من المسؤول عن معاناة ريال مدريد وبدايته المتواضعة؟

عادل منصور
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: بدأت تظهر ملامح عهد ريال مدريد الجديد، بعد انتهاء سنوات زين الدين زيدان وكريستيانو رونالدو الخوالي، التي استعاد خلالها النادي الملكي أمجاد الماضي البعيد، بهيمنة مُطلقة على كأس دوري أبطال أوروبا 3 مرات على التوالي، و4 مرات بوجه عام في آخر 5 سنوات، بخلاف كأس العالم للأندية والسوبر الأوروبية في العامين الماضيين، على غرار ما حدث في زمن الرئيس الأسطوري سانتياغو بيرنابيو، عندما استحوذ جيل ألفريدو دي ستيفانو وبوشكاش على أعرق بطولات القارة العجوز في أول 5 نسخ منذ ظهورها للنور منتصف خمسينات القرن الماضي وحتى الستينات.

ملامح ضبابية

كان من الصعب الحُكم على مشروع جولين لوبيتيغي ولا أفكاره بعد السقوط المُفزع في أول اختبار تنافسي رسمي أمام أتلتيكو مدريد في الكأس السوبر الأوروبية، أولاً بمُصطلح كرة القدم لم يكن “مُلما” بالفريق بأكمله، صحيح هو من قاد معسكر الاستعداد للموسم الجديد في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن تقريبا جُل القوام الرئيسي كان يقضي عطلته الصيفية بعد كأس العالم، أضف إلى ذلك العُرف والتقليد المتعارف عليه في الوسط الكروي، بضرورة حصول أي مدرب على وقته الكافي ليتقرب أكثر من اللاعبين، ويعرف إمكانيات وقدرات كل واحد على حدى، قبل أن يستقر على الإستراتيجية المناسبة للعناصر المتاحة له، لذلك لم تُبالغ جماهير النادي في رد فعلها بعد الهزيمة المُذلة أمام الهنود الحمر، وأيضا تعاملت بهدوء شديد مع الانتصارات المُخدرة على خيتافي وجيرونا في أول جولتين، رغم الأداء الجماعي غير المُقنع، الذي صاحبه هالة إعلامية ضخمة بقيادة الذراع الأيمن للرئيس فلورنتينو بيريز صحيفة “الماركا”، بحملة مُمنهجة لتذكير المشجعين بأن الريال ما زال يملك أقوى تشكيلة أساسية في أوروبا، مع اللعب على الوتر الحساس، بالتفاخر بالخبرة الأوروبية التي يتمتع بها هذا الجيل، حتى بعد رحيل الهداف التاريخي والمدرب المبروك، أما على أرض الواقع وفي مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، بُحت الأصوات من المُطالبة بشراء مهاجم من الطراز العالمي، ليعوض ولو نصف أهداف صاروخ ماديرا الحاسمة، إلا أن سياسة البخل التي يتبعها بيريز في السنوات القليلة الماضية، فرضت السيناريو الأسوأ مع غلق سوق الانتقالات الصيفية، بمشاركة كريم بنزيمة، الذي ساعد الرئيس في تنفيذ مُخططه، بالظهور المُلفت في أول 3 جولات، حيث سجل 4 أهداف، بواقع هدفين في شباك جيرونا ومثلهما في ليغانيس، ومع غلق الميركاتو الصيفي، عاد بنزيمة للصورة التي رسمها لنفسه في آخر عامين، كمهاجم كسول ومنحوس في بعض الأوقات، وهذا في حد ذاته أشبه بالخداع لأنه أوهم لوبيتيغي بأن هجوم الريال لا يحتاج إضافات جديدة بهكذا مستوى وتفاهم مع الشريك الأول غاريث بيل والمساعد الثالث المتغير في الثلث الأخير من الملعب إيسكو، فكانت النتيجة، الصورة البائسة التي ظهر عليها الفريق في الأسابيع القليلة الماضية.

