مذيعات الجزائر بين خديجة بن قنة ولجين عمران: بأكمام وبدون أكمام وحسب اللغة والدارجة المغربية… فطام في سبع سنوات

كيف هي أحوال النساء المقدمات للبرامج على القنوات الجزائرية العمومية والخاصة منها؟ لن تكون هذه الاطلالة على المذيعات من وجهة النظر السياسية ولا السيميائية وليست من منظور نسوي أيضا، بل من خلال عيون المشاهد وإن اختلفت مستوياته التعليمية ورؤيته وكذلك ألوان عينيه طبيعية كانت أم عدسات.
المشاهد هو الملك هنا لأنّه في حالة استهلاك من نوع خاص، استهلاك للأخبار وللأحوال التي لا يعرف كيف تنتهي، أحوال مزعجة منغصة للعيش، ذلك المشاهد البسيط الذي يمثل الأغلبية والذي يستهلك المواد الإعلامية بشغف، قصد المعرفة والتنفيس والتذمّر بصوت عال على ما يراه من خلف الشاشات. عين المشاهد أحيانا تمحص وتنتقد وأحيانا تمرّ مرور الكرام وتذهب لقنوات وبرامج أكثر إثارة.
“حوار الساعة”، برنامج يفتتح موسمه العاشر، افتتاحية صعبة أو لا تبشّر بخير، كما جاء ذلك على لسان مقدمة البرنامج السيدة فريدة بلقسام العتيدة، إذ لخّصت حالات الهلع التي تزامنت والدخول الاجتماعي، كوليرا في زمن اللا حب، زمن الثعابين والعقارب ومختلف النكت على الموضوع، الذي فلت من قبضة ولاة أمورنا. لكنّها سألت سؤالا لا أعتقده كمشاهدة أنّه بريء، عندما قالت لسنا ندري من الجاني ومن الضحية، في إشكالية لدغة العقرب، التي قتلت الأستاذة وقتلت قبلها الكثيرين وبعدها، لتلتحق بسؤالها هذا بمقولة وزير الصحّة البليغة وتدخل أكبر نكتة قد تدخل موسوعة غينز، كون الثعابين والعقارب محقة لأنها في حالة دفاع عن النّفس.
آه، نسيت أنّ لموضوع كهذا كان على برنامج “حوار الساعة” أن يستضيف الوزير، وزير الصحة لمناقشة قضايا زرعت الرعب في نفوس المواطنين عشية افتتاح الموسم الدراسي، فلم يعلن عن البرنامج من مكتب الوزير، كما تعودنا ذلك إذ دائما يتم الإشهار للبرنامج من مقر الوزارة المعنية بالموضوع المناقش كل أحد، فاكتفت هذا الأحد ببعض المسؤولين عن صحتنا.
البرنامج، الذي يدخل في الهموم السياسة والاجتماعية والثقافية للمجتمع، لم ينتصر لصحة المواطن وبدت السنة قاسية رعناء. وموسم الشتاء على الأبواب، الذي يتزامن وجني الزيتون وبروز داء الكلب هنا وهناك. الكلاب هنا لا تعقل وتعض يد صاحبها الذي كان يطعمها، وتقتله، فكيف ستكون عدالة الوزير هذه المرّة؟

تبعات اللغة تحدّد المظهر واتجاهات الموضة

للأمانة السيدة فريدة في قمّة أناقتها، وكلّ أسبوع بلباس جديد وأناقة تأخذ بلب المشاهدات، ولا يمكن أن يفلت شعرها الكثّ، الذي لا تشوبه شبهة الوصل، عيون المشاهدين، والذي تحاول جاهدة رفعه من على وجهها بحركات لا تخفى على أحد أنّها تقترب من التصنّع. وهي ومهما كان لباسها فساتين أو تنانير أو بنطلونات، فهي في إطار مهذب، لا يثير حساسيّة. اللهمّ إلاّ أنّها تعكس اللباس، حسب دور الضيف، اتيكيت تعودنا عليها.
سيدة تتقن كلامها وتشدد على قضاياها بأسنانها، وتوجه كلامها وانفعالاتها وحركات جسدها نحو ضيوفها. ما زال المشاهد ينتظر برنامجها كل أحد لعلّه يجد الحلل الشافية لأوجاعه.
من بلاتو لا يتغير، إلا قليلا، ليبيّن صرامة المواضيع المطروحة، تنقل كنوز الجزائر على “كنال ألجيري”، المشاهد إلى مواقع طبيعية صحراء كانت أم شواطئ لتبرز المخزون الثقافي والسياحي أكيد للجزائر، تنوع المناظر والألوان الزاهية ينعكس على شخصية مقدمة البرنامج راضية بو المعالي، التي تحتفظ بتسريحة شعر قصيرة جدا، وبابتسامة عريضة وطبيعية، دون ابتذال في السؤال تحاور ضيوفها وتبحث عن الجديد والمختلف وتحاور بطريقة سلسة، كما تهرب من انغلاق الاستديوهات في برنامجها، تفلت من كبسة الاكمام الطويلة وتظهر بدون أكمام في صيف الجزائر الحار. هكذا تطل علينا مذيعات هذه القناة الناطقة بالفرنسيّة، هل تبعات اللغة تحدّد المظهر واتجاهات الموضة، وهل يمكن الكلام عن قنوات نخبوية وأخرى لعامة الشعب، وهل المشرفين على الأزياء ومظهر المذيعات ومقدمات البرامج تحكمهم الضوابط نفسها في القنوات العمومية؟
تبقى مذيعات القطاع العام، على طبيعتهن، وبساطة لا وصل ولا تاتو ولا شفاه منتفخة لحد الازعاج، ولا استهلاك للموضة مهما كانت، بقين مختلفات، أمام الشكل الموحّد وتشابه المذيعات في القنوات العربية.
نقلة نوعية تشهدها مذيعات القنوات الخاصة، يتسارعن للظفر بأجمل مذيعة، ويغزين مواقع التواصل الاجتماعي في التسويق لأناقتهن، كتوأم “الشروق” سارة وسعاد، وما قيل عن إنهن قمة في الأناقة، بواسطة صيحات الموضة المتبعة، ويبدو أثر لجين عمران واضحا على طريقة الترويج للإناقة، وإن تأثرتا بالسيدة خديجة بن قنة، كما صرحتا بذلك. يتّضح جليا أنّ الجمال والانفتاح المظهري من المؤشرات القوية للّظفر بعمل بالقنوات الخاّصة. يسمح لمذيعات هذه القنوات ما لا يسمح لغيرهن من مذيعات القطاع العمومي.

