من الانتقادات التي يوجهها الغربيون وبعض الحكام العرب للجمهورية الاسلامية ما يتصل بعدد من الامور: اولا: السعي لنشر ايديولوجيتها في البلدان الاخرى (كان سابقا يسمى تصدير الثورة)، الثاني: رغبتها في التوسع الجغرافي، الثالث: سعيها لتوسيع نفوذها السياسي في الشرق الاوسط. وتحت هذه العناوين يتواصل استهداف النظام الاسلامي السياسي في إيران، ذلك الاستهداف الذي بدأ منذ الايام الاولى بعد انتصار الثورة الاسلامية بقيادة الامام الخميني التي اسقطت نظام الشاه قبل حوالي 40 عاما.
ويشار إلى دور إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين بشكل خاص. فما مدى صحة هذه الدعاوى؟ كما يتحدث آخرون عن سعيها لـ «نشر التشيع»، وكان ذلك احدى وسائل انتشار الطائفية ودق اسفين بين إيران وحلفائها من الحركات الاسلامية المعتدلة.
ان من السذاجة بمكان انكار هذه الادعاءات، خصوصا مع وجود اغلبها في الواقع. فلا احد يستطيع انكار وجود نزعة إيرانية لتوسيع النفوذ السياسي او الايديولوجي او امتلاك ذراع عسكرية دفاعية متطورة، او السعي لكسب حكومات ومجموعات سياسية صديقة او حليفة في العديد من البلدان. ولكن ثمة تساؤلات يجدر طرحها لتوضيح طبيعة هذا السجال:
اولها: ما الذي يتوقعه العالم من بلد محاط بست دول قوية بالإضافة للدول العربية على الضفة الغربية من الخليج؟ اغلب هذه الدول يخضع بشكل او آخر لنفوذ دول اخرى خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تخف يوما عداءها لإيران ونظامها الاسلامي؟
ثانيها: كيف تتصرف إيران التي كانت على مدى اربعين عاما تواجه بسياسات اقليمية ودولية معادية لا تخفي رغبتها في اسقاط نظامها الاسلامي؟
ثالثها: هل إيران البلد الاقليمي الوحيد الذي لديه طموحات توسعية؟ ليس المجال هنا للدفاع عن النظام الإيراني الذي لا تخلو سياساته الخارجية او الداخلية من هفوات وفشل. وما حدث قبل يومين من استهداف إرهابي خطير اودى بحياة العشرات خلال استعراض عسكري بمدينة الاهواز كان فشلا امنيا كبيرا. ولكن من الضرورة بمكان تسليط الضوء على سياسات الدول الاقليمية الاخرى القريبة من إيران، ومقارنة سياساتها التوسعية وانفاقها العسكري.
الحقيقة الاولى ان إيران تتمتع بعلاقات معقولة مع كافة جيرانها في ما عدا السعودية والبحرين. وقد كشفت القمة الثلاثية التي عقدت في طهران في التاسع من هذا الشهر بحضور الرئيسين الروسي والتركي قفزة دبلوماسية نوعية. فخلال العامين الاخيرين تحسنت علاقاتها مع البلدان المذكورين، خصوصا تركيا التي يواجه نظامها السياسي (نظرا لطبيعته السياسية وهويته الاسلامية) تحديات خارجية ومؤامرات انقلابية كادت قبل عامين تطيح به. كما ان علاقاتها مع باكستان تطورت خصوصا بعد فوز عمران خان برئاسة الحكومة.
هذه العلاقات تعتبر توسعا للنفوذ الإيراني الاقليمي، وهو امر لا يحسب ضد إيران الا في نظر القوى المعادية لها. كما ان علاقاته مع العراق وافغانستان هي الاخرى تتطور برغم الوجود الأمريكي العسكري في كلا البلدين. فهناك صراع سري وعلني، جديد قديم، على النفوذ بين طهران وواشنطن. هذه العلاقات ليست ذات طبيعة مذهبية كما يروج البعض، بل يتمازج فيها ابعاد ثلاثة: سياسية ودينية ومذهبية. فطهران تسعى لتبريد التوترات على حدودها لمنع اي تهديد إرهابي ينفذ الى داخلها من هذه الحدود، وتسعى لتحسين العلاقة مع المكونات السياسية والدينية في افغانستان والعراق. وليس سرا القول انها دعمت مجموعات «المجاهدين» في الثمانينيات لمواجهة التدخل السوفياتي العسكري في افغانستان، واغلبها مجموعات ذات انتماء مذهبي مختلف. وقد اغتيل الرئيس السابق برهان الدين رباني في أيلول/سبتمبر 2011 بعد عودته من مؤتمر الصحوة الاسلامية الذي عقد في طهران.
كشفت القمة الثلاثية التي عقدت في طهران في التاسع من هذا الشهر بحضور الرئيسين الروسي والتركي قفزة دبلوماسية نوعية
إيران تسعى لتوسيع نفوذها الاقليمي، ولكن من الصعب على احد اثبات رغبتها في التوسع الجغرافي. وفي ما عدا سيطرتها (ضمن صفقة بين حكومة الشاه وبريطانيا والسعودية) على الجزر الثلاث التي تطالب بها الامارات، فليس هناك صراع حدودي مقلق مع الدول الاخرى. بل ان ترسيم حدودها المائية مع الكويت ينتظر الترسيم الرسمي للحدود بين السعودية والكويت، فيما تتلكأ الرياض في ذلك. ولا بد من القاء نظرة على السياسات التوسعية لدول اقليمية اخرى اقل حجما وقوة من إيران. فالسعودية لديها رغبة في التوسع يفوق كثيرا ما لدى إيران. وقد جاء اعتقال رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري، لدى زيارته السعودية ليؤكد نمط تعامل السعودية مع من يتحالف معها، فهي علاقة السيد مع العبد. وتكفي مقارنة هذا الحدث مع تصريح السياسي العراقي محمود المشهداني ليتضح الفرق بين التحالف المؤسس على العقيدة والايديولوجيا، والتحالف المصلحي القائم على المال فحسب، ليظهر نمط العلاقة التي تقيمها الرياض مع «حلفائها».
هذا التعامل مع الحلفاء من بين اهم اسباب تصدع مجلس التعاون الخليجي، فالسعودية تريد اتباعا. وفي 1992 احتلت السعودية مركز «الخفوس» التابع لدولة عضو بمجلس التعاون الخليجي، ثم عمدت لاحتلال شريط على الحدود الاماراتية ـ القطرية لتصل الى مياه الخليج شرقي شبه الجزيرة القطرية، فاصبحت قطر مفصولة عن الامارات. ولدى السعودية الآن خطة لشق قناة تفصل قطر عن الجزيرة العربية.
وتؤكد الحرب اليمنية ان للسعودية سياسة توسعية هائلة، فهي تسعى لقضم اليمن اذا استطاعت، ولكن في الحد الادنى تسعى للسيطرة على شريط يمتد عبر محافظة المهرة الى البحر العربي لتحقق بذلك حلمها بامتلاك منفذ هناك. كما سيطرت قبل اكثر من عام على جزيرتي صنافير وتيران عند مدخل خليج العقبة المصري، برغم الاحتجاجات الشعبية ضد ذلك. اما الامارات فنفوذها التوسعي يفوق اضعافا ما لدى إيران. فهي تحتل جزءا واسعا من اليمن وتسيطر على ميناء عدن، وتسعى لاحتلال ميناء الحديدة. بل اصبحت هي التي تدرب جيوشا يمنية خاصة بها، الامر الذي دفع قطاعا واسعا من اليمنيين للمطالبة بخروج الاماراتيين من اراضيهم، وذلك في مظاهرات بمناطق عديدة منها عدن والمهرة. كما بسطت نفوذها على جزيرة سوقطرة اليمنية وموانئ عديدة عند باب المندب مثل مصوع واسمرة وبربرة وجيبوتي.
وهناك خشية كبرى من عدوان تفتعله الامارات (بعد رحيل السلطان قابوس) لاحتلال شبه جزيرة مسندم العمانية عند مضيق هرمز لكي تكتمل سيطرتها على اهم ممرين مائيين للنفط الخليجي، وتتأمن بذلك مصالح «اسرائيل». وهناك تهديد اماراتي مستمر لدولة قطر وافتعال متواصل للازمات لتبرير ذلك او تهيئة الوضع لعدوان مستقبلي، لا سمح الله.
اما الانفاق العسكري فله قصة اخرى لا تقل اثارة. ففي العام 2016 بلغ الانفاق العسكري السعودي 64 مليار دولار، والاماراتي 23 مليارا. اما الانفاق العسكري الإيراني فلم يتجاوز 12 مليار دولار.
لا شك ان لدى إيران رغبة في النفوذ والتوسع، ولكن الوقائع تؤكد ان دولا تصغرها كثيرا تفوقها في هذا المجال اضعافا، سواء بشن الحروب على الدول الاخرى، ام دعم المجموعات الإرهابية، ام نشر الفكر المتطرف ام السيطرة على الموانئ والجزر التابعة لدول الغير. ولا تقل أمريكا و«اسرائيل» توسعا في النفوذ وتدخلا في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، وشن العدوان واحداث الاضطراب ومنع الاستقرار.
٭ كاتب بحريني
اين توسعت ايران هل احتلت جزءا نن فلسطين وامريكا ساعدتها ؟؟ ام ان قواتها العسكرية دخلت الى البحرين وقتلت اهلها مثلما فعلت السعودية ؟؟