هل ما حدث كان متوقعا؟

ربما بعد الصورة الجيدة نوعا ما التي ظهر بها الفريق في أول 3 جولات في الليغا بالإضافة للفوز العريض على روما بثلاثية نظيفة في افتتاح دوري مجموعات الكأس ذات الأذنين، اعتقد البعض أن الميرينغي تجاوز الهزة المتوقعة بعد رحيل رونالدو وزيدان سريعا، خاصة بعد الأداء الجماعي المُقنع، الذي حاول لوبيتيغي استغلاله، ليُقنع المشجعين بأن الحل الجماعي كفيل بتعويض رحيل أي نجم حتى لو كان أهم علامة فارقة في تاريخ النادي الحديث، وأكثر من ساهم في الألقاب القارية الأخيرة بأهدافه الحاسمة، لكن شريحة لا يُستهان بها من النقاد الرياضيين والمتابعين، كانوا على يقين بأن الأمور لن تسير كما هو مُخطط لها. والمُثير حقا، أن أغلب هؤلاء تنبأ بحدوث المشاكل في منتصف الموسم وليس بهذه السرعة القياسية، التي وصلت لحد العجز عن تسجيل ولو هدف يتيم على مدار 4 مباريات، أمر لم يَحدث حتى مع أكثر المدربين الفاشلين في التاريخ الحديث، بما فيهم المنبوذ رافا بنيتيز، كيف لا وهي أسوأ سلسلة بدون أهداف للنادي منذ عام 1985! لذا لم تكن مفاجأة أن تُبادر الصحف والبرامج التلفزيونية الشهيرة في إسبانيا، في مقدمتهم مُقدم البرنامج الأكثر شهرة “الشيرينغويتو”، بالتكهن حول مستقبل لوبيتيغي إذا استمرت مشكلة العقم الهجومي والنتائج الكارثية حتى المباراة الأهم في النصف الأول من الموسم، التي سيحل خلالها الفريق ضيفا على ملعب “كامب نو”، لمواجهة العدو الأزلي برشلونة في كلاسيكو الأرض، هذا بخلاف ما يتردد عن وصول المعلومة للوبيتيغي نفسه، وبدء بيريز في عملية البحث عن البديل المُحتمل بعد الكلاسيكو.

كيف انقلبت الأمور بهذه السرعة؟

 هناك أكثر من سبب عّجل بحدوث زلزال ما قبل فترة التوقف الدولي، السبب الأول، تعليق الآمال على الويلزي غاريث بيل، وإظهاره إعلاميا في ثوب “الغالاكتوس” الجديد بعد رونالدو، ولو عُدنا بالذاكرة إلى خمس سنوات إلى الوراء، سنتذكر الحالة الخارقة التي كان عليها بيل مع فريقه السابق توتنهام، الذي فاز معه بجائزة أفضل لاعب في إنكلترا مرتين وأفضل لاعب صاعد قبل أن يُكمل عامه الـ23، وهذا ما دفع بيريز لدفع 86 مليون جنيه إسترليني لتحريره من قبضة دانيال ليفي، طوال هذه السنوات قضى بيل أغلب أوقاته إما في ظل رونالدو أو في صراعه في الإصابات، باستثناء ومضات تظهر على فترات، كهدفه الماراسوني في برشلونة في نهائي كأس ملك إسبانيا 2014، وهدفه البهلاوني في مرمى ليفربول في نهائي دوري الأبطال. الشاهد أنه من قبل رحيل الدون، لم يتم إعداده ليكون رجل المستقبل، بل العكس تماما، فربما لولا هدفه الرائع في الريدز لكان أول المغادرين الصيف الماضي، وما يبدو واضحا وضوح النهار من الليل، أنه لم ينجح في ملء فراغ رونالدو بعد ثلاث أشهر من رحيل الأخير، فقط يُعاني الأمرين ليُصبح مصدر الإلهام الجديد ورجل مرحلة ما بعد زميل الأمس البرتغالي، وحتى الآن لم يعكس ذلك على أرض الواقع، هو كالبقية، أحيانا يكون في القمة وأحيانا في أسوأ حالاته، وفشله في الحفاظ على مستواه في القمة، وضع لوبيتيغي في ورطة لا يُحسد عليها، وبالتبعية أثر بشكل سلبي على الفعالية الهجومية للفريق.

نحس الإصابات

واحدة من أكثر المشاكل التي عصفت بريال مدريد في الأسابيع القليلة الماضية، كثرة الإصابات التي ضربت لاعبين ليس لديهم بدلاء على نفس المستوى، ففي الوقت الذي كان يضع فيه لوبيتيغي يده على التوليفة والخطة السحرية بعد زيدان، استقبل سلسلة من الأنباء الصادمة، بدأت بفقدان الظهيرين الأيمن والأيسر داني كاربخال ومارسيلو دفعة واحدة، ثم انضم إليهم صانع الألعاب الأساسي إيسكو بعد خضوعه لعملية جراحية لاستئصال الزائدة الدودية، وفي نفس التوقيت، عاد بيل لهوايته المُفضلة بإصابة جديدة أبعدته أكثر من 10 أيام، ما أربك حسابات المدرب، وأجبره على الاعتماد على لاعبين مُرهقين ومُجهدين من تلاحم المباريات المحلية والدولية مع منتخبات بلادهم، ولعلنا لاحظنا معاناة لوبيتيغي كلما حاول إنقاذ ما يُمكن إنفاذه بالتغييرات، تشعر أنه في الغالب يبدأ بأفضل تشكيلة ممكنة، وعندما يحين موعد التغييرات، تبدأ المشاكل في الظهور، وهذا يرجع لضعف وفقر دكة البدلاء، التي لم يُدعمها بيريز بصفقات رنانة قبل غلق سوق الانتقالات، بجانب سوء حظ لوبيتيغي الذي لم يتوقع أبدا أن يخسر هذا الكم الهائل من اللاعبين الأساسيين في توقيت حساس للغاية في الموسم، لكن من حسن حظه، أن المنافس التقليدي برشلونة لا يُعطي بطولة الدوري نفس أهمية دوري الأبطال، ولنا أن نتخيل لو لم يُهدر البارسا هذا الكم من النقاط الثمينة في الأسابيع الماضية. أقل شيء، كان موقف لوبيتيغي سيكون أكثر تعقيدا في الوقت الراهن، هذا بخلاف صداع الهبوط الجماعي في مستوى أغلب اللاعبين، وعدم تعلم المدافعين من أخطائهم، وفي مقدمتهم رافاييل فاران، الذي يُقدم مباريات للنسيان كلما غاب عنه القائد سيرخيو راموس، والأسوأ منه في الآونة الأخيرة، لوكا مودريتش، الذي هبط مستواه بشكل صادم، عكس الصورة البراقة التي ختم بها الموسم الماضي، ونفس الأمر ينطبق على توني كروس وكاسيميرو وأسينسيو، والأخير بالذات، وضعه لا يختلف كثيرا عن بيل، تجده في مباراة يُقنعك بأنه لاعب العالم في المستقبل القريب، وفي المباراة التالية يصدمك بصورة باهتة للاعب شاب لا يتحمل الضغوط.
بوجه عام، الصورة التي ظهر عليها أسينسيو في المباريات السبع الأخيرة، لا تُقارن أبدا بالصورة التي رسمها لنفسه، منذ ظهوره على الساحة العالمية، بهدفه الخيالي في شباك برشلونة في الكأس السوبر الإسبانية 2017، وقبلها بأشهر قليلة خطف الأضواء بحضوره اللافت في نهائي دوري الأبطال أمام اليوفي، عندما قلب المباراة رأسا على عقب بعد مشاركته كبديل في الشوط الثاني، لكن لا أحد توقع أن يتراجع مستواه بهذه الشكل الصادم، فعلى مدار سبع مباريات، لم يتمكن من تسجيل سوى هدف يتيم، وذلك في الوقت الذي من المفترض أن يتكاتف فيه الصغير قبل الكبير لتعويض حصيلة أهداف رونالدو، وما يُصيب عشاق الريال بالحزن والإحباط من الشاب الإسباني، أنهم انتظروا انفجاره كرويا هذا الموسم، على اعتبار أن مغادرة الدون، ستفسح له المجال ليُثبت أنه في طريقه ليكون من نخبة نجوم العالم، لكن حتى الآن، لم يُثبت ذلك، بل عاد للوراء والبعض يرى أنه عاد لنقطة الصفر بتدهور مستواه في الوقت الراهن، وهذا في حد ذاته، جزء من مشكلة العمق التهديفي الذي أصاب هجوم ريال مدريد منذ آخر هدف سجله الفريق، المصادفة هنا أن آخر هدفه مُسجل للميرينغي قبل أسابيع العجاف، كان لماركو أسينسيو في مرمى إسبانيول في الجولة الخامسة لليغا.

لوبيتيغي نفسه!

