الشخص الذي لا يوقع
كان أبو مازن المؤيد الأكبر في الجانب الفلسطيني لحل الصراع سلميا. وقد حارب بشجاعة استعمال الارهاب وسيلة في النضال الفلسطيني. وقد جعله موقفه يقف في مواجهة عرفات وتراثه وفي مواجهة المنظمات الارهابية وفي مواجهة عدد من رفاقه، وفي مواجهة الشارع الفلسطيني، وليست هذه أمورا يستهان بها.
لكنه يخشى التوقيع، فعنده رهاب التوقيع زمن التوقيع. فبعد أن توصل هو ويوسي بيلين في 1995 الى سلسلة تفاهمات حظيت باسم وثيقة بيلين ذ أبو مازن، امتنع عن التوقيع وأنكر مجرد وجود الوثيقة. وتهرب من التوقيع بالأحرف الاولى بدءً للتفاوض على الاقتراح الذي قدمه اليه اهود اولمرت قبيل انتهاء مدة ولايته وامتنع عن الاجابة عن الاسئلة التي عرضها عليه الرئيس اوباما حينما التقيا في واشنطن في الشهر الماضي. كان اللقاء فظيعا ذ بل كان أفظع من اللقاء بين نتنياهو واوباما قبل ذلك باسبوعين. وقد انقضت مستشارة الامن القومي سوزان رايس خلاله على صائب عريقات الذي حاول أن يُسوغ بلغة انجليزية فصيحة، تهرب المسؤول عنه. الا أوقع قبل أن أرى سجنائي يُحررون’، قال عباس ومضى. واستنتج أحد الاسرائيليين الاستنتاج فقال: اإنه مهتم بالسجناء لا بالدولة’.
كانت اسرائيل والامريكيون يوشكون أن يتفقوا في مطلع نيسان على صفقة رزمة توافق حكومة اسرائيل في اطارها على الدفعة الرابعة من الافراج عن السجناء وفيهم عرب اسرائيليون، ويفرج الامريكيون عوض ذلك عن جونثان بولارد. وأُدخل الفلسطينيون في الصورة، وحينها وثب أبو مازن فجأة مع قرار من طرف واحد على ضم السلطة الفلسطينية الى منظمات الامم المتحدة الـ 15. ولو أنه كان ضاءل اظهار هذا الاجراء فلربما مر لأن الامريكيين تحدثوا الى عريقات، وتحدثت لفني ايضا اليه، وبينوا له الصعوبة ذ لكن عباس أصر على أن يدعو المصورين.
إن لكل رفض ولكل حيلة خلفية تخصها، لكنها معا تنشيء صورة مقلقة. قد لا يكون أبو مازن قادرا على أن يلتزم بأي اتفاق، فمنذ أن وقع في 1993 على اتفاق اوسلو مع شمعون بيرس، على اعشاب البيت الابيض، جف الحبر في قلمه وتجمدت يده وربما لا يريد ذلك. فثمة ساسة يكونون مستعدين لاجراء تفاوض لكنهم يهربون فرارا بأنفسهم قبل التوقيع بلحظة، كذاك العريس الذي أراد في ليلة عرسه أن يجرد العروس من ثيابها وبعد أن رآها عارية قال: اأنفها لا يعجبني’.
أكد أبو مازن خلال محادثاته كلها مع الامريكيين أنه لا يُصدق نتنياهو. وردت تسيبي لفني هذه الدعوى بكلتا يديها وقالت: هل يغير شيئا من الامر أن تُصدقوا شخصا ما أو لا تصدقوه. إن السؤال هو ماذا يُعرض عليكم في التفاوض، وماذا ترون.
لكن أبو مازن لم ير شيئا
وُجد في الطرف الاسرائيلي في مرحلة ما من اعتقد أن القرارات المطلوبة قد تكون أكبر من أبو مازن، فيحسن أن نعود الى العمل على تسوية مرحلية. ولم تُنقل الفكرة قط الى الفلسطينيين فهم ارتابوا في اسرائيل منذ أول يوم واعتقدوا أنها تسعى الى تسوية مرحلية، فلم يكن داع الى تقوية ارتيابهم.
ثم تحليل آخر أكثر تسامحا مع عباس، يعود الى الكلام الذي قاله نتنياهو في شباط من هذه السنة. فقد زعم نتنياهو أن عباس مستعد للتسليم باستمرار البناء في المستوطنات. وقد جعل تصريح نتنياهو هذا عباس خائنا في نظر شعبه، فسد مسامعه وفقد منذ تلك اللحظة الاهتمام بتفاصيل التفاوض، فقد تذكر عمره الكبير ذ 79. وشغله التراث الذي يريد أن يُخلفه، ومكانه في التاريخ القومي الفلسطيني. وعلم أن مكانته الآن قوية جدا ولا منافس له في الجهاز السياسي الفلسطيني وبدأ يفكر في انتخابات.
