أتى الليل، فنام الأعمى الذي يعيش في الغابة، واستيقظ صباحاً من نومه ليباغت بأنه صار من المبصرين، فشهق فرحاً، وهرول في دروب الغابة ليظفر برؤية ما كان محروماً منه منذ ولادته.
رأى غيوماً سوداً من جراد لا يأكل إلا اللحم، ويشمئز من الخضروات.
رأى أكاليل الغار توهب لآكلي الجيف تقديراً لذكائهم، فهم يأكلون من دون أن يتعبوا في الصيد.
رأى الضفادع تتصدر المجالس، وينصت لنقيقها بوصفه الفكر المنقذ المرشد والحكمة التي قيلت لتبقى.
رأى الورد قانطاً ينتحر لينبت بدلاً منه شوك متغطرس.
رأى النمور تنتحب أمام الجرذان مناشدة الشفقة والعفو ولا تظفر بهما.
رأى الغزلان تشيد المطاعم الفخمة للضباع.
رأى الصقور مقصوصة الأجنحة تتبارى في تقديم الوحل لخنازير هرمة.
رأى الطواويس تمجد البوم المتباهي ببهائه وفتـنـته.
رأى الربيع يخجل من ثيابه الخضر ويحاول بيعها ولا يجد مشترياً.
رأى الثعالب تحظى بالإجلال والتكريم والتبجيل أينما حلت.
رأى الغربان تشن حرباً على الطيور المغردة وتهزمها الهزائم المنكرة وتحظر عليها التغريد والطيران وترغمها على الزحف كأنها لم تكن يوماً مالكة أجنحة.
رأى السماء تتخلى عن لونها الأزرق بغير أسف أو ندم.
رأى الذباب يحتشد سحباً سوداً تحجب الشمس وتحوّل النهار ليلاً من دون فجر.
رأى السلاحف تركض وتسبق الأرانب.
رأى الدببة تشارك في مسابقات الرقص وتفوز بكل الجوائز.
رأى الحمير تتجشأ متخمة بينما الفيلة تستجدي ما يسكت جوعها العاوي.
رأى الخراف تصول وتجول ناشرة الرعب، وتُروى الحكايات عن بطولاتها.
رأى القرود تنطنط مطوقة بالتقديس، ولا يجرؤ مخلوق حي على عصيان أمر من أوامرها.
رأى القطط تتسلى باصطياد الأسود وقتلها.
رأى الأنهار يهرب منها العطشان، وتخطط لتصدير ملحها.
رأى الجبال تتوارى متحوّلة أودية سحيقة.
رأى الكلاب تغرد والبلابل تنبح وتنهق وتنعب وتنعق.
رأى الأشجار لا تورق ولا تزهر ولا تثمر.
رأى المطر ينهمر لزجاً أحمر اللون.
رأى التزاحم على المستنقعات، ولا أحد يقترب من الينابيع العذبة.
رأى الحرائق في كل مكان.
رأى الجياد مشلولة تصهل مستغيثة.
وزعم الأعمى المبصر المطرود من عالم العميان أن ما رآه في تلك الغابة جعله يتحسر على أيام كان أعمى، ويحن إليها، ويحلم بعودتها.
على الصراط
كأن العالم مستشفى مجانين، أطباؤه أكثر جنوناً من مرضاه.
كأن القدم رأس، والرأس قدم.
كأن الغربان والبوم بلابل، والبلابل ضفادع ثرثارة.
كأن العشب الأخضر حبر لا لون له محدداً إلا في القصائد.
كأن التفاهة هي العلم الأصيل والجسر الوحيد الموصل إلى الكراسي الخطيرة.
كأن الطريق إلى جهنم هو طريق إلى الجنة، والطريق إلى الجنة لا بد له من أن يبدأ من ظلام السجون.
كأن الرياء هو الحاكم بأمره، والعاصون أمره هم الذين يستحقون شر تأديب.
كأن الأنهار لا تنبع وتجري لتروي الأرض بل لتروي أفواهاً عطشى عطشاً لا يزيله إلا الدم.
كأن الصوت الصارخ هو مجرد صدى في صحراء نيام.
كأن فقدان الذاكرة هو الملجأ لمن يرغب في العيش عيشاً يخلو من الذكريات السود.
كأن النار خلقت لتحرق فقط، ولم تخلق من أجل أن تدفىء أيضاً.
كأن إحناء الرأس هو مطلب لا يناله إلا من سهر الليالي.
كأن المال هو سفينة تتحدى أكثر البحار ضراوة وشراسة، وتستطيع الوصول إلى أي ميناء تريده.
كأن الغضب المؤازر لحق مدحور هو صفة الطالحين لا صفة الصالحين.
كأن الزاحفين هم القدوة الوحيدة الصالحة للأجيال الجديدة.