لغة الأمّ في البرامج المدرسية:
الفطام الذي لا يكتمل

من نكت العقارب والكوليرا في الجزائر، إلى نكت كثيرة أخرى انتشرت على القنوات الالكترونية وعلى اليوتيوبات ووسائل التواصل الاجتماعي وأبطالها هذه المرة وجبات أكل تقليدية مغربية، “بطبوط” و”بغرير” و”غريبية”…الخ
كان لإدراج بعض عبارات من العامية المغربية في مقررات الطور الأول، السنة الثانية تحديدا، وقع وصدمة على أولياء الأمور والمختصين وبرلمانيين وغيرهم، واعتماد لغة التواصل اليومي في المدرسة، التي يفترض أن تعلم الكتابة، لذلك تسمى كتّابا أو “سكولا”، كما صرح بذلك المفكر عبد الله العروي، منذ سنوات على قناة “دوزيم”، منذ بداية النقاش، هذا، حسب رأيه، خطأ ارتكبته اليونيسكو انطلاقا من فكرة مسبقة وهي وجود تسلسل طبيعي بين الشفهي والكتابي، غير أنّ الواقع شيء آخر، فالكتابة نشأت مستقلة عن الشفهي وهذا في ردّه على السيد نور الدين عيوش، الذي تطارده الاتهامات والنكت هذه الأيام أكثر من غيرها. وللتقليل من نسبة الأمية الكبيرة نحاول تبسيط المستوى واستعمال لغة الأم والذي يبقى في إطار مفاهيم محدودة تسطح عقل الطفل. والمشكل نوقش في الجزائر وأثار جدلا واسعا أيضا، ومن أبرز المختصين في هذه الاشكالية السيّدة مليكة قريفو بوداليا المختصة في اللسانيات الاجتماعية، والتي توضح من خلال عدة لقاءات على قنوات خاصة كـ”البلاد” و”الخبر”، لأنها ممنوعة من القنوات العامة، أنّ المدرسة التقليدية الجزائرية كانت وظيفتها تدريس الحضارة والطفل قلب هذه الوظيفة ومحركها، بينما مدرسة بعد الاستقلال تدرس لغة التواصل اليومي، لغة الأم، بينما تثرى معارف الطفل في النمط الأول من خلال آلية الحفظ للشعر القديم وللقرآن، مما ينمي قدرات الطفل، يعلم الطفل، في بيداغوجيا مدرسة ما بعد الاستقلال اللغة الشفهية التي كانت وسيلة اتخذتها فرنسا لنشر لغتها لتعليم الأجانب، وهي لغة سهلة بسيطة للترويج السياحي وليست لغة أدب.
تلقى مسائل هوياتية شائكة على كاهل البيداغوجيا وتسهيل التلقين لدى التلميذ، بادراج العامية أو بعض الألفاظ، كما برر المسؤولون عن التربية في المغرب بأنها أسماء علم لا وجود لمرادفاتها بالفصحى، فـ”البغرير” و”الغريبية” و”البطبوط” مفاهيم لا غنى عنها ربما لأطفال يفطرون على “الكورن فليكس” و”الكرواسو” وليس لأطفال يستهلكونها يوميا ويعرفونها، هكذا علقت الأمهات على ذلك، قائلة علموا أولادكم، توجه الكلام للميسورين وأصحاب السلطة، من لا يعرفون هذه الأكلات أما أولادنا فمتعودون عليها. أولاد المساكين يجدون هذه الألفاظ في محيطهم، وكذلك تتبعهم في الكتب المدرسية، حتما سيصابون بالتخمة ولا تحدث النجاعة البيداغوجية، التي يتشدّق بها أهل الاختصاص. وقد تكون أسئلة الامتحان، كما جاء في أحد مقاطع الفيديو الساخرة لأب يدرس ابنه المقرّر الجديد، سؤال عن “البريوات”، هي مثلثة الشكل، لكن ماهي الحشوة التي توضع داخلها، أو “علاش تتشقّق الغريبية، أو علاش البغرير مثقوب، شحال فيه ديال الثقوب”؟! تلخيص لحال المدرسة عندما يزج بها في جدل هوية عويص وعقيم ومتكرّر يقحم فيه الأطفال الصغار دون ذنب، فقط لخلق جو مربك مشحون عشية الدخول المدرسي، والضحية التحصيل والتكوين والمعرفة. ابعدوا المدرسة عن صراعاتكم الايديولوجية ومطامعكم.

كاتبة من الجزائر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية