التطبيع وعقوبته

حجم الخط
0

أوجدوا كلمة الذم ‘تطبيع’ بعد اتفاقات السلام مع مصر قبل 35 سنة، فورا. فاذا كانت الاتفاقات تحدثت عن سلسلة طويلة من التعاون معنا لتعظيم جو السلام، فان ‘التطبيع’ ولد للتشويش على ذلك. فكل من ضُبط على علاقة باسرائيليين وكل من دعا الى بيته زوارا من اسرائيل أو ظهر مع اسرائيليين في شارع أو في مطعم أو وافق على المشاركة في مؤتمرات اكاديمية مع اسرائيليين تلقى فورا
إسم الذم ‘مُطبع’. أي ذاك الذي يصر عن بواعثه المظلمة، على إحداث تطبيع مع ‘العدو الاسرائيلي’.
جاء خبير الامراض الباطنية الراحل البروفيسور محمود بدر لاحداث انطباع عن التخصص في مستشفياتنا بعد أن نال المباركة من القصر الرئاسي في القاهرة فقط. وقد كان رائد ‘المُطبعين’، وحينما عاد وجد نفسه في قائمة ‘التطبيع’ السوداء، وتم تطييره عن اتحاد اطباء مصر. وجاء بعده الكاتب الساخر علي سالم الذي جاء الى تل ابيب فجأة وتجول عندنا ثلاثة اسابيع وحينما عاد جلس ليكتب كتاب تجارب شخصية أصبح أمرا ساخنا ضخما في كل أنحاء العالم العربي لكنهم في اتحاد المسرحيين في القاهرة طلبوا أن يعتذر عن المبادرة التلقائية، وحينما أصر على الرفض طيروه مهانا وحظروا تشغيله في الاذاعات وفي وسائل الاعلام.
وفي الاردن ايضا بعد السلام تبنوا عقوبات ‘التطبيع’. وكان يجب على الملك بجلاله وبنفسه أن يتدخل كي يخلص صحفيا أجري معه لقاء صحافي لوسيلة اعلامية عندنا بعد السلام، وأن يدعم رجال اعمال سافروا للتوقيع على صفقات وأقاموا مصانع مشتركة برغم معارضي السلام. وتلقى الممثلان الساخران من عمان نبيل وهشام تهديدات على حياتهما في خلال زيارتهما لاسرائيل. وبعدهما يحذر اتحاد الصحفيين ولا يحجم عن عقاب من ضُبطوا بـ ‘التطبيع’.
وبلغ التناقض ذروته حينما تقرر في جو مصالحة في مؤتمر قمة بين رئيس وزراء اسرائيل ورئيس مصر وملك الاردن، تقرر نقل رسائل ايجابية عن طريق مقابلات صحفية مع وسائل الاعلام. وأجري لقاء صحفي لمبارك مع ‘يديعوت احرونوت’ ولشارون مع ‘الاهرام’. وعندما عاد مجري اللقاء الى القاهرة مع الشريط المسجل استدعوه أولا الى ‘محاكمة اعضاء’ في اتحاد الصحفيين وهددوا بطرده اذا لم يعتذر عن ‘الخطأ’.
وفي المغرب ايضا يحذرون من ‘التطبيع’، وقد هُرب دبلوماسي اسرائيلي من النافذة الخلفية في منتصف مؤتمر دولي خشية أن يغتالوه. وفي هذه الايام حقا يجري جدل ساخن في حكومة تونس: لأن وزراء يهددون بابعاد رفاقهم وهم الوزراء الذين تجرأوا على أن يقولوا إنهم يؤيدون دخول أصحاب جوازات سفر اسرائيليين لزيادة الايرادات من السياحة. والحجة كما هي دائما أنه لا يجوز التطبيع مع العدو ما لم تنشأ دولة فلسطينية.
كان البروفيسور محمد الدجاني من جامعة القدس الفلسطينية الضحية الاخير. ففي الشهر الماضي أخذ معه 27 طالبا جامعيا لزيارة معسكرات الابادة في بولندة. وكتب بتأثر كبير عن الجولة ونشر صورا من اوشفيتس واعلن أنه اذا حصل على تمويل فسيأخذ الى هناك مجموعات اخرى من الفلسطينيين من طلاب الثانويات والنساء الرائدات والمفكرين والصحفيين، وقد سمى ذلك ‘جولة دراسية’، وأصر على أنه يجب على الفلسطينيين أن يروا بأعينهم ثمن الفظاعة النازية. في نهاية الاسبوع الماضي وقعت على الدجاني موجة مفاجآت سوداء، فوسائل الاعلام الفلسطينية تنعته بأنه ‘خائن’ و’عميل’، وأعلن اتحاد محاضري الجامعات أنه يطرده بسبب ‘التطبيع’، وداهمت مجموعة من طلاب الجامعات مكاتب استاذ الجامعة فشغبت وحطمت وجعلت السكرتيرة تهرب وتركت رسائل تهديد للدجاني كي لا يخطر بباله أن يعود الى الحرم الجامعي. ولم يهب أبو مازن الذي خطب في رام الله خطبة التنديد بالكارثة لمساعدته.

يديعوت 11/5/2014

سمدار بيري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية