بيت لحم- ‘القدس العربي’ من فادي أبو سعدى: عرفت قرية المعصرة في بيت لحم، بنضالها اللاعنفي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وضد سرقته للأرض الفلسطينية وهدم البيوت، والاعتقالات، هذه القرية يسكنها ثمنمئة وخمسون نسمة فقط، ومساحتها التي كانت تقدر بعشرة آلاف دونم لم يتبق منها ‘النصف’ بسبب الجدار الفاصل الذي تقيمه إسرائيل على أراضيها.’
وما زالت القرية تتفنن في ابتكار أساليب المقاومة، رغم سقوط ثمانية شهداء برصاص الاحتلال، وهدم منزلين، واخطار آخرين ومسجد القرية بالهدم قريباً، لتعلن بأنها لن تستسلم لمخططات الاحتلال مهما حدث.
وتعتبر المعصرة بحسب عدد من سكانها مهمشة ولا تصل إليها الخدمات الأساسية، وهناك العديد من سكانها لا يجدون عملاً لهم، بسبب إجراءات الاحتلال في محيط القرية.
‘تربية النحل وإنتاج العسل’ هي أحدث الأفكار المبتكرة لمقاومة الاحتلال، والحفاظ على أراضي القرية من المصادرة، ومساعدة عدد من الأسر على العيش بكرامة، كما حدثتنا فاطمة بريجية ‘أم حسن’ رئيسة المركز النسوي في قرية المعصرة وعضو في اللجنة الشعبية لمقاومة الجدار.
‘تقدمنا بفكرة تربية النحل لمؤسسة ‘رؤيا عالمية’، وهو برنامج خاص في هذه المؤسسة لمساعدة النسوة اللاتي يردن العمل لمساعدة أسرهن على العيش’ تقول أم حسن، وقوبلت الفكرة باستحسان المؤسسة، وبدأنا العمل عليها بمجموعة مكونة من 12 إمرأة من القرية.
هو مشهد غير مألوف في فلسطين، بأن ترى نساء يتابعن خلايا النحل المتلاصقة والمتراصّة التي تبلغ 45 خلية ويقمن بتنظيفها وترتيبها والعمل على صيانتها للوقاية من الأمراض وصولا إلى قطف العسل، ما يساهم في مساعدة 12 أسرة، هي أسر النسوة اللاتي يعملن في هذا المشروع الصغير.’
‘يحتاج النحل إلى رعاية متواصلة’، تقول أم حسن، حيث نواصل وضع الماء وتفقد الخلايا للوقاية من الأمراض، حيث تتقاسم النساء الأدوار، ويقمن بالعمل بشكل دوري، وأحيانا يعلمن جميعهن إن تتطلب الأمر ذلك.’
وزارة الزراعة الفلسطينية تساهم هي الأخرى بهذا المشروع بإرسال مهندس زراعي من طرفها يأتي لفحص ومتابعة خلايا النحل لضمان انتاج كمية جيدة من العسل في موسم القطاف.
‘أم حسن’ أوضحت لنا أن هذا المشروع لا يأتي بالمدخول المقنع للنساء اللاتي يعملن فيه، حيث يتم جني 2000 شيكل، ما يقارب (550 دولاراً) كل 7 شهور وهو مبلغ بسيط لا يكفي لإعالة اثنتي عشر عائلة، ولكن بسبب وضع تلك القرى المهمشة كقريتنا، وفي ظل الظروف الصعبة التي نعيشها، ‘نشكر الله’ على هذه النعمة، ونقول ‘ولا البلاش’.
المشروع ليس له مكان خاص، بل أن خلايا النحل منتشرة في الخلاء ما بين أشجار الزيتون منعاً لمصادرة الأرض كما قالت لنا أم حسن وهي تشرح لنا عن المشروع.
المشاكل التي تعاني منها المرأة الفلسطينية كثيرة بحسب أم حسن، لكن نظرا للظروف القاهرة التي نعيشها في البلد خاصة بسبب الاحتلال، يجعلها تقبل بالعمل بأي شيء لسد احتياجات المنزل، والمساعدة بإعالة الأسرة.
كما أن المركز النسوي ذاته في القرية، بدأ في تنفيذ فكرة جديدة، تتمثل ‘بالمطبخ المجاني’ الذي يحوي على ماكنات حديثة للطهي، حيث يقدم وجبة يومية، لأطفال رياض الأطفال في القرية، كما لمدارس الذكور والإناث.
وبحسب أهالي القرية فإن الفكرة هي لإنشاء جيل صحي بعيداً عن المنتجات الحديثة في الأسواق، والمعتمدة فقط على النكهات والصودا والكثير من الأمور غير الصحية.
المتطوعون في المطبخ يذهبون عند الخامسة فجراً من صبيحة كل يوم لبدء العمل، على أن تكون الوجبة جاهزة عند العاشرة صباحاً ‘فترة الفرصة’ بين الحصص المدرسية، حيث تقدم الوجبة لرياض الأطفال مجاناً، ‘فيما تقدم لمدرستي الذكور والإناث بقيمة رمزية جداً تصل إلى ‘نصف شيقل’ فقط.
يوم الجمعة، تتوقف النساء عن العمل في مشروع ‘تربية النحل’ ليس لأنه يوم عطلة، بل لأنه اليوم الذي يخرج فيه كل أهل القرية نساءً ورجالاً في مظاهرة سلمية ضد الجدار العنصري وضد مصادرة أراضي القرية المستمرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ويشاركهم العديد من النشطاء الأجانب إلى جانب بعض نشطاء اليسار الإسرائيلي.
انطلقت المظاهرات السلمية منذ عدة أعوام في قرية المعصرة كمثيلاتها في بلعين ونعلين والنبي صالح وغيرها من القرى الفلسطينية التي تواجه الجدار، وأصبحت عنواناً للمقاومة الشعبية اللاعنفية ضد أطول احتلال في العالم.
‘أم حسن’ وغيرها من النساء ما زلن يفكرن بمزيد من المشاريع لحماية الأرض، مهما كان نوعها، حتى وإن لم تكن أفكارا تناسب النساء للعمل فيها، إلا أن ‘الحاجة أم الاختراع’ كما يقلن لنا.