بين “جيرمي ثورب” و”جيرمي كوربن”: مؤامرات إنكليزيّة بامتياز

حجم الخط
0

المراقب‭ ‬للأجواء‭ ‬السياسيّة‭ ‬البريطانيّة‭ ‬هذا‭ ‬الصيف‭ ‬سيجد،‭ ‬دون‭ ‬كبير‭ ‬عناء‭ ‬أن‭ ‬الدّولة‭ ‬البريطانية‭ ‬العميقة‭ ‬وكأنّها‭ ‬قد‭ ‬اتخذت‭ ‬قراراً‭ ‬لا‭ ‬رجعة‭ ‬فيه‭ ‬بمنع‭ ‬جيريمي‭ ‬كوربن‭ ‬الزعيم‭ ‬اليساري‭ ‬لحزب‭ ‬العمّال‭ ‬البريطاني‭ ‬ذي‭ ‬الشعبيّة‭ ‬المنقطعة‭ ‬النظير‭ ‬من‭ ‬تولي‭ ‬منصب‭ ‬رئاسة‭ ‬وزراء‭ ‬البلاد،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬الثمن،‭ ‬وهو‭ ‬لذلك‭ ‬يتعرّض‭ ‬لحملة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬من‭ ‬الاتهامات‭ ‬بمعاداة‭ ‬السّاميّة‭ ‬والعداء‭ ‬لليهود‭ ‬تشاركت‭ ‬فيها‭ ‬قطاعات‭ ‬عدّة‭ ‬ليس‭ ‬أقّلها‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬والسفارة‭ ‬الإسرائيليّة‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬بل‭ ‬وقائمة‭ ‬طويلة‭ ‬تبدأ‭ ‬بالصحافة‭ ‬البريطانيّة‭ ‬الرئيسة‭ – ‬التي‭ ‬يهيمن‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬عناوينها‭ ‬الرأسمالي‭ – ‬اليهودي‭ – ‬روبرت‭ ‬مردوخ،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الصحف‭ ‬والمنظمات‭ ‬اليهوديّة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬ولا‭ ‬تنتهي‭ ‬بالجناح‭ ‬اليميني‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬العمّال،‭ ‬الذي‭ ‬يتجمع‭ ‬فيه‭ ‬أنصار‭ ‬إسرائيل‭ ‬مع‭ ‬الموالين‭ ‬لتوني‭ ‬بلير‭ – ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني‭ ‬السابق‭ ‬الشهير‭ ‬لدوره‭ ‬في‭ ‬التحالف‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لإسقاط‭ ‬العراق،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الشرطة‭ ‬البريطانيّة‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬مزمن‭ ‬في‭ ‬الكوادر‭ ‬وفشل‭ ‬متراكم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مشاكل‭ ‬تفشي‭ ‬الجريمة‭ ‬وسيطرة‭ ‬عصابات‭ ‬المخدرات‭ ‬على‭ ‬ليل‭ ‬المناطق‭ ‬السكنيّة‭ ‬داخل‭ ‬المدن‭ ‬الإنكليزيّة‭ ‬الكبرى،‭ ‬لا‭ ‬سيّما‭ ‬العاصمة‭ ‬لندن،‭ ‬لتقول‭ ‬إنها‭ ‬تعتزم‭ ‬التحقيق‭ ‬الآن‭ ‬بشأن‭ ‬مواقف‭ ‬معادية‭ ‬للساميّة‭ ‬داخل‭ ‬حزب‭ ‬العمّال‭ ‬المعارض،‭ ‬كما‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانيّة‭ ‬التي‭ ‬رفضت‭ ‬طلباً‭ ‬شعبيّاً‭ ‬وجه‭ ‬للبرلمان‭ ‬لفتح‭ ‬تحقيق‭ ‬في‭ ‬تدخلات‭ ‬السفارة‭ ‬الإسرائيليّة‭ ‬بشؤون‭ ‬حزبيّة‭ ‬بريطانية،‭ ‬معتبرة‭ ‬أن‭ ‬حادثة‭ ‬تصوير‭ ‬أحد‭ ‬دبلوماسيي‭ ‬السفارة‭ ‬وهو‭ ‬يعرض‭ ‬رشوة‭ ‬طائلة‭ ‬على‭ ‬ناشطين‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬لضمان‭ ‬مشاركتهم‭ ‬في‭ ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬كوربن‭ ‬هو‭ ‬حادث‭ ‬معزول‭ ‬ولا‭ ‬يعكس‭ ‬سياسة‭ ‬رسميّة‭ ‬للحكومة‭ ‬الإسرائيليّة‭ (‬الصديقة‭). ‬ولمزيد‭ ‬من‭ ‬الإثارة‭ ‬فإن‭ ‬الإعلام‭ ‬البريطاني‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬مدير‭ ‬المخابرات‭ ‬البريطانيّة‭ ‬استدعى‭ ‬الزعيم‭ ‬كوربن‭ ‬إلى‭ ‬مكتبه‭ ‬ليسمعه‭ ‬درساً‭ ‬أخلاقيّاً‭ ‬عن‭ ‬خطورة‭ ‬مسألة‭ ‬العداء‭ ‬للساميّة‭!‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬يبدو‭ ‬أقرب‭ ‬ليكون‭ ‬سرد‭ ‬أحداث‭ ‬سيناريو‭ ‬فيلم‭ ‬خيالي‭ ‬على‭ ‬نسق‭ ‬العمل‭ ‬الدرامي‭ ‬الشهير‭ (‬انقلاب‭ ‬بريطاني‭ ‬بامتياز‭ ‬‭ ‬1988‭) ‬عندما‭ ‬تتصدى‭ ‬مراكز‭ ‬النفوذ‭ ‬البريطانيّة‭ ‬لرئيس‭ ‬وزراء‭ ‬يساري‭ ‬منتخب‭ ‬أراد‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬تحالفات‭ ‬بريطانيا‭ ‬السياسيّة‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭ ‬فتتآمر‭ ‬لإسقاطه‭. ‬بل‭ ‬وسيذهب‭ ‬الكثيرون‭ ‬من‭ ‬مسطحي‭ ‬التفكير‭ ‬للعودة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬مقطوعة‭ ‬نظريّات‭ ‬المؤامرة‭ ‬وأن‭ ‬تصّور‭ ‬تحالف‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الجهات‭ ‬معاً‭ ‬في‭ ‬جهد‭ ‬منظم‭ ‬ضد‭ ‬كوربن‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬شطحات‭ ‬خيال‭ ‬إجرامي‭ ‬يهرب‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬إلى‭ ‬رواية‭ ‬مفتعلة‭ ‬تسهّل‭ ‬على‭ ‬صاحبها‭ ‬استيعاب‭ ‬تعاقب‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬شديد‭ ‬التعقيد‭. ‬

إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هذي‭ ‬مؤامرة‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬المؤامرة؟

ربّما‭ ‬لا‭ ‬يُدار‭ ‬العالم‭ ‬بملعقة‭ ‬حفنة‭ ‬من‭ ‬الأثرياء‭ ‬المشبوهين‭ ‬الذين‭ ‬يجتمعون‭ ‬ليلاً‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬القصور‭ ‬المعزولة‭ ‬لتقرير‭ ‬مصائر‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب،‭ ‬لكن‭ ‬التحالفات‭ ‬التي‭ ‬تبرم‭ ‬وراء‭ ‬الكواليس‭ ‬في‭ ‬بطن‭ ‬الليل‭ ‬بين‭ ‬مجموعات‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة‭ – ‬لا‭ ‬سيّما‭ ‬داخل‭ ‬مدينة‭ ‬لندن‭ ‬تحديداً‭ – ‬بغرض‭ ‬تنسيق‭ ‬المواقف‭ ‬تجاه‭ ‬أي‭ ‬تهديد‭ ‬حقيقي‭ ‬لهيمنة‭ ‬الفئة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكاره‭ ‬بأي‭ ‬شكل،‭ ‬سواء‭ ‬اتفقنا‭ ‬على‭ ‬وصف‭ ‬تلك‭ ‬التحالفات‭ ‬بالمؤامرات‭ ‬أم‭ ‬بغيرها‭. ‬

