إعلام مصر يخسر رهان الديمقراطية والعراق يتخبط في صراع الطوائف

حجم الخط
10

تلوك القنوات التلفزيونية وقائع الثورات العربية التي تعيش مخاضا صعبا حينا وانحرافات خطيرة حينا آخر رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات منذ اندلاع أغلبها، كل حسب أهوائه واتجاه الخط التحريري للمؤسسة. ولعل الملف المصري أو الثورة المصرية عموما تتصدر اليوم الخطابات الإعلامية لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات وتتالي نسق الأحداث الأمنية والسياسية في بلاد الفراعنة.
ولعل برنامج ‘حديث الثورة’ الذي يقدمه الإعلامي الحبيب الغريبي على قناة ‘الجزيرة’ أحد البرامج التلفزية التي تتناول المسألة الديمقراطية في مصر. فقد تساءل عما إذا كانت الانتخابات هي المحدد الأبرز للديمقراطية أو أن هناك آليات ومسار وثقافة حتى تتحقق؟
وقد أثث هذا الحوار كل من رئيس تحرير صحيفة ‘العربي الجديد’ وائل قنديل، وعضو المؤتمر الشعبي الناصري عادل شرف، وفي اتصال عبر الأقمار الاصطناعية من اسطنبول القيادي في جماعة الإخوان المسلمين جمال حشمت، ومن مصر أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة، ومن واشنطن مدير الدفاع عن مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط كول باتينفيلد.
انطلاقة البرنامج كانت بتقرير حول المسار الأمني والسياسي لمصر بعد الثورة ولا سيما في ما يتعلق بالانتخابات والانقلاب الذي تم بمقتضاه عزل الإخوان عن الحكم ثم بدأ الحوار.
وقد حاول المقدم جاهدا أن يخرج من دائرة الأسئلة الموجهة وأن يجعل الحديث ذا مغزى ويناقش مسألة الديمقراطية بحيث تكون السؤال المحوري. ولكن ما ساد لم يكن إلا تراشقا للتهم بين الضيوف الذين انقسموا إلى جناحين الأول يساند الإخوان المسلمين والثاني يساند السيسي. فكان الحديث أبعد ما يكون عن الديمقراطية وربما أجاب مسار الحوار عن السؤال الذي طرحه المقدم منذ البداية، وهو أن الحديث عن الديمقراطية قد يكون من السهولة بمكان ولكن ممارستها تتطلب آليات فعلية، والأهم من ذلك أن تكون ثقافة مكتسبة.
وائل قنديل توجه إلى اعتبار أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ليست إلا ضحكا على الذقون في ظل غياب المعارضة الحقيقية، وأن الانقلاب أدخل مصر في بحور من الدماء، إلى جانب توجيه تهم جانبية للسيسي وجماعته دون أن يتم التركيز على السؤال الجوهري المطروح والمتعلق بالديمقراطية في مصر.
فيما ذهب عادل شرف إلى الدفاع عن الانتخابات والسيسي وإن كان بشكل غير مباشر. وذهب حسن نافعة إلى اعتبار أن التجربة المصرية بعد الثورة لم تكن إلا محاولات فاشلة في طريق الديمقراطية لينعرج بالحديث فيما بعد إلى استئثار الإخوان بالحكم مباشرة بعد أول انتخابات.
واتجه جمال حشمت للدفاع عن الإخوان واتهام عبد الفتاح السيسي بتهديد مسار الديمقراطية وسجن المعارضة وإعادة إرث الماضي.
أما باتينفيلد فقد اعتبر أن مصر ليست متجهة نحو الديمقراطية وان نتائج الانتخابات محسومة مسبقا في ظل غياب المعارضة، إلى جانب تهديد حرية التعبير وقمع الإعلام.

حال الاعلاميين وحال الشعب

والمتأمل لمجمل ما جاء على لسان الضيوف يفهم جيدا عبثية الحديث عن لعبة الديمقراطية في البلدان العربية عموما. حيث كانت حلقة الحوار عبارة عن نموذج مصغر لصورة ولقواعد الديمقراطية العربية التي تقوم على تجريد الذات من الأخطاء ورميها على الطرف المقابل.
كما أثبت تعاملهم مع الموضوع والأسئلة المطروحة أن قاعدة الديمقراطية غائبة تماما، وأنها ليست إلا محض أماني. أقول هذا لاعتبارات عديدة وسنبقى في النموذج المصري، فإذا كان أطراف الحوار على درجة عالية من المعرفة والثقافة، بل هناك أهل الصحافة والعلوم السياسية، ومع ذلك سقطوا في منزلق أثبت جهلهم بمتطلبات الديمقراطية. فكيف لشعب تعيش نسبة كبيرة جدا منه على حافة الأمية والجهل أن يقدر ويفهم آليات ومسار الديمقراطية؟
إنها مسؤولية السياسيين والنخبة التي لا بد لها التحلي أكثر بالوطنية والخروج من بوتقة الولاءات السياسية الجوفاء والتأسيس لثقافة الديمقراطية وتنشئة المجتمع عليها تدريجيا.
والخلاصة أن لا أحد سيقر وخاصة في الملف المصري بأن هذه العملية هي محدد الديمقراطية الأول، وبذلك تكون الإجابات بمثابة الإقرار الضمني بعبثية المشهد الانتخابي في مصر اليوم.

بقاء المالكي يهدد العراق

يبدو أن البحث عن الديمقراطية أصبح لعبة الاعلام اليوم والعنوان الأكبر لأجندات رجال السياسة العرب، والحلم المستحيل لشعوبهم. فما بين الصراع على الكراسي هنا، وصراع الطوائف هناك، وحرب الطاغية في هذه الضفة، وحرب الجهل في الضفة الأخرى تبقى الديمقراطية لفظا أعرجا يتأرجح في الفضاء، وإذا كانت لعبة الكراسي والجو الأمني المحتقن سببا أساسيا في استحالة التأسيس قصير أو متوسط المدى للديمقراطية في مصر، فإن صراع الطوائف يقف حاجزا دون ذلك في بلاد الرافدين. وقد كان لقاء رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي في برنامج ‘مقابلة خاصة’ الذي يقدمه الإعلامي ماجد حميد على قناة ‘العربية’ ترجمانا لحقيقة الوضع العراقي المحتقن.
فمنذ سقوط بغداد وإعدام الرئيس السابق صدام حسين سنة 2003 ظن الكثيرون أن بلاد الرافدين تسير نحو حقبة من الأمن والحريات والاستقرار. والحقيقة أنها انساقت إلى موجة من التقتيل والدماء لم تنته، وتحول طموح الديمقراطية في المشهد الرافدي إلى مسرحية ضاحكة.
دعنا نقف عند حوار رئيس البرلمان العراقي الذي أقر أن تشكيل الحكومة سيتطلب الكثير من الوقت في ظل غياب التوافق الطائفي ورغبة كل طرف الاستئثار بالحكم. ولعل هذا الإقرار يؤكد من جديد تواصل سيناريو الصراعات الطائفية التي يسيرها ويديرها رجال السياسة ويدفع ثمنها الشعب الذي لم يدرك بعد أن العراق وطن يتسع لكل أبنائه. كما أقر أنه في حال حصول المالكي على ولاية ثالثة فإن ذلك سيكون بمثابة إعادة إنتاج لحقبة التقتيل، وسببا لاندلاع حرب أهلية قد تهدد أمن البلاد حقا.
وقد علل ذلك بكون المالكي قد اخترق الدستور والنصوص القانونية، مع عدم حكمته في التعامل مع ملف الأنبار بقصفه للمدنيين دون تمييز باسم الإرهاب، مما حمل العشائر إلى التمرد ضد الحكومة لشعورها بالظلم. هذا إلى جانب منع المالكي للبرلمانيين بالقوة التوجه إلى الأنبار تحت ذريعة توتر الوضع هناك.
هذا إلى جانب عدم خضوع الحكومة لمسائلة البرلمان على أخطائها، والتدخل في عمل القضاة، واعتقال المعارضة على حد قوله.
وليس من باب مساندة ما ذهب إليه رئيس البرلمان العراقي ولكن بالعودة إلى حقيقة الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي في بلاد الرافدين نتبين فشل حكومة المالكي في إحداث التغيير في العراق.

*كاتبة واعلامية من تونس

فاطمة البدري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    بعد التحيه با استاذه فاطمه أقولك أن الديمقراطيه هي أولا فكر
    أي مابين الرأي والرأي الآخر وهنا يكون الدور على الصندوق لحسم الرأي المناسب
    وبدون اعتراف بالصندوق تكون هناك حروب ومثال ذلك في الجزائر بالتسعينات

    اما اذا كان هناك تزوير بالصندوق تكون ثورات مثل ثورة مصر 2011

    أخاف الأن ان يعاد سناريو الجزائر بمصر

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول سامح // الامارات:

    * ما يحدث في ( مصر ) هو بمثابة ( الخطوة الأولى ) في مشوار
    الألف ميل (للديموقراطية ) .
    * الديموقراطية ثقافة مجتمع ؟؟؟
    المجتمع ( العربي ) بالمجمل لم يهضمها بعض وأشك أنه قادر أو يريدها !!!؟
    شكرا والشكر موصول للأخت الكاتبة .

  3. يقول الشربيني المهندس:

    إذا كان أطراف الحوار على درجة عالية من المعرفة والثقافة، بل هناك أهل الصحافة والعلوم السياسية، ومع ذلك سقطوا في منزلق أثبت جهلهم بمتطلبات الديمقراطية. فكيف لشعب تعيش نسبة كبيرة جدا منه على حافة الأمية والجهل أن يقدر ويفهم آليات ومسار الديمقراطية؟ تلك هي المأساة يا استاذة حتي في تونس والجزائر .. الانفصال بين الاعلام والقاعدة الشعبية والتي تعرف ان طنطة الفضائيات لن تسدد عنها فاتورة الكهرباء ولن تحسن ظروف المعيشة او تخلق فرص العمل .. من نعمة اللـه علي شعوبنا نعمة البصيرة وتجاهل السفسطة للنخبة الموظفة باجندات خاصة

  4. يقول الكروي داود النرويج:

    اسمح لي ان اخالفك في رأيك ياأخ سامح
    ان مايحدث في مصر الأن هو الخطوة الأولى في مشوار اللا ديمقراطيه
    هل حجب كثير من وسائل الاعلام ديمقراطيه
    هل قمع المظاهرات ديمقراطيه
    هل قتل وسحل وسجن المعارضين ديمقراطيه

    أنا وكثير مثلي لا يرى أي خطوة للديمقراطيه بمصر الأن
    انها بكل بساطه الرجعيه أي الرجوع للخلف
    مع تمنياتي لمصر وشعبها ان يتجاوزوا هذه المحنه بتكاتفهم وتراحمهم
    مع بعضهم البعض حتى ترجع لنا مصر الشموخ والاباء

    واخيرا ارجوا ان لا يفسد مااختلفنا عليه الود بيننا
    وشكرا لجريدة الرأي والرأي المخالف

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  5. يقول عبدالله عايض القرني:

    ان ما يدور في اروقة الانتخابات المصرية والعربية ، اشبه بسيل جارف سيحرف من يقف امامه ، او نار حارقة تلتهم كل شيء امامها ، هذه تكهنات واستنتاجات العرافين السياسييين ومن لهم باع في دهاليس السياسة ، وبنوا احاسيسهم على ما يرونه في الانتخابات العربية ، وما تؤول اليه في النتائج الغير مقنعة ، والملبسة بأكليل وردي وتجميل ومعرفة المرشح قبل ان يدلى بالاصوات ، فهذا كله يهون في سبيل كفاءة المرشح وقدرته على الامساك بزمام الامور، وتوفير العيش للشعب ، واسعاده ، فقد طفح الكيل بالشعوب وملت ان تعيش على بقايا الوعود التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، تريد الشعوب مرشحين يملائون الكراسي قولا وفعلا ، وترتقي الشعوب بحكامها وتتغير السياسات اليتمة والفقيرة ، والهزيلة ، ونتعلم مما يدورفي الدول الاخرى ونأخذ السمين ونترك الهث ، وهذا كله ليس ببعيد ، فليخلصوا النية لله .