كأن الحرية شجرة خضراء يتجاهل ممجدوها وعشاقها الفؤوس التي تحاصرها وتنهال عليها.
كأن الاستقلال هو أن يطرد محتلٌ محتلاً.
كأن الوطن أضغاث أحلام، وملكٌ فقط لمن ملك.
كأن نوم الفرد مذموم ونوم الشعب مرغوب.
الحزانى!
حزن الطفل، فقد قذف كرته إلى أعلى، فتحولت طائراً أبيض يفزعه الأطفال، ويبغض التحليق على علو منخفض.
حزن السيف بعد إحالته إلى الاستيداع، وهو لا يزال قوياً قادراً على الانتصار في المعارك.
حزن الورد، فالورد الصناعي يحظى بالرواج والإعجاب أكثر من الورد الحقيقي، فرحبت الحديقة بما جرى إذ ينقذ وردها من موت القاطفين.
حزن العشب إذ لم يسمع يوماً كلمة شكر من ناظر ذي عينين.
حزن الشجر، فهو يرى الفؤوس تشحذ وتهرع نحوه، فتمنعه جذوره من الهرب.
حزن الشاعر بغير سبب، فحزنت كلماته، ونبتت لها أجنحة سود، فآثرت الطيران في أقفاص من ورق أبيض.
حزن البلبل العجوز بعد أن أفنى عمره في التغريد لمن لا يجدر بهم غير الولولة.
حزن البحر، ففي كل لحظة يختطف سمكه، ولا يعقب الاختطاف بيان يبشر بدحر الجوع.
حزن الكاتب عندما عرف بعد فوات الأوان أنه موهوب في البيع والشراء فقط، يبيع الخل على أنه نبيذ.
حزنت الأفعى المتهمة بتغيير جلدها بينما تغيير الجلود والعقول في عالمي السياسة والإعلام هو أروج موضة، ويحظى بالترحيب.
حزنت الأقدام، فسيرها إلى الأمام هو سير إلى الوراء من غير أن تدري السبب.
حزن الكتاب المفيد، فلا قارىء له سوى الغبار الكثيف.
حزنت الزوجة لأن زوجها دهسته سيارة مسرعة قبل أن يصبح مليونيراً.
حزن الأستاذ الجامعي لأن معلومات طلابه الجهلة باتت أكثر من معلوماته المحنطة.
حزن ابن المسؤول لأن القوانين تمنعه من أن يدهس بسيارته أكثر من مواطن واحد في اليوم.
حزن اللص المحترم لأن اللصوص غير المحترمين صاروا أغلبية مطاعة.
حزن المطر لأن الأوساخ التي تغطي الأرض أكبر من قدراته على التنظيف.
حزن الجنين لأن أمه رفضت الاجهاض.
حزن السجين، فقد آن أوان خروجه من سجن صغير إلى سجن كبير.
حزنت الراية السوداء، فمن سوّدها لا يزال قاتلاً طليق السراح يطالب ضحاياه بالشكر.
حزن السيد وهو يخبر عبيده أنه راحل قريباً بسبب إصابته بمرض لا دواء له، فبكى عبيده، ومزقوا ثيابهم، وارتدوا ثياباً جديدة ذات ألوان بهيجة.
الله يسامحك يا استاذ زكريا
يعني احنا ناقصين
اعرف انك تلمح بالواقع اللذي نعيشه
حبذا لو حاولت تغيره بشيء من تفاؤل
الله سبحانه وتعالى ذكر الجنه وذكر النار
وذكر الرحمه وذكر العذاب
وذكر المغفره وذكر العقاب
مقالك بصراحه لم اقدر ان اكمل قراءته
لسبب وحيد انك اخفتني وانا رجل شديد
فكيف بغيري خاصة ضعفاء القلوب
اخيرا ادعو الله سبحانه ان يسعدك بحياتك
ويسعد الناس اجمعين
ولا حول ولا قوة الا بالله
لقد شاهدت صورتك يا عم زكريا
وانا آسف ان كنت اسأت الادب معك
ذكرتني صورتك بوالدي رحمه الله
الله ينور قلبك وحياتك بالسعاده
وتقبل مني كل تقدير ومحبه
ولا حول ولا قوة الا بالله
قصة رائعه جدااااا…
قصيدة في القمة الله يحفظك يا أستاذ.كلمات في الصميم تعبر بحق على ما تمر به الأمة العربية من تخلف.فمن رزقه الله الحكمة و الفطنة يستطيع أن يفك شفراتها.إنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور.سلام.
انت كبير يا عم زكريا من يوم ما قرأت لك الكرز المنسي وهي قصه احداثها من ثلاثينيات القرن الماضي وجدت ان قلمك يعبر عن الانسان الذي تتمناه وهناك مقوله بنسمعها (بدلت غزلانها بسعادين) وهذا من علامات قيام الساعه