“ناشونال إنترست”: هذا هو سبيل إنقاذ العلاقات الأمريكية التركية

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: ما هي الطريقة لإنقاذ العلاقات الأمريكية التركية؟ فبعد عقود من العلاقات المثمرة يسيرالبلدان باتجاه الفراق على خلفية الخلافات في سوريا والتحولات السياسية لدى الرئيس رجب طيب أردوغان وقرار أنقرة شراء منظومة الصواريخ الروسية إس- 400 رغم عدم الإعتراضات الامريكية. وفي الشهر الماضي فرضت إدارة دونالد ترامب تعرفة جمركية على الفولاذ والألمنيوم المستورد من تركيا.

وطالب في الأسبوع الماضي دوغ باندو، الزميل البارز في معهد كاتو بإنهاء التحالف الأمريكي التركي الآن وللأبد. وفي هذا السياق، كتب ماثيو رينزر مقالاً تحليلياً في موقع معهد “ناشونال إنترست” اقترح فيه طريقة لإعادة العلاقات الأمريكية التركية إلى مجاريها قائلاً: “في الوقت الذي عانت في العلاقات الأمريكية مع تركيا إلا أنها ليست عصية على الإنقاذ”. فالانتصار الأخير لاردوغان وهشاشة الدولة التركية وتقلص المشاركة الأمريكية في الحرب ضد تنظيم “الدولة” خلقت فرصة حقيقية لكي يقوم فيها الطرفان بإصلاح التحالف بينهما قبل أن ينهار تماماً.

ورغم وجود مظالم لدى كل طرف إلا أن التحالف بينهما بحاجة لإنقاذ. فقد أثبتت العلاقة التركية المنتجة مع الولايات المتحدة أنها قابلة للنجاة من المأزق أكثر من الأزمة الحالية التي تواجهها. فقد انضمت أنقرة إلى حلف الناتو في عام 1952 خوفاً من التهديد السوفييتي وأصبحت حليفاً جيوسياسياً مهماً للكتلة الغربية. إلا أن الشراكة التركية مع الغرب مرت بمأزق عندما قررت واشنطن في عام 1973 فرض حظر تصدير سلاح إلى تركيا بعد غزوها الشطر التركي من جزيرة قبرص فردت أنقرة بمنع الولايات المتحدة من استخدام كل القواعد العسكرية في البلاد. وبعد 3 أعوام من التوتر قامت إدارة جيمي كارتر برفع الحظر لاعترافها بأهمية ومنافع التحالف وصححت بالتالي العلاقات الدبلوماسية المتصدعة. وبعد 40 عاماً تجد تركيا والولايات المتحدة نفسيهما في تضاد. فتركيا التي كانت مثالاً للعلمانية والديمقراطية تتحول في ظل سلطات أردوغان التنفيذية إلى دولة شمولية تستهدف الصحافيين وجماعات العمل المدني ومعارضي أردوغان.

واعتقلت أنقرة القس أندرو برونسون وعددا آخر من الأمريكيين للضغط على الولايات المتحدة تسليم رجل الدين فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدير انقلاب 2016 الفاشل. وردت واشنطن على اعتقال موظف القنصلية الأمريكية في تركيا متين توبوز “بتعليق إصدار كل التأشيرات باستثناء تلك المتعلقة بالهجرة”.

إلا أن الأزمة السورية هي السبب الرئيسي وراء تدهور العلاقات بين البلدين. فدعم الولايات المتحدة لقوات حماية الشعب الكردية في الحرب ضد تنظيم “الدولة” أثارت مخاوف تركيا من ظهور قوة كردية على حدودها خاصة أن هذه القوة الكردية على علاقة مع حزب العمال الكردستاني الذي يخوض حرباً ضد تركيا منذ ثمانينات القرن الماضي.

الأزمة السورية هي السبب الرئيسي وراء تدهور العلاقات بين البلدين. فدعم الولايات المتحدة لقوات حماية الشعب الكردية في الحرب ضد تنظيم “الدولة” أثارت مخاوف تركيا من ظهور قوة كردية على حدودها خاصة أن هذه القوة الكردية على علاقة مع حزب العمال الكردستاني الذي يخوض حرباً ضد تركيا منذ ثمانينات القرن الماضي

وتعتبر أنقرة دعم أمريكا لكيان كردي مستقل على حدودها تهديداً لوحدة ترابها الوطني. فيما ترى أمريكا هجمات أنقرة على قوات حماية الشعب سلبياً خاصة عندما يتعلق الأمر بالقتال ضد تنظيم “الدولة”. صحيح أن تركيا غاضبة من توجه السياسة الأمريكية لكنها لا تزال حليفاً عسكرياً مهما، فلديها ثاني أكبر جيش في الناتو وكذا لديها ردارات استشعار أولية تابعة للحلف وهي مقر القوات البرية للناتو. وللولايات المتحدة حضور مهم في تركيا خاصة قاعدة إنجرليك التي تنطلق منها طائرات التحالف لضرب تنظيم “الدولة”، وفيها رؤوس نووية سمحت لأمريكا أن تستعرض قوتها في الشرق الأوسط.

صحيح ان تطور الشمولية في تركيا تظل مصدر قلق لأمريكا لكن علاقة واشنطن مع السعودية والبحرين ومصر تكشف عن تساهل واشنطن مع تحالفات كهذه. كما أن موقع تركيا الإستراتيجي بين أوروبا وآسيا يجعلها رصيداً لأمريكا والناتو من هنا فالحفاظ على هذه العلاقة مصلحة أمن قومي أمريكي. بالإضافة لهذا فالطلاق الأمريكي- التركي يعني تقوية علاقة أنقرة مع موسكو.

فرغبة تركيا في الحصول على النظام الصاروخي الروسي الصنع يزيد من المخاوف من حصول روسيا على معلومات حساسة تتعلق بالمقاتلة الأمريكية إف-35 والتي صنعت خصيصاً لمواجهة هذا النظام. وتثير المخاوف حول التزام تركيا بالناتو، فبعد كل هذا تريد روسيا إضعاف تأثير الحلف في أوروبا الشرقية وحماية مصالحها وتأثيرها في الشرق الأوسط. وتعرف روسيا أن لعب دور الولايات المتحدة كضامن لأمن تركيا يعطيها دوراً مهماً. إلا أن من مصلحة تركيا إصلاح علاقتها مع أمريكا وجوارها الأوروبي خاصة أن اقتصادها على حافة الإنهيار.

وتبلغ نسبة التجارة المتبادلة مع الشركاء الأوروبيين ثلثي حجم التجارة التركية. ومن هنا فقد حان الوقت لكي تصلح تركيا علاقاتها مع الغرب قبل أن تعاني أكثر. إلا أن اللهجة المتحدية التي أبداها أردوغان بشأن سوريا والأكراد تظهر أنه يراهما أهم من الاقتصاد. وفي ضوء سياسات أردوغان قصيرة الأمد التي كانت مسؤولة جزئياً عن الأزمة فلربما عبر عن استعداد للتخلي عن مواقفه والتصالح مع الغرب إن قدم له هذا حلاً ينقذه من تداعيات أي قرار على المستوى الشعبي.

والخطوة الأولى نحو الحل هي تعيين سفير أمريكي في أنقرة الشاغر مكانه منذ عام 2017. وحقيقة عدم وجود سفير في تركيا يعقد من محاولات بناء علاقات ذات معنى ويرسل رسالة إلى الأتراك أن تصحيح العلاقة معهم ليست أولوية من أولويات الإدارة. ومظاهر قلق أمريكا بشأن النظام الصاروخي إس-400 والنزعة الديكتاتورية وسجن المواطنين الأمريكيين مشروعة ويمكن حلها بالطرق الدبلوماسية لا من خلال فرض عقوبات على أنقرة. ويجب على أمريكا معالجة المسألة الكردية التي هي سبب في تدهور العلاقات بين البلدين. وفي الوقت الذي يجب فيه مواصلة الحوار بين الجماعات السورية على أمريكا استعادة الأسلحة التي وزعتها على قوات حماية الشعب بعد هزيمة تنظيم “الدولة”.

الخطوة الأولى نحو الحل هي تعيين سفير أمريكي في أنقرة الشاغر مكانه منذ عام 2017. إذ إن حقيقة عدم وجود سفير في تركيا يعقد من محاولات بناء علاقات ذات معنى ويرسل رسالة إلى الأتراك أن تصحيح العلاقة معهم ليست أولوية من أولويات الإدارة

ويجب شرط أي دعم للأكراد بقطع علاقاتهم مع حزب العمال الكردستاني، بي كي كي. وكبداية للتعاون يمكن أن تقدم أمريكا معلومات أمنية عن تحرك المقاتلين والسلاح على الحدود التركية السورية. ونظراً لعدم سيطرة تنظيم “الدولة” على مناطق فيجب التوقف عن معاملة قوات حماية الشعب كقوات وكيلة. مما سيعطي تركيا فكرة أن دعم أمريكا للفصيل الكردي لا يعني دعم طموحاته الاستقلالية. ويمكن لأمريكا المساعدة على استئناف المحادثات بين الحكومة التركية وبي كي كي التي انهارت عام 2015 بسبب الموقف من سوريا. وستكون أية محادثات طويلة وصعبة ولا ضمان لها للنجاح، إلا أن وقوف أمريكا مع أنقرة خلال فترة المفاوضات تعطي صورة عن التزام واشنطن بدعم حليفتها. في عام 1978 استعدت امريكا لإصلاح علاقتها مع أنقرة ويجب أن تكون كذلك في عام 2018.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية