مصر: انتخابات بدون ديمقراطية!

حجم الخط
1

كما كان منتظرا فاز عبد الفتاح السيسي بتصويت الخارج بنسبة 94.5 %، وهو نفس الرقم الذي كانت الحملة الرسمية للمشير قد انفردت بإعلانه قبل أن تؤكده اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية يوم الأربعاء الماضي.
وكما توقعت الحملة الرسمية للمشير فقد حقق السيسي نسبة نجاح بلغت 100%، وذلك بفوزه في 141 لجنة انتخابية جرت فيها عملية التصويت على مدار خمسة أيام من 15 ايار/مايو إلى 19 منه.
ويتوقع أن يحقق وزير الدفاع السابق نفس النتيجة على المستوى الداخلي، فيما يبدو المرشح المنافس حمدين صباحي وكأنه يقوم بدور الكومبارس لتأثيث المشهد، دون أن يمتلك أي قدرة تنافسية لمجاراة حملة الرجل القوي في القاهرة..
غير بعيد عن أم الدنيا تستعد بلاد الشام لانتخابات رئاسية مشابهة، وستنطلق عملية التصويت يوم 28 ايار/مايو بالنسبة للسوريين المقيمين خارج الأراضي السورية..
الرئيس بشار الأسد الذي تولى السلطة بعد وفاة والده سنة 2000 وتم تجديد ولايته سنة 2007 يستعد لولاية ثالثة ويخوض هذه الانتخابات إلى جانب مرشحين آخرين وسط استنكار دولي واسع لسياسة الهروب إلى الأمام وتجاهل واقع الحرب والدمار الجاري فوق الأراضي السورية..
الانتخابات في الأنظمة الديمقراطية وحتى في الدول السائرة في طريقها إلى الديمقراطية تكتسي أهمية قصوى لأنها تجسد فكرة المشاركة في تدبير الشأن العام وتعمل على ترسيخ ثقافة المشاركة التي تحترم سلوك وتفكير الآخرين، وتحترم إرادة صناديق الاقتراع التي تعبر بدورها عن الاختيار الشعبي.
كما يتم الربط دائما في المؤسسات الدولية ومن بينها وكالات الأمم المتحدة المختلفة بين تقوية المؤسسات الديمقراطية وتعزيز المشاركة في الحكم وبين تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بل إن الأمر تجاوز المطالبة بإقامة مؤسسات سياسية ديمقراطية تسمح بالمنافسة إلى الحديث عن سياسة ديمقراطية تضمن مشاركة عريضة من قبل المواطنين، ومسؤولية متخذي القرار اتجاه مصالح الشعب أيضا.
هل يمكن النظر إلى العملية الانتخابية بعيدا عن سياقها السياسي المحلي والإقليمي والدولي؟ هل يمكن تبييض مجازر الانقلاب العسكري في مصر وخيارات العنف الدموي في سوريا بـ ‘حفلة انتخابية’ بعيدا عن مؤشرات التحول الديمقراطي الحقيقي وإعمال قواعد العدالة الانتقالية وتصفية تركة الحقد والكراهية بين الأطراف السياسية المتصارعة؟
الانتخابات ليست مجرد آلية للتغيير السياسي الدوري فقط، بل هي تتويج لمسار سياسي يمكننا من تسليط الضوء على الكيفية التي يعمل بها النظام السياسي وكذا أنماط التفكير المجتمعي السائدة.
اللحظة الانتخابية الحقيقية هي حالة تنافسية حقيقية تعبئ فيها كل القوى المعنية طاقاتها وقدراتها بهدف إيجاد موقع لها في الهيكل الرسمي للنظام السياسي أو توسيع هذا الموقع في المؤسسات التمثيلية، عن طريق الصوت الانتخابي كأسمى تعبير عن قيمة المشاركة.
إن الدول التي تعيش أزمات سياسية خانقة لن تنجح في عملية التحول الديمقراطي اعتمادا، فقط، على تنظيم ‘انتخابات شكلية’، ذلك أن حتمية المرور عبر قواعد العدالة الانتقالية والتوافق على سيادة القانون وغيرها من قواعد المرحلة الانتقالية، كلها عناصر ضرورية لإضفاء الشرعية على اللحظة الانتخابية.
فالتحول الديمقراطي هو مرحلة زمنية معينة تمثل صيرورة الانتقال من نظام غير ديمقراطي إلى نظام ديمقراطي، ومن بين مؤشراته: تصفية تركة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجبر ضرر الضحايا، والاعتراف بالقوى السياسية الأساسية وضمان مشاركة سياسية واسعة للمواطنين، وعودة الجيش إلى الثكنات وتجريم تدخله في الحياة السياسية والتزام الجميع باحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، وانتخاب حكومات خاضعة للمساءلة مع ضمان انتخابات حرة وعادلة وإعلام حر بعيد عن التوظيف السياسي.
إن الإعلام السائد في مصر هو إعلام موجه أصبح يمثل بوقا للدعاية السياسية للرجل القوي فوق الخشبة، وفقد وظيفته الإخبارية والتحليلية منزلقا إلى رداءة غير مسبوقة في تاريخ الإعلام العربي، كما أن الإعلام السوري الرسمي لازال يمثل وجهة نظر واحدة بخلفية طائفية مقيتة بعيدة جدا عن الفلسفة السياسية المؤطرة لقيمة الانتخابات كلحظة تنافسية بين مشاريع سياسية مختلفة، وقريبة جدا من ثقافة تمجيد الزعيم الملهم الذي يمتلك القوة القاهرة للجميع..
إن المطلوب في مراحل الانتقال الديمقراطي أن يجري تكييف النظام السياسي القائم على مركزية مفرطة لسلطة الحاكم الفرد وعلى تهميش للقانون والمؤسسات وعلى إفراغ مفهوم المواطنة من محتواه إلى نظام ينبني على علاقات المواطنة الكاملة ودولة المؤسسات والقانون ومشاركة واسعة وحرة للمواطنين في اختيار متخذي القرار بناء على مشاريع انتخابية تتوفر على عمق اجتماعي حقيقي.
وقبل ذلك، لا معنى لانتخابات بدون مصالحة مجتمعية واسعة تعيد قراءة الماضي بإيجابياته وسلبياته ويجري توثيق ذاكرة الجرائم التي ارتكبت في حق المواطنين والمواطنات كما يجري الاتفاق على قواعد مؤسساتية ودستورية وقانونية لضمان عدم تكرار جرائم الماضي.
وتتميز هذه المرحلة بسيادة منطق الحوار والتفاوض والتوافق والبحث عن تسويات سياسية وتوافقات تاريخية خصوصا ما يتعلق بنبذ العنف وتقبل الشكل القائم للمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعمل من خلال الانتخابات والإجراءات البرلمانية للوصول إلى السلطة وتنفيذ سياسات معينة.
إن اكتساح رجالات الجيش والترامي على الحقل الانتخابي أفرغ مفهوم التمثيلية السياسية من محتواه، وجعل العملية الانتخابية تلعب دورا يتعارض مع وظيفتها الأصلية وحولها من لحظة تنافسية من أجل السلطة لخدمة برامج انتخابية ذات طبيعة تعاقدية، إلى وظيفة سياسية حقيرة تتمثل في تبييض جرائم النظام السياسي وإضفاء الحصانة المطلقة على الجلادين.
إننا نعيش لحظة الانتقال من السلطوية القائمة على القهر والقمع والقتل والزج بالمخالفين في السجون إلى لحظة ‘السلطوية الانتخابية’ القائمة على انتخابات متحكم في نتائجها مسبقا..
انتخابات بدون ديمقراطية تكرس استمرار أنظمة الاستبداد والفساد، وتحصن مواقع رجالاتهم في مفاصل الثروة والسلطة والاستمرار في ثورات مضادة لتطلعات الشعوب التواقة إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
لكن هل معنى ذلك، نهاية الحلم الجميل للثورات؟
إن معركة الخير والشر لازالت مستمرة، وسنة التدافع بين الحق والباطل جارية.. والعبرة بالنهايات..