ولعل‭ ‬الفضيحة‭ ‬التي‭ ‬تفجرت‭ ‬نهاية‭ ‬عقد‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ – ‬المستمرة‭ ‬الفصول‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ – ‬واشتهرت‭ ‬باسم‭ ‬السياسي‭ ‬البريطاني‭ ‬‮«‬جيريمي‭ ‬ثورب‮»‬‭ ‬تكون‭ ‬أكبر‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إليه‭ ‬الدّولة‭ ‬البريطانيّة‭ ‬العميقة‭ ‬بسعيها‭ ‬لحماية‭ ‬مصالح‭ ‬الفئة‭ ‬الحاكمة،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث،‭ ‬ودون‭ ‬أدنى‭ ‬احترام‭ ‬لمظاهر‭ ‬الديمقراطيّة‭ ‬أو‭ ‬لحكم‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬يطبّق‭ ‬بشكل‭ ‬استنسابي‭ ‬لا‭ ‬أكثر‭. ‬

عن‭ ‬‮«‬جيريمي‭ ‬ثورب‮»‬‭  ‬أم‭ ‬الفضائح‭ ‬البريطانيّة

‭ ‬

الذين‭ ‬لم‭ ‬يسمعوا‭ ‬بفضيحة‭ ‬‮«‬جريمي‭ ‬ثورب‮»‬‭ ‬قبل‭ ‬اليوم،‭ ‬أتيحت‭ ‬لهم‭ ‬فرصة‭ ‬عظيمة‭ ‬لبناء‭ ‬تصور‭ ‬أوضح‭ ‬عن‭ ‬آليات‭ ‬الهيمنة‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬البريطاني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفيلم‭ ‬التلفزيوني‭ ‬الوثائقي‭ ‬‮«‬فضيحة‭ ‬جيريمي‭ ‬ثورب‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أنتجه‭ ‬الصحافي‭ ‬التلفزيوني‭ ‬المخضرم‭ ‬توم‭ ‬مانجولد‭ ‬وعرض‭ ‬على‭ ‬تلفزيون‭ ‬‮«‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‮»‬‭  ‬مؤخراً‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬عرض‭ ‬المُسلسل‭ ‬الدرامي‭ ‬الجديد‭ ‬القصير‭ ‬‮«‬إنقلاب‭ ‬إنكليزي‭ ‬بامتياز‭ …‬‮»‬‭ ‬والذي‭ ‬يحكي‭ ‬قصة‭ ‬تلك‭ ‬الفضيحة‭ ‬وقام‭ ‬بدور‭ ‬البطولة‭ ‬فيه‭ ‬باقتدار‭ ‬الممثل‭ ‬المعروف‭ ‬هيو‭ ‬غرانت‭. ‬

ثورب‭ (‬1929-‭ ‬2014‭) ‬كان‭ ‬سياسياً‭ ‬بريطانياً‭ ‬لامعاً‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الستينيات‭ – ‬السبعينيّات،‭ ‬ونجح‭ ‬وقتها‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬البرلمان‭ ‬ممثلاً‭ ‬عن‭ ‬حزب‭ ‬الليبراليين‭ ‬الأحرار،‭ ‬ورشحه‭ ‬الكثيرون‭ ‬لتولي‭ ‬منصب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بالنيابة‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬تحالف‭ ‬مع‭ ‬حزب‭ ‬المحافظين‭ ‬حينذاك‭. ‬

ولأنه‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬منتسبي‭ ‬الناّدي‭ ‬الافتراضي‭ ‬الذي‭ ‬يأتي‭ ‬منه‭ ‬سياسيو‭ ‬بريطانيا‭ ‬الكبار‭ (‬خريجو‭ ‬مدرسة‭ ‬إيتون‭ ‬الخاصة‭ ‬وجامعة‭ ‬أكسفورد‭) ‬ومتزوجا‭ ‬من‭ ‬سيّدة‭ ‬ارستقراطيّة‭ ‬كانت‭ ‬طليقة‭ ‬ابن‭ ‬عم‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث،‭ ‬فإن‭ ‬الدّولة‭ ‬البريطانيّة‭ ‬العميقة‭ ‬وباستخدام‭ ‬أدواتها‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬وقضاء‭ ‬وشرطة‭ ‬عملت‭ ‬بشكل‭ ‬حاسم‭ ‬على‭ ‬حمايته‭ ‬من‭ ‬فضيحة‭ ‬تورطه‭ ‬بمحاولة‭ ‬لقتل‭ ‬نورمان‭ ‬سكوت‭ – ‬عشيقه‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬مثليّة‭ ‬آثمة‭ – ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬هدد‭ ‬الأخير‭ ‬بفضحه‭ ‬على‭ ‬الملأ‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كان‭ ‬موضوع‭ ‬المثليّة‭ ‬الجنسيّة‭ ‬تابوها‭ ‬محرماً‭ ‬يعاقب‭ ‬عليه‭ ‬القانون‭. ‬تفاصيل‭ ‬تلك‭ ‬الجهود‭ ‬لحماية‭ ‬ثورب‭ – ‬والموثقة‭ ‬الآن‭ – ‬مثيرة‭ ‬للدهشة‭ ‬في‭ ‬تشابكاتها‭ ‬وتوسعها‭ ‬واستمرارها‭ ‬عبر‭ ‬العقود‭ ‬وانعدام‭ ‬الخجل‭ ‬لدى‭ ‬الأطراف‭ ‬المتآمرة‭. ‬

سكوت‭ ‬كان‭ ‬لجأ‭ ‬أول‭ ‬الأمر‭ ‬بالشكوى‭ ‬إلى‭ ‬قيادة‭ ‬حزب‭ ‬الليبراليين‭ ‬الأحرار،‭ ‬لكن‭ ‬تحقيق‭ ‬الحزب‭ ‬أدانه‭ ‬هو‭ ‬بوصفه‭ ‬مريضاً‭ ‬نفسيّاً‭ ‬تجرأ‭ ‬على‭ ‬نسج‭ ‬أوهام‭ ‬بشأن‭ ‬سياسي‭ ‬مرموق‭ ‬ومحترم‭ ‬لأغراض‭ ‬الابتزاز‭. ‬

بينما‭ ‬قالت‭ ‬الشّرطة‭ ‬إن‭ ‬الرّسائل‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬ثورب‭ ‬يرسلها‭ ‬لعشيقه‭ ‬وأصبحت‭ ‬بحوزتها‭ ‬لا‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬شىء‭ ‬محدد‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن‭ ‬وأكدت‭ ‬لقيادة‭ ‬الحزب‭ ‬وقتها‭ ‬أن‭ ‬ثورب‭ ‬ليس‭ ‬موضوعاً‭ ‬للتحقيق‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭. ‬

ولما‭ ‬وصلت‭ ‬المسالة‭ ‬للقضاء‭ ‬خالف‭ ‬القاضي‭ ‬بيتر‭ ‬كوك‭ ‬رأي‭ ‬هيئة‭ ‬المحلفين‭ ‬فبرّأ‭ ‬ثورب‭ ‬من‭ ‬تهمة‭ ‬التآمر‭ ‬للقتل‭ ‬وأطلق‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الألفاظ‭ ‬المقذعة‭ ‬بحق‭ ‬سكوت‭. ‬وادعت‭ ‬الشرطة‭ ‬أن‭ ‬القاتل‭ ‬المستأجر‭ ‬الذي‭ ‬زعم‭ ‬سكوت‭ ‬أنّه‭ ‬حاول‭ ‬قتله‭ ‬قد‭ ‬توفي‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ (‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كشف‭ ‬عن‭ ‬كذبه‭ ‬لاحقاً‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬الرّجل‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬حيّاً‭ ‬يرزق‭)‬،‭ ‬بينما‭ ‬اختفت‭ ‬من‭ ‬ملفات‭ ‬الشرطة‭ ‬وبشكل‭ ‬غامض‭ ‬أوراق‭ ‬اعتراف‭ ‬قاتل‭ ‬مستأجر‭ ‬آخر‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬ثورب‭ ‬عرض‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬ما‭ ‬ثروة‭ ‬صغيرة‭ ‬إن‭ ‬هو‭ ‬تخلّص‭ ‬من‭ ‬سكوت‭. ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬أعيد‭ ‬فتح‭ ‬التحقيق‭ ‬مرّة‭ ‬أخرى‭ ‬عام2015‭ ‬بعد‭ ‬تكاثر‭ ‬الإشارات‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬دلائل‭ ‬تكفي‭ ‬لإدانة‭ ‬ثورب،‭ ‬أغلقت‭ ‬الشرطة‭ ‬التحقيق‭ ‬بعد‭ ‬سنتين‭ ‬لعدم‭ ‬كفاية‭ ‬الأدلّة‭.‬

الإعلام‭ ‬مُستقيلاً‭ ‬من‭ ‬مهمته

‭ ‬الفيلم‭ ‬التلفزيوني‭ ‬الوثائقي‭ ‬‮«‬فضيحة‭ ‬جيريمي‭ ‬ثورب‮»‬‭ ‬له‭ ‬حكاية‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭. ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬منتجه‭ ‬مانجولد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬حينها‭ ‬موظفاً‭ ‬في‭ ‬‮«‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‮»‬‭ ‬أعد‭ ‬مادة‭ ‬استقصائيّة‭ ‬متكاملة‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬الفضيحة‭ ‬ليقدمها‭ ‬ضمن‭ ‬برنامج‭ ‬بانوراما‭ ‬الذائع‭ ‬الصيت،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتدخل‭ ‬المدير‭ ‬التنفيذي‭ ‬لمجموعة‭ ‬‮«‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‮»‬‭  ‬ويصدر‭ ‬تعليمات‭ ‬مشددة‭ ‬بوقف‭ ‬عرض‭ ‬تلك‭ ‬التحقيقات‭ ‬والاتلاف‭ ‬الفوري‭ ‬والنهائي‭ ‬لكل‭ ‬النسخ‭ ‬المتوفرة‭ ‬منها‭. ‬

ولحسن‭ ‬الحظ‭ ‬أن‭ ‬مانجولد‭ ‬وقتها‭ ‬أحس‭ ‬بالصدمة‭ ‬وتمكن‭ ‬من‭ ‬تهريب‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬حلقة‭ ‬بانوراما‭ ‬تلك‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬أصبحت‭ ‬مادتها‭ ‬الأرشيفيّة‭ ‬لاحقاً‭ ‬أساس‭ ‬الوثائقي‭ ‬الجديد‭. ‬

هنا‭ ‬لندن‭: ‬المؤامرات

بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬أيّ‭ ‬تفاصيل،‭ ‬فإن‭ ‬قصة‭ ‬ثورب‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬سذاجة‭ ‬المتفائلين‭ ‬الذين‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬زعيماً‭ ‬يساريّاً‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬تقليل‭ ‬امتيازات‭ ‬الطبقة‭ ‬الفاحشة‭ ‬الثراء‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬لمصلحة‭ ‬الأكثريّة‭ ‬الفقيرة،‭ ‬ويعارض‭ ‬سياسات‭ ‬الإمبرياليّة‭ ‬الأمريكيّة،‭ ‬ويناصر‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬العدوان‭ ‬العنصري‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المستمر‭ ‬عليهم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬يوماً‭ ‬بتولي‭ ‬مقاليد‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭. ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬فاز‭ ‬كوربن‭ ‬بالأكثريّة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬انتخابات‭ ‬مقبلة‭ – ‬وهو‭ ‬احتمال‭ ‬صار‭ ‬غالباً‭ – ‬فلا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعتمر‭ ‬الوهم‭ ‬ذهن‭ ‬أحد‭ ‬بأن‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬لديها‭ ‬خيارات‭ ‬كثيرة‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬لمنع‭ ‬تسلم‭ ‬كوربن‭ ‬المنصب‭ ‬التنفيذي‭ ‬الأرفع‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬امتناع‭ ‬الملكة‭ ‬عن‭ ‬تسميته‭ ‬بحجة‭ ‬تورطه‭ ‬في‭ ‬تهم‭ ‬مفبركة‭ ‬على‭ ‬نسق‭ ‬العداء‭ ‬للساميّة،‭ ‬وانتهاء‭ ‬بانقلاب‭ ‬عسكريّ‭ ‬تباركه‭ ‬الملكة‭ ‬وينقل‭ ‬مقاليد‭ ‬السلطة‭ ‬إلى‭ ‬قادة‭ ‬الجيش‭ ‬تجنباً‭ ‬لفوضى‭ ‬مزعومة‭ ‬سيجلبها‭ ‬كوربن‭ ‬بسياساته‭ ‬الداخليّة‭ ‬وخياراته‭ ‬الخارجيّة‭. ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تك‭ ‬تلك‭ ‬بمؤامرة،‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬المؤامرات‭ ‬بحق‭ ‬الإله؟‭ ‬

كاتبة‭ ‬وإعلامية‭ ‬لبنانية‭ ‬بريطانية

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية