مرّ عام على استفتاء انفصال كردستان العراق الذي تم في 25 سبتمبر/أيلول 2017 ، والذي عد بمثابة زلزال مدمر لكردستان سياسيا واقتصاديا، إذ وصلت العلاقات بين بغداد وأربيل حينها إلى مديات غير مسبوقة من التوتر. ثم جاءت إعادة انتشار الجيش العراقي وإعادة سيطرته على المناطق المتنازع عليها، وأهمها مدينة كركوك في شهر اكتوبر/تشرين الأول اللاحق لتمثل ضربة قاسية قضت على حلم الاستقلال الكردي، وقد تبع ذلك تزايد التوتر بين الحزبين الكبيرين في كردستان، الذي قاد إلى شبه تقسيم للإقليم إلى شطرين، الأول يسيطر عليه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وعاصمته السليمانية، والثاني يسيطر عليه الحزب الديمقراطي الكردستاني وعاصمته أربيل، ما يعني العودة إلى حقبة الحكومتين في الإقليم.
ان انتخاب رئيس الجمهورية الجديد وفق معطيات انتخابات 2018 بدا ذا نكهة مختلفة هذه المرة، فقد تعودنا سابقا على أن البيوت الثلاثة (الشيعية والسنية والكردية) تتفق داخليا لتفرز مرشحيها للمناصب المتنافس عليها، وهذا ما كان يتم أولا، لتتم بعد ذلك جولات المفاوضات، بحيث يولد الاتفاق النهائي كحزمة معطيات تم التوافق عليها بين الفرقاء السياسيين، وتضم رئيس البرلمان ثم رئيس الجمهورية واخيرا رئيس الوزراء. وكان الكرد يلعبون عادة دور بيضة القبان ويضغطون على السنة لتمرير مطالبهم، مقابل الموافقة على مرشح رئاسة البرلمان، وكذلك على الشيعة لتمرير الموافقة على مرشحهم لرئاسة الوزراء، ونتذكر جيدا قبل ثماني سنوات الدور الذي لعبته أربيل، ومسعود بارزاني تحديدا، في تشكيل حكومة 2010 التي شهدت ما عرف حينها بأزمة الكتلة الأكبر.
كما أن الدورات الانتخابية السابقة كانت الاتفاقات الكردية الداخلية فيها أكثر وضوحا، والموقف الكردي رغم الخلافات والصراعات الداخلية، أكثر تماسكا تجاه بغداد. لكن هذه الانتخابات شهدت تفكك الكتلة الكردستانية وتشظيها، وبالتالي خوض انتخابات البرلمان الاتحادي بعدة قوائم كردية، ومن جانب آخر كانت حالة الإقليم محكومة بعرف غير مكتوب يحكم توزيع المناصب بين الحزبين الكرديين الكبيرين، مفاده أن رئاسة الجمهورية الاتحادية تكون من حصة الاتحاد الوطني الكردستاني، وقد شغل المنصب جلال طالباني لدورتين، ثم فؤاد معصوم في الدورة الثالثة، مقابل أن تكون رئاسة الإقليم من حصة الديمقراطي الكردستاني وقد شغل مسعود بارزاني هذا المنصب لثلاث دورات طوال المدة الماضية، رافضا التنازل عن المنصب متمسكا بكرسي الرئاسة مع كل الويلات التي أصابت الإقليم، وقد مثل فشل استفتاء الاستقلال الضربة القاصمة التي وجهت لرئاسة إقليم كردستان، عندها غادر بارزاني منصبه، لكنه أغلق الباب على كرسي الرئاسة عبر آلية غريبة أسماها تعليق منصب رئيس الإقليم، بدون أن يعلم أحد الماهية القانونية لهذا الإجراء.
أما رئاسة وزراء الإقليم التي وحدت أغلب وزارات حكومتي السليمانية وأربيل فكان يتم التناوب عليها كل أربع سنوات بين الحزبين الكبيرين. لكن ظهور لاعبين جدد اقوياء على الساحة الكردية مثل، حركة “التغيير” التي انشقت عن الاتحاد الوطني، وتكتل بعض الأحزاب الصغيرة معها، جعل الأحزاب القديمة أمام تحد ومنافسة حقيقية، لذا فاز ممثل حركة “التغيير” في الدورة الأخيرة في برلمان الاقليم برئاسة البرلمان، لكن سرعان ما ضاق بذلك رئيس الاقليم، فقام بإغلاق البرلمان وطرد رئيسه من أربيل هو وكتلته الانتخابية، لتصاب الحياة السياسية في الإقليم بالشلل لمدة عامين.
على خلفية هذه الأزمات والصراعات يأتي اليوم الكرد، الذين مرت علاقاتهم ببغداد في السنة الماضية بأسوأ فتراتها منذ 2003 عادوا إلى بغداد وهم يطالبون بحصتهم في المناصب الحكومية الاتحادية، وعلى رأسها منصب رئيس الجمهورية، لكن هذه المرة هنالك أكثر من مرشح كردي يتنافس على المنصب، وواقع الحال يدفعنا للتمحيص في هذه الترشيحات. المرشح الأول الذي يبدو انه يحظى بالفرصة الأكبر للفوز بمنصب رئيس الجمهورية حتى الان هو برهم صالح، السياسي الكردي الذي انشق قبل عام تقريبا عن حزبه الأصلي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وشكل حزبه الجديد “التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة” والقائم على سلخ جزء من كوادر الاتحاد. وابتدأ حينها برهم صالح حربا شعواء من التصريحات والاتهامات الموجهة للاتحاد الوطني الكردستاني، متهما زملاءه في القيادة السابقة بالفساد وتحويل الحزب إلى إقطاعية عائلية. وقد صرح قبل شهرين فقط قائلا “الاتحاد الوطني حزب فاسد، نشر الظلم في الإقليم، لقد عرضوا علي منصب رئاسة الجمهورية وقد رفضت ذلك، لأنني لن اتخلى عن احترامي لنفسي أمام شعبي في سبيل ذلك”. خاض برهم صالح الانتخابات الاتحادية بقائمة مستقلة عن الاتحاد الوطني الكردستاني، مؤتلفا مع بعض الاحزاب الصغيرة وشعاره الإصلاح ومحاسبة الفاسدين، ليحصل على مقعدين في البرلمان العراقي. لكن يبدو أن المعطيات تغيرت عما كانت عليه في شهر مايو/أيار الماضي. فبعد جولة مباحثات قادها المبعوث الأمريكي الخاص في بغداد بريت ماكغورك للضغط على الكرد لترشيح برهم صالح لرئاسة الجمهورية، جاءت النتيجة موافقة قيادة الاتحاد الوطني على ذلك، بشرط عودة برهم صالح إلى الاتحاد الوطني وانسحابه من حزبه الجديد، الذي قد يتفتت نتيجة ذلك. وهذا ما تم فعلا وتبع ذلك الإعلان رسميا عن برهم صالح مرشحا من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني لرئاسة الجمهورية الذي هو حق لهذا الحزب، بحسب ما جاء في تصريح الاتحاد الوطني الكردستاني.
أصبح موقف برهم صالح في الساحة الكردية اليوم، كما وصفه الكاتب الصحافي الكردي سامان نوح بقوله “يمكننا تمييز فريقين من المنزعجين من ترشيح برهم صالح لرئاسة الجمهورية اليوم، وكلاهما يهاجمانه بشدة في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، الفريق الأول هم أنصار الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهم منزعجون لأن عودة صالح للاتحاد الوطني يقوي وضع الاتحاد الوطني نسبيا، وهم يأملون بفوز مرشحهم بالمنصب، لذا يتهمون صالح بأنه خائن وانتهازي وغير مؤهل للمنصب. أما الفريق الثاني فهم جزء من حزب برهم صالح “التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة” الذين يعتقدون أن صالح خانهم وأخلف وعوده لهم وشعاراته التي صدعهم بها من أجل الحصول على منصب رئيس الجمهورية”.
لكن من ناحية أخرى صرح النائب السابق عن محافظة نينوى عبد الرحمن اللويزي للصحافة يوم السبت 22 سبتمبر قائلا “الولايات المتحدة خسرت جولة اختيار رئيس البرلمان، وحاولت تدارك الأمر من خلال دعم ترشيح برهم صالح لمنصب رئيس الجمهورية، كون صالح كان ممثل الاتحاد الوطني الكردستاني في الولايات المتحدة في التسعينيات، ويعد شخصا قريباً ومفضلاً لدى الولايات المتحدة”. وأضاف موضحاً “عودة صالح للاتحاد الوطني سيضمن قربه من إيران أيضاً، كون الاتحاد الوطني الكردستاني تربطه علاقات تاريخية مع إيران”.
وبعد زيارة رئيس وزراء الإقليم نيجرفان بارزاني لبغداد والنجف يوم السبت 22 سبتمبر وبعد جولة مفاوضات مع الساسة العرب، أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني يوم الأحد 23 سبتمبرعن تمسكه بمنصب رئيس الجمهورية، وطرح مرشحه للمنصب الدكتور فؤاد حسين، وهو كردي فيلي من مدينة خانقين، وعضو سابق في جمعية كادحي كردستان، وعمل رئيسا لديوان رئاسة إقليم كردستان. وذكر المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، في بيانه إن مطالبته بمنصب رئيس الجمهورية “ليست من باب التنافس على المناصب، والماضي يشهد لنا بأننا لم نطلب المناصب يوماً”. وبّين أنه يقصد من وراء هذه الخطوة؛ “أن نعمل بمساعدة الجميع على أن يكون لهذا المنصب من الآن فصاعداً دور وأثر أكبر، وأن يكون حامياً لمصالح كردستان وينفع شعبنا، لا أن يكون منصباً لا له دور ولا منه نفع”.
على الضد من هذا التوجه ترشحت وللمرة الأولى في تاريخ العراق سيدة لمنصب رئاسة الجمهورية، فقد ترشحت رسميا السياسية الكردية والنائبة السابقة في البرلمان العراقي السيدة سروة عبد الواحد، التي يشار إلى أن لديها العديد من المواقف السياسية الصارمة إزاء الأوضاع السياسية، خاصة ما يخص إقليم كردستان، إذ كانت قد أعلنت عن موقفها الصريح برفضها استفتاء الاستقلال لإقليم كردستان عن العراق، الذي جرى في سبتمبر من العام الماضي، ما يعني توجهها العراقي الواضح. كما ترشح سردار عبد الله السياسي الكردي والنائب عن حركة “التغيير” إلى منصب رئيس الجمهورية، لكنه تقدم للمنصب كمرشح مستقل. فكيف سيتم حسم الصراع على مقعد رئيس الجمهورية؟ وهل هناك صفقات غير معلنة في هذا الشأن؟ هذا ما سنعرفه قريبا.
كاتب عراقي