اسبانيا تودع السنة بجدل بين مسلميها والكنيسة حول دور الاسلام وموقعه في المجتمع
ppمدريد ـ القدس العربي ـ من حسين مجدوبي: تودع اسبانيا سنة 2006 علي إيقاع جدل واسع حول دور الاسلام فيها في أعقاب مطالبة مسلمين اسبان الحق في الصلاة في جامع قرطبة التاريخي والذي يستعمل ككنيسة في الوقت الراهن علاوة علي صفته كمعلمة أثرية شاهدة علي حضارة عربية ـ وأمازيغية سطعت في الأندلس.وتعود وقائع هذا الجدل الي مطالبة اللجنة الاسلامية من الفاتيكان السماح للمسلمين بالصلاة في جامع قرطبة العظيم، وجري تقديم هذا الطلب منذ سنوات، وتم رفضه وقتها، ثم عادت اللجنة الاسلامية الي تكرار الطلب لتواجه الرفض نفسه خلال هذه الأيام. يذكر أن المسلمين سبقو وأقاموا صلاة جماعية مرة واحدة في جامع قرطبة خلال صيف 1985، ومنذ ذلك الوقت بدأ يتبلور هذا المطلب والذي شهد اهتماما إعلاميا كبيرا في الآونة الأخيرة.pppوتعتمد اللجنة الاسلامية الاسبانية في طلبها علي طبيعة هذا المعبد، فتؤكد علي طبيعته كمسجد في الماضي بني من أجل ديانة محددة وهي الاسلام، لكن الظروف السياسية وطرد العرب من الأندلس حول المسجد الي كنيسة. وتري اللجنة علي لسان أحد أبرز قادتها وهو منصور إسكوديرو أن الأوضاع التاريخية قد تغيرت والمنطق يحتم عودة المسلمين للصلاة في مسجد إنشأ لهذا الغرض دون التفريط في حق المسيحيين بأداء شعائرهم.وناب أسقف قرطبة، خوان خوسي آسينخو في الرد علي مطلب المسلمين الاسبان بقوله أنه لا يمكن نهائيا الصلاة في المسجد والحق الأبدي للكنسية الكاثوليكية علي هذه المعلمة الأثرية، مبرزا أن هذا المطلب سيساهم في توتر العلاقات بين المعتقدات .ولم يتراجع المسلمون الاسبان عن مطلبهم، فقد قام منصور إسكوديرو يوم الخميس الماضي رفقة إمام قرطبة بالصلاة في الفضاء المحيط بالجامع كاحتجاج علي حرمانه من الصلاة وسط الجامع، الأمر الذي أثار اهتماما إعلاميا كبيرا، ولم يستبعد إسكوديرو صلاة جماعية مستقبلا في فضاء الجامع. فقد أعلنت اللجنة الاسلامية عن حملة لجمع التوقيعات في أوساط الجمعيات الاسلامية والأحزاب السياسية للتمتع بالحق في الصلاة في الجامع أو علي الأقل الصلاة في بعض المناسبات مثل الأعياد الدينية.وتولي عدد من المنابر الاعلامية اليمينية المقربة من الكنيسة أهمية للموضوع عبر شن حملة إعلامية مضادة لمطالب المسلمين الاسبان. وتساءلت الصحف عن العدد المرتفع من المساجد في منطقة الأندلس والتي تتجاوز المئة مسجد مقارنة مع نسبة المسلمين. وخلف هذا المطلب جدلا سياسيا وثقافيا ودينيا واسعا، وحتي الآن أعرب زعيم حزب اليسار الموحد، غاسبار جاماساريث عن حق المسلمين في أداء الصلاة في الجامع، في حين حاول الحزب الشعبي المعارض أن يحصل علي إعلان من بلدية قرطبة تمنع صلاة المسلمين، وفضل الحزب الاشتراكي واليسار الموحد اللذان يرأسان البلدية إصدار بيان يؤيد حوار الأديان. وتجد الكنيسة وحتي الدولة الاسبانية نفسها في موقف حرج للغاية لأن المطالبين باستعمال الكنيسة ليسوا من المهاجرين المسلمين الذين قدموا توا الي اسبانيا أو كانوا يستقرون فيها منذ سنوات بل هم مواطنون اسبان اعتنقوا الديانة الاسلامية ويجدون في التاريخ والدستور خير سند لهم بشأن مطالبهم، فالجامع جري تشييده كمسجد للديانة الاسلامية والدستور الاسباني يجعل جميع المواطنين مهما كان معتقدهم يتساوون في الحقوق دينيا. ويتزامن هذا الجدل مع أخبار مشروع تقدمت به اللجنة الاسلامية الي بلدية قرطبة لبناء ثان أكبر مسجد في العالم بعد مكة المكرمة سيقوم علي أكثر من 11 ألف متر مربع، وسيكون معلمة اسلامية في الغرب ومركزا اسلاميا لكل مسلمي أوروبا. هذه الأخبار تجعل الرأي العام الاسباني وخاصة في الأندلس يستعيد شبح عودة المسلمين أو الموريسكيين الي الأندلس التي طردوا منها، علما أن هذه الفكرة راسخة في المخيلة الاسبانية، وما زالت بعض المدن تحتفل بطرد العرب والأمازيغ ومن ضمنهم مدينة غرناطة التي تخلد ذلك في حفل ديني وعسكري 2 كانون الثاني/يناير من كل سنة. ويكفي أن جمعيات حقوقية طرحت خلال الأسابيع الماضية حق المنتمين الي الموريسكيين الذين يقيمون في المغرب العودة الي اسبانيا والي الأندلس. ومما يثير تخوفات الكنيسة هو ارتفاع عدد الاسبان الذين يعتنقون المسيحية ويتحولون الي ناطق باسم المطالب الاسلامية في الأندلس واسبانيا. وترتب عن هذا الجدل الديني في الأندلس انتعاش تلك الأصوات السياسية والثقافية المحذرة من عودة الاسلام، حيث تنشر الصحافة الموالية للكنيسة مقالات في هذا الشأن، في حين تحاول الصحافة المقربة من اليسار تفادي نقاش تعتبره يمس أساسا بالتعايش الديني في هذا البلد الأوروبي.