حول الدفاع عن المقدس: قراءة في ردود فعل النظام السعودي
د. مضاوي الرشيدحول الدفاع عن المقدس: قراءة في ردود فعل النظام السعوديربما اننا نشاهد الفصل الأول من موجة الاستنكار الشعبي علي قضية صور الكاريكاتور الدنماركية. خلال الاسابيع الماضية سكب الكثير من الحبر علي الورق. خرج المسلمون الي الشوارع وقاطعوا البضائع. منهم من يدعو الي الاعتراض والشجب والاستنكار ومنهم من يدعو الي الهدوء والتعقل.حرقت السفارات والقنصليات والاعلام وقتل قس مسيحي في طرابزون. خرج رجالات الانظمة العربية يدعون الي الاعتراض الحضاري وهو ما حرموه علي شعوبهم عندما جلسوا علي كراسي الحكم. ادانوا غوغائية الشارع العربي المسلم وعنفه ولم يدينوا كيف انهم انفسهم قد حولوا هذا الشارع الي كتلة شعبية وقنبلة موقوتة تنتظر الانفجار. خنقوا هذا الشارع بعد ان سلطوا عليه كمامات تضليل اعلامية وثقافية يتلقاها الشارع هذا في البيت والمدرسة وعلي مقاعد الجامعات وفي مراكز العمل.انطلقت الشرارة الاولي المتصدية لتدنيس الرسول صلعم ليس من قلب العالم الاسلامي ـ السعودية ـ ولكن من مسلمي الهامش. مرة اخري صنع الحدث في احياء الدنامرك المسلمة اولاً ومن ثم انتقلت الصحوة الي اسيا في بلدان كاندونيسيا وماليزيا ومن ثم باكستان والهند وغيرها حتي حانت الساعة لشعب السعودية وحكامها ان يستفيقوا من سباتهم العميق والذي لا يوقظه اليوم سوي صعود الاسهم وهبوطها. فها هم يتجمدون امام شاشات الحاسوب بحثا عن استثمار جديد ومغامرة قادمة. يرتفع ضغطهم كلما هبطت اسهمهم وينخفض كلما ارتفعت هذه الاسهم.اربكت حركة الشارع الاسلامي الغوغائية وغير المهذبة خادم الحرمين الشريفين فاستدعي سفيره من دولة تعتبر من اكثر الدول هامشية علي الخارطة الجيوسياسية الاوروبية.وافرغنا المحلات التجارية من جبن الدنمارك ولبنه والغينا بعض المعاملات التجارية حتي لا ينتقدنا الشارع الغاضب ليس فقط في العالم العربي بل حتي في اقصي الشرق والغرب. فنحن لا نقبل بأن نحسب في عداد الصامتين. ولا بأس ان ترتفع اصوات النظام السعودي علي من كان جداره قصيرا. نعاقب الدنمارك وصحفها العنصرية لانها تعدت علي ذات الرسول ولكننا نسكت علي تدنيس المصاحف في مراحيض غوانتانامو ومساجد الفلوجة. نسكت علي القوي ونتطاول علي الهامشي والذي ربما لا يستطيع الكثير تحديد مكانه علي خارطة العالم.في عالم اصبح فيه الدفاع عن الدين برقعا يتبرقع به الكبير والصغير، المجرم والبريء، الصادق والمنافق، استطاع النظام السعودي ان يحفر اسمه علي لائحة المحتجين عله بذلك يكسب بعض النقاط ويصيب بعض الاهداف عند داخله المحلي. فهو يعترض علي الرسام الدنماركي ولكنه في الداخل يوفر الحماية الكافية لكل من يعتبر التطاول علي رموز الاسلام والمسلمين فنا وفكرا وحضارة وثقافة. في معارض الكتب المحلية تمنع قصص الخلاعة والرذيلة والتطاول علي المقدس بينما يقوم النظام السعودي بتبني ليس فقط من كتب هذه الكتب بل هو يحتضنهم ويوفر لهم تغطية خاصة تحميهم من غضب الشارع. يسجن النظام كتبهم بينما يعزز شخصهم الكريم. وان وصل احد المتطاولين علي المقدس الي القضاء نراه يعفو عنهم ويخرجهم من السجون ويلغي الاحكام الصادرة من المحاكم. ليس هذا فقط بل هو يستعرضهم علي الملأ في برامج حوارية ويخصص لهم الصفحات الخاصة في صحفه المحلية والعالمية المملوكة من قبل اشخاص معروفين داخل النظام ذاته.عندما يتصدر النظام المدنس قضية الدفاع عن المقدس نجد اننا ندخل مرحلة تاريخية حرجة لها تبعات خطيرة ليس فقط علي هويتنا بل علي علاقتنا مع الغير وتصورهم لنا. نستطيع ان نجزم ان هذا المدنس قد شوه صورة الاسلام والمسلمين خلال قرن كامل متسلحاً ببراميل نفط وبترودولار لم ينضب بعد. لنستعرض بعض تداعيات دفاع المدنس عن المقدس او علي الأقل هذا ما يزعمه النظام.اولا: دفاع المدنس عن المقدس ادي الي انفصام شخصية علي المستوي الفردي والاجتماعي. اذا كان هناك شعب يسمي بالسعودي فهذا الشعب هو من تحول النفاق عنده الي فن متطور منظم له قواعده واصوله بدأ بالنظام وانتهي عند مستوي الشباب الذين يطوفون بالشوارع ويرهبون النساء بتمردهم وغطرستهم وتعديهم علي حرمة المرأة في مجتمع يعتقد انه من احفاد الصحابة .كان انفصام الشخصية علي مستوي النظام بداية المرحلة التي مهدت لانتقال العدوي وفيروس النفاق الي المستوي الشعبي.نظام يدعي الدفاع عن المسلمين والاسلام ويحتضن مشاريع اكبر دولة عادت الاثنين معا. يساعدها في مشاريعها العسكرية بضخ نفطه ليسقي حاملات الطائرات المرابطة في المياه المجاورة حتي تنطلق وتدك الابرياء في قري نائية. علماؤه السابقون واللاحقون يفتون بحرمة لبس البنطال المصنوع من الجينز للمرأة اذ ان هذا الحيز الوحيد الذي يتطلب علمهم الشرعي ـ ولكنهم في نفس الوقت يحللون لرجالات العرب ان يزحفوا خلف جنرالات الغرب خاصة اذا كان الهدف الحفاظ علي انظمة الاستبداد والكراسي العتيقة. مفتوه يفتون بعدم جواز السفر الي بلاد الكفر بينما قيادتهم العتيدة تشيد القصور للرفاهية علي مرتفعات ماربيا وجنيف وكان ولا بأس لهذه الأوكار ان تحتضن داخل اسوارها مسجدا. فالنفاق يتطلب ان يرتفع القصر والمسجد معا وفي نفس الوقت لعل وعسي ان تغطي مئذنة الثاني علي عربدة الاول. ان يطلب الانسان العلم في بلاد الكفر دون رقيب يرسل معه حرام اما ان يتسكع الثري والفاسد في اماكن الرفاهية فهذا ليس من اختصاصهم عندها فقط يحترمون خصوصية البيوت وما يدور خلف جدرانها. يحرمون علي المسلم رحلة علمية بينما يحللون لولي الأمر استيراد الاجناس البشرية المختلفة الالوان والاشكال والانواع حتي تحول الوطن الي ساحة ترانزيت في مطار دولي. سفر المرأة طلبا لعلم لا وجود له في الداخل المحلي دون محرم حرام اما سفرها مع خادم الحرمين الشريفين للدفاع عن اصلاحه المزعوم في بلاد الصين والهند حلال. بعد هذا النفاق المعلن وغير المعلن يتشدق المدنس بالدفاع عن المقدس. يذكرني هذا بقصة ذلك الشاب الآسيوي الذي خرج يتظاهر مع مسلمي بريطانيا مرتديا حزاما ناسفا. يهتف وينادي ويصرخ دفاعا عن رسول المسلمين وهو منغمس بجريمة تعاطي الكوكايين وغيرها من المخدرات وترويجها. استغل خروجه من السجن بتعهد ليستعرض نفسه امام الكاميرات. نتساءل اين كان حبه للرسول وهو يسمم اجساد البشر وجسده، ويوقع بالابرياء في سبيل اثراء نفسه بطريقة غير مشروعة. هذا المدنس المجرم المستفز يتعاطي مع قضية الرسول من منطلق تخلفه واجرامه. نقول له كما نقول للمدنس السابق المذكور ان دفاع المدنس عن المقدس جريمة اكبر من جريمة الرسام الدنماركي والذي كان صادقاً مع مشاعره المعادية للمسلمين علي الاقل ولم ينافق كما ينافق النظام السعودي او الاسيوي المسلم البائع والمروج للمخدرات.