صحيح هو يَحمل جينات النادي الملكي، كونه حارس سابق للريال، لكنه لم يُحقق نجاحات تُذكر كلاعب قبل أن يتّحول لعالم التدريب، وكمدرب. لم يُحالفه الحظ إلا عن استحياء، ففي بدايته عمل كمساعد لمدرب إسبانيا تحت 17 عاما في يورو الناشئين 2003، بعدها تولى الإدارة الفنية لرايو فاييكانو، لكنه طُرد بعد المباراة العاشرة في موسم 2003-2004، ليبتعد عن مجال التدريب أكثر من 5 سنوات، عمل خلالها في المجال الإعلامي كمعلق تارة وكمُحلل تارة أخرى، قبل أن يعود للتدريب من بوابة رديف الريال ثم منتخبات شباب إسبانيا، مع ذلك، سرعان ما فشل في إظهار قدراته كمدرب لفريق كبير، بتجربة للنسيان مع بورتو ، رغم أنه كان مُدعما بأكبر ميزانية في تاريخ الفريق البرتغالي، فقط ابتسم له الحظ في تجربته مع منتخب إسبانيا الأول، بتفادي الهزيمة في 21 مباراة متتالية، ليحصل على فرصة العمر مع الريال، لكنها حتى الآن أشبه بالفرصة المحفوفة بالمخاطر، لسوء طالعه بتسلم القيادة الفنية لأكبر وأشهر نادٍ في العالم، بدون هدافه الأول في آخر تسع سنوات، وفي نفس الوقت، مُطالب بالانتصارات وبناء مشروع للمستقبل، وهو غير مؤهل من قبل لتَحمل ضغوط خوض مباراة كل ثلاثة أيام، بل تجاربه السابقة تقول أنه يُجيد بعيدا عن الضغوط، كما نجح مع رديف الريال ومنتخبات إسبانيا من الناشئين حتى المنتخب الأول، إلا إذ أثبت العكس بعد العودة من فترة التوقف الدولي.

قيمة رونالدو

أكثر ما يفتقده ريال مدريد هذا الموسم، قيمة رونالدو قبل أهدافه، نتحدث عن لاعب أيقونة بالنسبة لجماهير الريال بكل ما تحمله الكلمة، بما قدمه على مدار تسع سنوات، نجح خلالهم أن يُحطم أرقام كل الأساطير الذين ارتدوا القميص الأبيض الملكي، بعيدا عن تدخلاته الحاسمة التي غيرت مسار بطولات، فرحيله ترك أثرا نفسيا سيئا في غرفة خلع الملابس، وهذا يتجلى في تصريحات اللاعبين غير المُقربين من بيريز، في مقدمتهم كيلور نافاس، الذي اعترف بمعاناة الفريق بدون رونالدو، حتى المدرب، تراجع عن تصريحاته السابقة، وأقر أن الريال ما زال بحاجة لمزيد من الوقت للتكيف على الحياة بدون ماكينة الأهداف البرتغالية، كيف لا وهو من النوع الغيور، الذي لا يعرف في قاموسه معنى الهزيمة، فقط يبحث عن الفوز وتسجيل الأهداف، وقبل ذلك، يملك من الجرأة ما يكفي لتوبيخ اللاعبين من أجل مصلحة الفريق، وهذه الروح افتقدها الفريق بأكمله وليس الهجوم، والكارثي بحق، أن الإدارة تعاملت باستعلاء مبالغ فيه رحيله، وكأن اسم ريال مدريد وحده يكفي لتحقيق البطولات، وهذا ليس صحيحا، خاصة وأن الفريق بحاجة لتدعيمات من قبل رحيل زيدان ورونالدو، والدليل على ذلك، الحملة المحلية المُخيبة للآمال الموسم الماضي، والتي من المفترض أنها أعطت جرس إنذار لإعادة ترتيب أوراق الفريق من جديد، أو على الأقل البدء في عملية الإحلال والتبديل، بشراء لاعبين قادرين على منافسة الأساسيين، والأهم. تجهيز رأس حربة للمستقبل قادر على تعويض صاحب الرقم 7 بعد تقدمه في السن أو رحيله، وبالفعل رحل ولم تعوضه الإدارة ببديل، فكانت النتيجة الطبيعية ما نُشاهده من ضعف وعقم وقلة حيلة في خط الهجوم، بدون المُلهم الذي اعتاد طوال السنوات الماضية على انتشال الفريق وإنقاذه في المواقف الصعبة والمباريات المُعقدة، كالمباريات الأربع الأخيرة وغيرها من الاختبارات الصعبة المقبلة، التي لن يجد فيها بيريز ولا لوبيتيغي من يتقمص دور البطل، إلا إذا كان لمودريتش وبقية اللاعبين رأي آخر لتصحيح هذه الصورة، وإلى أن تعود الأمور إلى نصابها الصحيح، ترى من المسؤول الأكبر عن المعاناة الحالية… بيريز أم لوبيتيغي أم بنزيمة ومن هبط مستواهم؟ أم المسؤولية مشتركة؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية