لندن – «القدس العربي» : سعاد الحدابي صار «الفيسبوك» و«الواتس آب»، ألصق بالمرء من أهله داخل بيته وصار يعطي لهذه الوسائل الوقت الأطول، فلم يعد «الفيسبوك»، أحد مخرجات الشبكة العنكبوتية، إذ صار من تتحادث معه على بعد أقرب إليك من شريك الحياة وبقية أعضاء الأسرة لا سيما إذا وجد الفراغ الأسري طريقه للعائلة.
تقول السيدة منى إن زوجها يقضي في مجالس القات ثلث أيام الأسبوع والباقي بجوار التلفون الذي صار رفيقا وجليسا لا يفارقه بل قد يبات تحت وسادة نومه وأول ما يفتح عليه عينيه. وإذا كان هذا حال من له زوجة وولد فما هو حال الشباب والشابات الذين يقضون الكثير من الوقت بجوار «سكايب» و»فيسبوك» و»واتس آب»، و»امستغرام»، و»فيبر» و»تويتر» و»يوتيوب» ناهيك عن مواقع الألعاب ومواقع الصداقات واللهو وما أكثرها؟
لم يعد من السهل أن نغمض أعيننا عن واقع الصغار والأسر، وليس بمقدور أحدنا أن يسيطر على ما يتلقاه صغاره، لأن الشاشة الصغيرة صارت هي الجليس والأنيس، والصاحب.
ولم يعد المثل (قل لي من تصاحب اقل لك من تكون ) إلا بقية من ثقافة الجيل الماضي إذ صار المثل ( قل لي ما تشاهد أقل لك من تكون).
لم يعد خطر الشبكة العنكبوتية يقتصر على الصغار بل ربما كان ضرره بالكبار أشد، فلم يعد هناك اي سن معين لتجاوز الخطر، فكما أن خطرها لا يقتصر على عمر معين فهي أيضا تؤدي إلى تفكك العلاقات الأسرية وإلى أضرار صحية وعقلية وتدهور في المستوى التعليمي والأكاديمي.
وحقيقة لم توجد حتى اللحظة برامج توعوية تبين حقائق تلك الأخطار وكأن المؤسسات التربوية والنفسية وعلماء النفس والتربية والاجتماع في واد آخر.
إن عدم مواكبة الدراسات النفسية والتربوية لمخلفات الشاشة الصغيرة أدت بدورها إلى اضمحلال الوعي بتلك الآثار ومن ثم استمرار الحال على ما هو عليه من جناية على أجيال، ولن يكون مفاجئا إذا وجدنا ان انقطاع الصلة بين الأجيال وضياع الهوية وتمازج الثقافات قد أنشأ لنا مسخا لا يرقى لتحديات المستقبل.
ولعل بعض التوجهات الفردية أدت إلى بعض النتائج العكسية لدى بعض أبناء الأسر الحريصة على المستوى الأخلاقي.
يقول أ. الصلوي لقد منعت النت وما يحتاج إليه الأولاد من الواجبات فهم يؤدونها في المدرسة وبعد شكوى من مدرسي المواد في تراكم الواجبات يقول قررت وزوجتي اتخاذ خطوة حاسمة وهي منع الأولاد من المدرسة والاكتفاء بالتعليم البيتي وهو ما كنت أرفضه سابقا.
أما سيدة أخرى فتؤكد أن خروج ابنها من الاعدادية والتحاقه بالعمل في الدكان هو لتدني مستواه التعليمي ورفقة السوء الذين يقضون معه وقتا طويلا على ألعاب المصارعة عبر النت!
سيدة أخرى تؤكد أن انجرار ولدها في بيع الحشيش وتركه للدراسة كان سببه أصدقاء «الفيسبوك» الذين هم من بلده، وتؤكد أن غياب زوجها عن البيت كان السبب في ضياع مستقبل ابنها الوحيد.
ولم تعد المسألة مسألة فقر وغنى أو بحث عن المال، بقدر ما تمثل أزمة أخلاق وحياة جديدة في ظل الشبكة الصديقة!