ثانيا: من تداعيات دفاع المدنس عن المقدس هو تحول هذا المقدس الي سلعة استهلاكية استهلكتها بعض الانظمة كما استهلكها النظام السعودي كما استهلكها الاسيوي مروج المخدرات، وكما استهلكتها قوي سياسية اخري في العالم العربي. نعم لقد تحولت رموز الدين الي سلع ترتفع قيمتها فقط عندما يحلو لصاحب الشأن والقرار ان يرفعها. فهي احتكار له وملكه الخاص يبني علي مقولة الدفاع عنها شرعية جديدة وقابلة للتجديد كلما هبت ريح وكشفت الغطاء عن نفاقه وفضحت ازدواجيته. جاءت صور الكاريكاتور في لحظة مناسبة جدا لنظام يبحث عن شريعة جديدة بعد ان تضافرت عدة عوامل خارجية وداخلية علي فضحه وفضح مقولاته الواهية. جاءت هذه الرسوم في لحظة تاريخية حرجة يحاول فيها النظام ان يبدل مقولاته الدينية السابقة ويخفي مجلدات اعلامه ويمحوها من الوجود بدأ بالدرر السنية ويستبدلها ليس بالخطاب التنويري الاسلامي بل بالفساد الاخلاقي والترويج له كبديل للتطرف الديني. يعتقد النظام السعودي انه يستطيع ان ينتقل من سلفية ابن حنبل وابن تيمية مرورا بتلك المرتبطة بمحمد بن عبد الوهاب الي اسلام مقبول امريكيا بمجرد الظهور جنبا الي جنب امام عدسات الكاميرات مع نساء المجتمع المثقفات. المعادلة المطروحة اليوم تتطلب استبدال التطرف وخطابه بخطاب الانفتاح بمعناه الاخلاقي المحدود وليس الفكري المطلوب.نتيجة دفاع المدنس عن المقدس تحول المجتمع في نظر الخارج من مجتمع منغلق متطرف الي مجتمع منحرف منافق.بالطبع هذا لا ينطبق علي الجميع ولكن الصور المصنوعة تكون عادة مركبة بطريقة تؤثر فيها النماذج الشاذة فقط بدءاً برأس الهرم. نحن اليوم ربما نمر بمرحلة اخيرة في عملية تركيب الصور اذ اننا بصدد صورة السعودي الارهابي التي روجتها المصادر الاعلامية الخارجية وتبنتها بعض الصحف المحلية. ظهرت كيفية تبني هذه الصورة حتي من قبل المسلمين ذاتهم واضحة في اطار محاضرة القاها مثقف اسلامي معروف من دولة عربية معروفة كان قد استقدمته بريطانيا لتنوير وتثقيف شباب المسلمين في بريطانيا وصرفهم عن الاسلام المتطرف حسب التعبيرات الدارجة حاليا. حدثنا هذا المثقف عن خطر الاسلام السعودي المتطرف وضرب المثل بكون السعودي لا يفهم معني القوامة الا كدلالة تقدم الرجل علي المرأة عندما يصعدان في مصعد البناية. لم اسمع يوما ما مثل هذا الهراء. انصرفت وانا افكر هل يا تري هذه نتيجة من نتائج دفاع المدنس عن المقدس. لا الوم هذا المثقف الاسلامي العربي ولكنني الوم ثقافة الازدواج والنفاق التي روجها النظام السعودي. هذه الثقافة لها علاقة عضوية بموضوع الصورة الحالية والتي التصقت بـ السعودي تصوروا ما هي نتيجة ان يتسلح المدنس بملايين الدولارات وينصب نفسه مدافعاً عن قضايانا متحدثا باسمنا بل باسم المسلمين عامة وكأننا وهم من انتخبه في انتخابات حرة شفافة. انه اليوم يحاول ان يقنعنا انه قد استلم تفويضا الهيا لا ندري عنه.9