وزاد الافراج عن السجناء أهمية عنده وذلك أولا لأنه دفع عن الافراج عن السجناء بموافقته عن الامتناع عن التوجه الى الامم المتحدة، ويجب على اسرائيل أن تدفع الحساب كاملا؛ وثانيا لأن هذا هو ما يُقدره الشارع. واذا أمكن أن يُضم البرغوثي الى المفرج عنهم وكأنه بولارد محلي فسيُضم اليهم.
في يوم الخميس الماضي تم اللقاء المأمول بين الطرفين. ورعاه مارتن اينديك المبعوث الامريكي، وكان موعد انتهاء بعثة كيري حاضرا.
قال عريقات إن أبو مازن سيحل السلطة الفلسطينية وتكتفي القيادة الفلسطينية بمؤسسات م.ت.ف. وتفقد اسرائيل درعها الواقي والغطاء الذي يغطي الاحتلال. وتلقى نتنياهو تقريرا فأدرك أن السكين على عنقه. وأنه يجب عليه أن يفعل شيئا، فأجاز للفريق الاسرائيلي أن يلتزم بأن يكون البناء في المناطق امنضبطا’، وأن يُجمد البناء الخاص الجديد، وأن يتم الوفاء بالشرط الثاني الذي يشترطه أبو مازن وهو التباحث في الحدود فورا بشرط أن يُبحث في الموضوعات الجوهرية الاخرى. ويمكن ايضا حل مشكلة السجناء بمصالحة. يجب أن نتذكر أن التغيير في الجانب الاسرائيلي لم يمس الجوهر ذ لا الحدود ولا شرقي القدس، فقد تحدث الاسرائيليون في هذه المواضيع تسعة اشهر مع الامريكيين لا مع الفلسطينيين. واحتفظ نتنياهو لنفسه بالحق في التحفظ من كل ما اقترحه الامريكيون في المواضيع الجوهرية.
في يوم الثلاثاء تم اللقاء الذي كان يفترض أن ينتهي الى تمهيد طريق واستمر خمس ساعات في جو مصالحة. وقد عرّفه الاطراف جميعا بأنه جيد جدا. وعلم الاسرائيليون أن وفدا يوشك أن يخرج في الغد الى غزة ليلتقي مع قادة حماس ولم يعلموا أن الوفد سيوقع على اتفاق مصالحة في مؤتمر صحفي احتفالي تذيعه وسائل الاعلام.
العرّاب
صعب عليهم في رام الله أن يفهموا سبب الجلبة: فنتنياهو يرقص طول الوقت مع متطرفين؛ وأبو مازن يرقص من آن لآخر مع متطرفينا. ولا تتصل خصومته مع حماس باسرائيل بل ذاك شأن فلسطيني داخلي، ولن تشمل الحكومة التي ستنشأ اذا نشأت ناسا من حماس يرفضون اتفاقات اوسلو وحق اسرائيل في الوجود، بالعكس ستحصل على تفويض أوسع للتوصل الى اتفاق. ونظروا في القدس الى ذلك نظرة مختلفة فقد فقد نتنياهو مجال حيلته وهو محتاج الى زمبيشيين وأوري اريئيليين للالتفاف على بينيت. وسيجب عليه أن يوافق على عقوبات شديدة للسلطة الفلسطينية التي سترد بعقوبات منها وسيرفع العنف رأسه وربما الارهاب ايضا.
وسيتجه الفلسطينيون الى النظام الدولي مع فرض عدم تجديد التفاوض. وسيضطر الامريكيون الى عقابهم لكن الاوروبيين سيذوبون رقة. لأن أبو مازن سيُحدثهم لا باسم الضفة وحدها بل باسم فلسطين كلها. وسيسافر في الشارع السريع في الطريق الى الدولة وستتسع المقاطعة مع اسرائيل ويتجدد خطر اعتقال ضباط اسرائيليين في عواصم العالم.
خرج عباس أقوى بحسب معايير فلسطينية داخلية. ويجب أن يشكر على ذلك لا اسرائيل بل الجيش المصري الذي عزل الرئيس مرسي راعي حماس وأحل السيسي العدو محله. إن حماس في ازمة وقد أصبحت أكثر مرونة مما كانت من قبل.
يجب تقوية أبو مازن، يقول زعماء اوروبيون في لقاءاتهم المتكررة مع وزراء اسرائيليين. وقال أحد الاسرائيليين: يشبه ذلك سلسلة أفلام امريكية: العراب 1، والعراب 2 والعراب 3 الآن. قف، قال له دبلوماسي اجنبي. يوجد أمل. فقد كان العراب 3 الفيلم الأنجح.
يديعوت 25/4/2014