سنخترع ببغاوات تردد بفصاحة كل ما يُلقن لها، وسيجد فيها الباحثون مادة لإجراء المقارنات بينها وبين بعض السياسيين والصحافيين والكتاب.
سنخترع عدواً نحاربه يومياً في أقوالنا، ونهزمه في أخبارنا التلفزيونية شر هزيمة، ونذمّ أوطاناً بخيلة لا تكرم أبطالها.
سنخترع سمكاً يطير، ونصطاده بالطلقات النارية، فالصيد من دون إراقة دماء هو صيد متخلف لا ينسجم مع المتغيرات الجديدة في الساحة الدولية.
سنخترع سيارات رسمية تدهسنا بغير ألم، ولا تطالبنا بتنظيفها من دمائنا.
سنخترع عشباً أسود اللون، فقد سئمنا اللون الأخضر غير المتآلف مع أيامنا.
سنخترع رجالاً لا يستغلون وظائفهم الحكومية للإثراء العاجل، ونسخر من سذاجتهم.
سنخترع كتّاباً يعشقون الكلمات ويخلصون لها، ونضحك ليلاً ونهاراً من بلاهتهم التي تتناسى أن الدنيا هي مجرد سوق كبيرة، ولا شيء فيها لا يباع.
سنخترع أشجاراً تفترس كل ما يحط على أغصانها، فنتخلص من عصافير غبية تشوه صفاء سمائنا وزرقتها.
سنخترع سياطاً تضرب من دون أن تحتاج إلى أيد تمسكها، فنوفر الرواتب الطائلة، ويزداد ازدهارنا الاقتصادي.
سنخترع في أيام المحن نوماً كالموت.
سنخترع قروداً مرحة، تسجننا في الأقفاص، وتتفرج علينا متعجبة متحيرة.
رحلة العطاش إلى الماء
فقدنا كل ما نملكه، ودفنا على عجل القتلى من أهلنا وأصدقائنا، واختار ما تبقى منا الفرار إلى الأرض القاحلة الجرداء، ومشينا حفاة، عراة الرؤوس متهامسين أن الطريق إلى النهر ليس بالطويل، ولكنه كان طويلاً استنفد كل قوانا، وتركنا نمشي بخطى واهنة متعثرة كأننا الأموات الهاربون من المقابر، وانفجرت نقمتنا على هؤلاء الذين اختاروا أنفسهم قادة لنا ومرشدين، وزعموا أن الطريق إلى النهر قصير، فكانوا مخادعين كاذبين، وعاقبناهم بأن ركبنا على ظهورهم مثلما تُركب الحمير، وبوغتنا بهم يتحولون بعد أيام حميراً حقيقية مالكة لذيول وآذان طويلة، وترفس وتنهق، ونهزأ بنهيقها، ونصفه بأنه من أنكر الأصوات، فتتصايح الحمير مغتاظة محتجة، وتـتهمنا بأننا نريد منها أن تغرد كالبلابل.
فنضحك متابعين مشينا، متيحين لحميرنا أن تستريح، ولكنها تستغل إشفاقنا عليها، وتلوذ بالهرب، وتتركنا نمشي نحو النهر عطاشاً جياعاً منهكين، ولكن خالق كل ما في الأرض والسموات يشفق علينا ويرأف بنا، ويحوّل الرجال جمالاً والنساء نياقاً والأطفال طيوراً، فلم نعد نبالي بالجوع والعطش والتعب، وركضنا في الطريق الموصل إلى النهر العذب المياه المطوق بالشجر المثمر، وما إن بلغناه حتى بوغتنا بمجراه خاوياً ليس فيه غير بعض الحصى والكثير من الأوساخ الجالبة للذباب والناموس، فلم نقنط، وهرعنا نحو أنهار أخرى.
مالك السموات والأرض
طلب الرئيس الأهبل إلى المفتي المنافق أن يحدثه عن الحكام والشعوب، فقال له المفتي متسائلاً : هل تريد مني يا سيادة الرئيس أن أحدثك عن حقوق الحاكم وواجبات الشعب؟
فقال له الرئيس الأهبل : انتظر ولا تتكلم ريثما أستدعي زوجتي لتسمع حديثك عن حقوق الزوج وواجبات الزوجة.
وعندما أتت الزوجة متجهمة الوجه صارمة العينين، تحدث المفتي بإسهاب عن مساوىء التدخين.
كيف يأكلون أوطانهم
ثمة مسؤولون يأكلون أوطانهم بأساليب تكشف أن أفواهم لا تملك أسناناً وأضراساً بل تملك في جوفها طواحين تعمل ليل نهار بغير توقف.
وثمة مسؤولون يهدمون أوطانهم كأنها العدو الأول المطلوب اقتناصه حياً أو ميتاً.
العصافير الكاتمة للأسرار
تتحادث الأشجار ليلاً عن القذائف التي قضت على الكثير منها، فتنصت العصافير لحديثها ولكل ما تقوله من هجاء مرّ لمالكي القذائف ودماهم، وتعتبره سراً، وتنساه حين يأتي الصباح.
الجمهورية السعيدة
كل مواطن من مواطني الجمهورية السعيدة قد دخل السجن وتمتع بمباهجه ومسراته، فالسجون لم تشيد ليراها السياح بل شيدت السجون لتستخدم، وقد استخدمت السجون في الجمهورية السعيدة أحسن استخدام، فالكل متهم، والكل مطالب بإثبات براءته وخضوعه لسيادة الرئيس الذي قيل عنه إن المرأة التي تزوجها عندما أخبرها أول مرة أنه يحبها وطلب إليها الزواج به، قال لها بصوت مازح : انتبهي. إذا رفضت طلبي، فقد تدخلين السجن، فلا أحد في البلاد يتجرأ على مخالفة أمر من أوامري.
فقالت له معترضة إنه لم يأمرها بل طلب الزواج منها، فضحك الرئيس، وقال لها إن كل ما ينطق به هو أوامر يجب أن تطاع.
الأنتحار أسهل من القراءة
الأدباء ليسوا سواسية كأسنان المشط، فثمة أدباء موهوبون يحظون بمحبة قرائهم واحترامهم، وثمة أدباء آخرون لا يملكون غير الوقاحة التي تمكنهم من الادعاء بأنهم أدباء، وكلما كتبوا تضاءل عدد قرائهم، ولا حل لأزمتهم المعقدة سوى التوقف عن الكتابة أو انتحار القراء، والحل الثاني هو الأسهل والمتوقع.
المجنون
من حفر حفرة وقع فيها، ولكن المجنون الذي يحفر لشعبه مليون حفرة يتوهم أنه سينجو ولن يقع في أية حفرة.
مقال جميل ورائع ، من قامة أدبية شامخة ، وينطبق مافيه على جل حكام العرب