‘ كاتب من المغرب

د. عبد العلي حامي الدين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد الكريم البيضاوي. السويد:

    كعادتي أعرج على مكتبة أطلع على جرائد محلية ودولية , هذه الأيام ألاحظ أنشطة وحركة غير عادية في المكتبة, عملية تصويت نواب جدد للبرلمان الأوروبي تجري على قدم وساق.

    تقدمت نحو طاولة يجلس خلفها رجل وامرأة, عملية التصويت المبكر ” لمن لايريد الإنتظار‘‘ لغرض ما ‘‘ ليوم التصويت الأحد المقبل ” سألت : ” هل بالإمكان التصويت هنا ولو أنني من محافظة أخرى؟ أجاب: ” بالطبع ” وقلت : ” لكن , ليس معي بطاقة التصويت, تركتها في البيت” أجابني: ” ليست هناك مشكلة, سأحرر لك بطاقة تصويت جديدة الآن فبإمكانك أن تصوت إن أردت.

    صراحة ألح علي الإثنان بأن يمكنني أن أصوت في اللحظة , هم سينجزون كل مايلزم, لم أفعل, إعتذرت ولم أصوت تلك اللحظة.

    السبب, واعدت الأسرة أن نذهب ونصوت مع بعض في شيء يشبه حفلا عائليا, كما تفعل الأكثرية.

    بالطبع سأصوت في نفس الحين أشعر بمرارة للعدد الهائل من العرب الدين لايأبهون, يضيعون فرصة ثمينة للتغيير, ومع ذلك تجدهم من أكثر المحتجين والمتضررين. سأصوت على إسم من أصول أجنبية لديه دراية بقضايانا المحلية وحتى الخارجية.

    ملاحظة, لم أشاهد مراقبين دوليين ولامحليين ولامتربصين ولا من يهمس في أذنك إسما مفضلا ” نزيها ” ونقوذ تصرف ولا حداء يوزع بشرط الحصول على الآخر عليك إظهار الحجة بأنك صوتت بطريقة ” صحيحة “. لاشرطي ولا آدمي بلباس آخر غير اللباس المدني, والمكان طبيعي أناس يقرأون كتبا أو جرائد وآخون في الجهة المقابلة يضعون أصواتهم في عملية ديمقراطية حقيقية هادئة.

    متى يحدث هذا في بلادنا ؟

إشترك في قائمتنا البريدية