    1. يقول كمال التونسي:

      شكرا أستاذتي الكريمة ودمتي ذخرا لتونس الأم التي تجمعنا جميعا والسلام

  6. يقول سامح // الامارات:

    للأخ ( الكروي ) .
    * يا طيب نحن نتكلم عن ( الديموقراطية ) وحرية ( الرأي )
    و( الرأي الآخر ) وهذا لا يفسد الود ( إن شاء الله ) .
    * وقناعتي الشخصية : ـ
    1 ـ الديموقراطية ع الطريقة ( الغربية ) لا تصلح لنا .
    2 ـ أفضل شيء لنا الحكم ( بالإسلام الوسطي ) البعيد عن التطرف والغلو .
    شكرا .

    1. يقول عبد الكريم البيضاوي. السويد:

      هناك ديمقراطية واحدة وهناك ديكتاتورية واحدة ( قد يحصل تأقلم مع بعض الخصوصيات).

      ليس هناك وجود لديموقرطية شرقية وأخرى غربية. إما ديمقراطية كاملة أو لا , قد يكون هناك بعض الإنفتاح السياسي لدى بعض الأنظمة ( ولاتسمى ديمقراطية ), قد يسمونها( العمل على إرساء قواعد الديمقراطية) وهي بالطبع محاولة لاغير.

      ديمقراطية إسلامية؟ ليس لها وجود, لسبب بسيط , الديمقراطية سمتها المجادلة والإقناع وهذا لاتسمح به الأديان.

  7. يقول algeria -azza:

    انا لست اسلامي ولست من مؤيدي المشروع لعدة اعتبارات ليس المجال لذكرها ولكن الانقلاب على من يريد هذا المشروع ليس الا وجه من اوجه الفساد السياسي والديكتاتورية. لست مقتنعا بتاتا بما حدث في مصر من الانقلاب على رئيس منتخب. انتظروا الصندوق وغيروا او اتركوا الملايين الاخرى تخرج لتعبر عن رفضها اذا قلتم الشعب خرج وهو من غير. كلام لا يدخل العقل. ثم ان ما قام به العسكر المصري افسد التغيير في البلاد العربية الاخرى .

  8. يقول أ.د خالد فهمي - تورونتو - كندا:

    شكراً للاستاذة الاعلامية فاطمة على مقالها الجيد وبالذات التحليل الخاص بالانتخابات العراقية الاخيرة ووجهات نظر النجيفي حول مستقبل العراق. في كل الاحوال فأنني أعتقد أن بلاد العرب التي حدث فيها ” التغيير ” وأولها العراق قبل 11 عام خلت تشترك في الاتي:

    1) قاطرة الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والتداول السلمي للسلطة قد غادرة المحطة الى مستقبل افضل للشعوب ولا عودة الى الوراء.

    2) بعد أن ولّت حكومات الاستبداد والطغيان ومصادرة الحريات لشعوبها جاء زمن الحريات الحقيقية ولكن يحتاج هذا الى ثقافة جديدة ستستغرق زمناً طويلاً…لربما جيل أو جيلين متعاقبين و متواصلين أي حوالي 60 عاماً.

    3) بعد أن تنضج الديمقراطيات العربية ” الجديدة ” بالامكان أن تكوّن تكّتلات أقتصادية لتعزيز وتنمية الانتاجات الوطنية أعتماداً على الثروات الطبيعية المحلية والبينية وبالتالي التعامل مع مثيلاتها الدولية مثل أتحاد جنوب شرق أسيا أو الاتحاد الاوروبيي

إشترك في قائمتنا البريدية