الانتخابات السويدية.. توازن دقيق بين كتلتين قد يرجّح اليمين كفة إحداهما

حجم الخط
0

“القدس العربي”: انتهت الانتخابات العامة في السويد بعد حملات انتخابية حامية استُخدمت فيها كلّ الوسائل الديمقراطية، وغير الديمقراطية أحياناً. وقد شهدت الأيام الأخيرة التي سبقت يوم الانتخابات مناظرات حامية ومتتالية بين قادة الأحزاب حاول فيها كل قائد حزبي كسب الرأي العام إلى جانب حزبه عبر طرح المسائل الأشد أهمية بالنسبة للناخب السويدي، مثل الضرائب والخدمات الصحية وسياسة الهجرة التي حظيت بالنصيب الأوفر من النقاش في المناظرات وفي الإعلام على حدّ سواء.

حظي ملف سياسة الهجرة في السويد بالنصيب الأوفر من النقاشات الإعلامية والمناظرات التي سبقت الانتخابات

وفي الانتخابات العامّة التي تجري كل أربع سنوات ينتخب المواطنون والمقيمون نواب البرلمان (الريكسداغ) ومجالس قيادة المحافظات ومجالس قيادة البلديات، بالإضافة إلى انتخاب النواب السويديين في البرلمان الأوروبي في ربيع العام 2019. وتجري الانتخابات باعتماد القوائم الحزبية وعلى أساس النسبية إذ يتحدّد عدد المقاعد التي يحصل عليها كل حزب بحسب نسبة الأصوات التي يحصل عليها الحزب. ولكي يتمكن أي حزب سياسي من الدخول إلى البرلمان ينبغي أن يحصل على نسبة 4 في المئة من الأصوات في عموم البلاد. أما المشاركة في مجلس المحافظة فتتطلب أن يحصل الحزب على نسبة 3 في المئة من الأصوات في المحافظة. وتجدر الإشارة إلى أن النتيجة التي أسفرت عنها الانتخابات لم تؤدّ إلى دخول إلى حزب جديد أو خروج أي من الأحزاب الثمانية الموجودة حالياً في البرلمان.

انتهت الانتخابات إذاً إلى تعادل يكاد يكون تاماً بين كتلة الإئتلاف الحاكم الذي يضم 3 أحزاب هي الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بقيادة رئيس الوزراء ستيفان لوفين، وحزبيّ البيئة واليسار من جهة، وكتلة التحالف البرجوازي المعارض الذي يضم أربعة أحزاب هي حزب المحافظين الجدد وحزب الليبراليين وحزب الوسط والحزب المسيحي الديمقراطي من جهة أخرى. وبين الكتلتين حقق حزب ديمقراطيو السويد اليميني ذو الجذور النازية نجاحاً بارزاً إذ أصبح عدد نوابه في البرلمان 62 نائباً، أي بزيادة 13 نائباً عن الدورة السابقة. وفي ظل هذا التوازن بين الكتلتين الأساسيتين يقف حزب ديمقراطيو السويد في الوسط بين الكتلتين، حيث ترفض جميع الأحزاب، حتى الآن على الأقل، أن تمدّ له يد التعاون، على الرغم من الدعوة التي وجهها زعيمه يمي أوكيسون إلى حزب المحافظين الجدد بقيادة أولف كريسترشون من أجل التعاون في تشكيل حكومة جديدة.

حقق حزب ديمقراطيو السويد اليميني ذو الجذور النازية نجاحاً بارزاً إذ أصبح عدد نوابه في البرلمان 62 نائباً، أي بزيادة 13 نائباً عن الدورة السابقة

رئيس الوزراء السويدي، زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي تعرض لهجمات عنيفة من قادة أحزاب المعارضة خلال المناظرات، مما اضطره في غالب الأحيان إلى اتخاذ موقف الدفاع عن سياسات حكومته التي قادت البلاد خلال السنوات الأربع المنصرمة ضمن ظروف بالغة الخطورة والتعقيد على المستويين الدولي والمحلي. محلياً، وخلال الأشهر التي سبقت موعد الانتخابات، اندلعت في طول البلاد وعرضها موجات من العنف والتخريب الذي بلغ مستويات غير مسبوقة، مثل حرق نحو 88 سيارة في ليلة واحدة في مناطق غرب السويد مثل يوتيبوري وتروليهاتان تلاها حرق أعداد مختلفة من السيارات في مناطق أخرى في ما بدا أشبه بالحملة المنظمة التي تهدف إلى التأثير في مزاج الرأي العام في ما يتعلق بانفلات الأمن وانتشار الجريمة في ضواحي العديد من المدن الكبرى. وقد سبق موجة حرق السيارات اندلاع موجة من العنف وإطلاق النار، كما حدث في شارع الملكة في مالمو في شهر يونيو/حزيران الماضي حيث سقط ثلاثة قتلى وعدد من الجرحى في إطلاق نار خارج أحد مقاهي الإنترنت. وفي شهر يوليو/تموز الماضي تحوّل وسط مدينة هلسنبوري إلى ما يشبه ساحة حرب حيث سقط العديد من الأشخاص في أطلاق نار أدى إلى إغلاق وسط المدينة لبعض الوقت.

خلال الأشهر التي سبقت موعد الانتخابات، اندلعت موجات عنف وتخريب بمستويات غير مسبوقة في ما بدا أشبه بالحملة المنظمة التي تهدف إلى التأثير في مزاج الرأي العام

استخدمت المعارضة إذاً قضايا اللاجئين، والمهاجرين عموماً، والعنف وتراجع مستوى الخدمات الصحية للنيل من التحالف الحاكم ومن الحزب الاشتراكي الديمقراطي خاصة فنجحت في ذلك إلى حدّ ما حيث حصل الحزب على أدنى نتيجة له منذ نحو مئة عام.

بعد ظهور النتائج الأولية للانتخابات بدأت على الفور المساعي لتشكيل حكومة جديدة حيث سارع رئيس الوزراء ستيفان لوفين إلى الإعلان عن عزمه على الاستمرار في منصبه داعياً إلى محادثات تتجاوز الانقسام الحالي والعمل على تشكيل حكومة عابرة للكتلتين، وهو يميل في ذلك إلى التخلص من التحالف مع حزب اليسار ساعياً إلى التعاون مع بعض أحزاب المعارضة، وربما بالتحديد مع حزبي الوسط والليبراليين. لكن أحزاب المعارضة تبدو حتى الآن متماسكة إذ دعت لوفين إلى الاستقالة قائلة إنها هي من سيشكل الحكومة الجديدة. وإذا أصر الطرفان على موقفيهما فسيكون القول الفصل بينهما بعد أسبوعين حين تنعقد الجلسة الأولى للبرلمان (الريكسداغ) في 24 سبتمبر/أيلول إذ سيتباحث رئيس البرلمان، الذي سيكون عادة من الكتلة الحزبية الأكبر، مع الكتل النيابية حول الشخص الأقدر على تأليف الحكومة الجديدة.

المفاوضات جارية من دون توقف والاحتمالات كثيرة لكن أبرزها اثنان: إما أن ينجح رئيس الوزراء الحالي ستيفان لوفين في إنشاء تحالف عابر للكتلتين التقليديتين يمكّنه من تشكيل حكومة جديدة، أو أن يتخلى  أولف كريسترشون زعيم حزب المحافظين الجدد عن ممانعته للتعاون مع حزب ديمقراطيو السويد بزعامة يمي أوكيسون فيتحالف الحزبان اللذان احتلا المركزين الثاني والثالث في نتائج الانتخابات فيشكلان الحكومة الجديدة، ربما بالتعاون مع الحزب المسيحي الديمقراطي.

وفي كل الأحوال، وبغض النظر عن المسار الذي سيسلكه تشكيل الحكومة الجديدة، من المؤكد أن السويد تقف الآن على عتبة مرحلة جديدة من تاريخها ستشهد تغييرات سياسية داخلية عديدة، لكنها لن تكون تغييرات جذرية. فالتغييرات الحادة والجذرية لا تنسجم مع طبيعة المجتمع السويدي وتقاليده الديمقراطية الراسخة. ويمكن الاستدلال على الطبيعة الاجتماعية السويدية التي تتجنب الانعطافات الحادة في الحياة السياسية من خلال نتيجة الانتخابات الحالية التي أفضت إلى توازن دقيق بين اتجاهي اليمين واليسار، بخلاف ما حدث في دول أوروبية أخرى حيث كان التحولّ حاداً وجذرياً في بعض الأحيان.

من المؤكد أن السويد تقف الآن على عتبة مرحلة جديدة من تاريخها ستشهد تغييرات سياسية داخلية عديدة، لكنها لن تكون تغييرات جذرية

ولا بد من الإشارة إلى احتمال اللجوء إلى أبغض الحلال في الديمقراطية السويدية وهو الذهاب إلى انتخابات جديدة، وهو خيار نادر جداً لم يتم اللجوء إليه منذ عام 1900 سوى مرة واحدة عام 1958. واللجوء إلى خيار الانتخابات الجديدة يتم، بحسب قانون الحكم الأساسي، إذا فشل رئيس البرلمان أربعة مرات متتالية في تكليف رئيس وزراء جديد بسبب عدم الاتفاق بين الكتل الحزبية، بشرط أن لا يكون موعد الانتخابات العادية خلال ثلاثة أشهر أو أقل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية