إضافة إلى الفواجع السياسية والأمنية والكوارث الاقتصادية والعمرانية التي يواجهها الوطن العربي في الحاضر، سيواجه هذا الوطن في المستقبل القريب كوارث بيئية، أين منها تلك الفواجع والكوارث الحالية.
المشاكل البيئية في الوطن العربي كثيرة، فهناك ظاهرة تنامي التصحر وتقلص الأرض الصالحة للزراعة. وهناك إشكالية شح المياه غير الكافية للزراعة وللنمو السكاني الكبير، خصوصاً بعد تناقص تدفق مياه الأنهار العربية الكبرى مثل النيل والفرات ودجلة، بسبب بناء السدود الحاجزة لمياه الأنهار في بلدان مصادر تلك الأنهر، وتنامي استهلاكها من قبل سكانها المتزايدين. وهناك التصاعد المذهل الخطر في التلوث الهوائي والمائي والأرضي في كبرى المدن العربية. وبالطبع هناك المزيد الكثير مما يصعب الدخول في تفاصيله.
هذا في ما يتعلق بالمشاكل البيئية الذاتية العربية، لكن المشكلة لن تقف عند هذه الأسباب الذاتية المحلية، إذ أن الوطن العربي، كغيره من مناطق العالم، سيكون أيضاً مشمولاً بمضاعفات المشاكل البيئية، التي ستواجهها الكرة الأرضية برمتها، وعلى رأسها ظاهرة الاحتباس الحراري، التي يتحدث القاصي والداني عنها، والتي ستهدد العالم بكوارث طبيعية مدمرة، مثل العواصف والفيضانات وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات، بسبب ذوبان الثلوج في القطبين الشمالي والجنوبي.
والواقع أن الظواهر الكوكبية تلك بدأت بالفعل في شكل تزايد في وتيرة التقلبات الطقسية العنيفة، التي لم تر مثلها المجتمعات البشرية من قبل، وستزداد تلك الظواهر شدة وتدميراً، إذا استمر العالم في إخفاقه في الوفاء بالقرار الذي أخذته الغالبية الساحقة من دول العالم منذ بضع سنوات والقاضي بالعمل على تقليص الانبعاثات الكربونية الناتجة عن كل النشاطات البشرية الإنتاجية والاستهلاكية المعتمدة على البترول والفحم والغاز لإنتاج الطاقة التي تحتاجها تلك النشاطات. لقد نص ذلك القرار التاريخي على الضرورة القصوى لعدم السماح لارتفاع حرارة الأرض أكثر من درجتين (سنتيغريد)، وإلا فإن الكوكب الأرضي سيواجه كوارث طبيعية غير قابلة للسيطرة عليها، ولا يمكن تجنب دمارها الهائل للمجتمعات البشرية. لكن، وكالعادة، فشل العديد من الدول، وعلى الأخص الصناعية المتقدمة، في الحد من انبعاث الغازات الحرارية الملوثة كنتيجة منطقية لتبنيها للمسلمات النيوليبرالية العولمية المنادية بالنمو الاقتصادي الصناعي والتجاري المستمر إلى ما لا نهاية، وبالدفع نحو ظاهرة الاستهلاك العالمي النهم لكل منتج. واستطاعت لوبيات الشركات الكبرى، إقناع الساسة بعدم مس توسعهم الاقتصادي والتجاري، وبالتالي عدم المساس بأرباحهم من جهة، ومن جهة أخرى ترك العالم، بما فيه الطبيعة، خاضعاً لمنطق الأسواق المتنافسة بلا قيود أو مبادئ أو التزامات إنسانية. ولما كان الوطن العربي جزءاً من العالم المعولم، وخاضعاً لمتطلبات النظام النيوليبرالي الرأسمالي، فإن النتيجة هي أن يعاني ضعف ما يعانية الآخرون: نتائج إخفاقاته الذاتية ونتائج إخفاقات باقي العالم من حوله.
الوعي باقتراب الكوارث البيئية مفقود، لدى مؤسسات إدارات الحكم والمجتمعات العربية لانغماسها في الصراعات الدينية والمذهبية
إن الوعي باقتراب تلك الكوارث البيئية مفقود، مع الأسف، لدى أغلب مؤسسات إدارات الحكم والمجتمعات في بلاد العرب، ذلك أن انغماسها العبثي في مماحكات الصراعات الدينية والمذهبية والقبلية من جهة، وسقوط غالبيتها تحت إملاءات الخارج من جهة أخرى، يجعلها مشدودة إلى جنون الحاضر على حساب متطلبات المستقبل.
فإذا كان جوع ملايين الأطفال العرب وأمراضهم، وتشردهم في الشوارع وفي معسكرات اللاجئين الهائمين على وجوههم، وإذا كان دمار المدن بمدارسها ومستشفياتها ومساكنها وأسواقها، وإذا كان بيع النساء العربيات وشراؤهم في أسواق نخاسة البرابرة الجهاديين المتوحشين كبيع وشراء العبيد والبغايا، إذا كان كل ذلك لا يحرك ساكناً في ضمائر الغالبية الساحقة من المسؤولين العرب ولا حتى يقنعهم بالاجتماع لمناقشة تلك المآسي، وفعل شيء لمعالجتها، فهل ننتظر أن يوجد وعي بإمكانية حدوث ظواهر طبيعية مفجعة، هي الأخرى ستنشر الجوع والمرض والدمار في طول وعرض الوطن العربي؟
الكتاب يقرأ من عنوانه، وعنوان الكتاب العربي الذي يكتبه مجانين هذه الأمة في الحاضر يخبرنا بأن الضمائر ماتت، والقيم والأخلاق تراجعت، والقلوب قست والأنانية الفاسدة تهيمن على المشهد، وبالتالي فلا مكان لتجفيف دمع أو لتهدئة نواح أو لضمة حنان لا للبشر ولا للبيئة. في طول وعرض بلاد العرب يرقص الشياطين بافتخار وفرح وشماته، بينما تقف الملايين في ازدحامات البؤس والتيه واليأس.
إذا كانت المجتمعات العربية تريد، على الأقل، تجنيب نفسها، مع بقية العالم، ما ينتظره كوكب الأرض من غضب الطبيعة فلتنخرط مؤسساتها في النضالات الكونية ضد الفكر والنظام الاقتصادي العولمي الذي سيسبب، إن لم يردع ويواجه، الكوارث الكونية الطبيعية من جهة، ولتتوقف تلك المجتمعات عن التفرج على بؤسها، وعن الاستسلام لمسببي ذلك البؤس من جهة أخرى. وإلا فمثلما تقف أمة العرب على حافة الانقراض الحضاري سيقف وطن العرب على حافة الانقراض الجغرافي. البيئة العربية يجب أن تصبح ضمن أولوية أجندة النضال العربي، يداً بيد مع النضال من أجل شعارات الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية التي رفعتها جموع الملايين من شعوب هذه الأمة.
كاتب بحريني