانيته من بعض فترات الألق في التاريخ.
في كتابه ‘ فكرة العدالة ‘يشير أمارتياسِنً’ الكاتب الهندي الأصل الفيلسوف الشهير، الأستاذ في جامعة هارفرد الامريكية، إلى أن أصل قيم العقلانية والأخوة والتسامح والعدالة في القانون لم تولد في حقبة الأنوار الأوروبية كـــما يعتقد، وإنًّما سبق إلي الإيمان بها، بل وتطبيقها، أناس آخرون في تاريخ البشرية الطويل.
لذا، وبفخر واعتزاز، عندما يتحدث عن بعض متطلبات تواجد العدالة واستمراريتها في المجتمعات، من مثل العقلانية والتسامح والإنفتاح على الآخر، يشير إلى الامبراطور المغولي المسلم الشهير، المسمًى بأكبر العظيم، يشير إليه كمثل للعقلانية والتسامح.
أمبراطور المغول هذا، قام في بداية الألفية الثانية الهجرية، منتصف القرن السادس عشر الميلادي، عندما كانت أوروبا تعيش في ظلام الحروب الدينية وجنون محاكم التفتيش التي كانت تحرق النساء البريئات باسم محاربة الهرطقة والسٍّحر الشيطاني، هذا الامبراطور أعلن على الملأ بأن العقلانية، وليست التقاليد والأعراف، هي التي يجب أن تحكم التعامل مع القضايا الصعبة في حقول السًلوك وبناء مجتمع العدل.
وفي الحال قام بمراجعة هائلة للقيم الاجتماعية والسياسية وللممارسات القانونية والثقافية في المجتمعات التي كان يحكمها. هذه المراجعة قادت الامبراطور إلى حصيلة من المبادئ والممارسات التي يشيد بها الكاتب، منها :
التركيز الشديد على أن العلاقات فيما بين مكونات المجتمع (المسلمين وغير المسلمين) يجب أن تكون تعاونية تؤدًي إلى السًلم الأهلي. ومن أجل ذلك تبنَّى المبدأ الصوفي (السلام للجميع) أساساً لملكه الامبراطوري.
شرًع مبدأ التسامح الديني في امبراطوريته التي كانت فيها أعداد كبيرة من غير المسلمين وعلى الأخص أتباع الدًّيانه الهندوسية. شرع بأنه لا يجوز التدخل في حياة الناس بسبب انتماءاتهم الدينية وثبًّت حقهم في الإيمان بالدين الذي يرغبون.
ومن أجل التفاهم بين الأديان دعا إلى لقاءات دورية في عاصمة الامبراطورية بين علماء الديانات التوحيدية وغير التوحيدية، بل والإلحادية، وذلك بقصد التعرُف على الآخر واحترام حقوقه والتمهيد للإعلان الرسمي عن أسس الدولة المدنية التي تمارس الحياد بين الأديان وأتباع الأديان.ثبًت مبدأ أنه ليس من العقل أن تتصرَف جماعة بطريقة تؤدٍّي إلى إيذاء الآخرين. ولذلك ألغى نظام ما كان يعرف ‘بالعبودية الامبراطورية’ على أساس أنه خارج العدالة والسلوك السَّوي أن يستفاد من استعمال القوة. ثمُ أتبع ذلك بالغاء جميع الضَّرائب الخاصة المفروضة على غير المسلمين، أي الجزية، على أساس أن ذلك ضدً مبدأ المساواة بين مواطني الامبراطورية.
4وكجزء من فهمه للعقلانية والعدالة أعلن معارضته لزواج الأطفال على أساس أن الهدف من الزواج لا يمكن أن يتوفرُ في مثل هكذا زواج ولأن هناك امكانية إيذاء للأطفال. وهو نفس المنطق الذي دعاه لمحاربة الممارسة الهندوكية التي كانت لا تسمح للمرأة الأرملة بالزواج مرة ثانية، على أساس أن ذلك هو ممارسة غير عادلة.
كثيرة هي الأفكار الإنسانية والممارسات العادلة التي طرحها ذلك الامبراطور المسلم، الممارس بتعلُّق شديد لشعائر دينه الإسلامي، الذي كان لا يعرف القراءة ويأتي بآخرين لقراءة الكتب له ليحفظها عن ظهر قلب، طرحها في وجه ما اعتبره فهماً غير عقلاني للإسلام. القضية الأساسية عنده إعلاء مكانه العقل وقيم العدالة والتسامح والسًلم الأهلي. هذا الامبراطور المسلم يعتبره بعض المؤرخين من بين أعظم أربعة حكام في تاريخ البشرية، وكان تأثيره كبيراً على الزعيم الروحي المهاتما غاندي.
إذن في فهم الإسلام هناك إمكانيات الممارسات البليدة والحقيرة التي نراها أمامنا اليوم، وهناك إمكانيات ممارسة ألق ونور الروح والعقل والوجدان إذ يتعاملون ويتفاعلون مع رسالات السًماء المشعًّة رحمة وسلاماً وعدلاً وأخوة، وعلى علماء وقادة وشعوب هذه الأمة المنكوبة المنهكة أن يختاروا قبل فوات الأوان.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول foufou lakhdar:

    منطق يتسم ببعد النظر…العقل اجدى واليق.

إشترك في قائمتنا البريدية