«يوم الدين»… أوديسة مصرية أقرب إلى سينما المؤلف

عدنان حسين أحمد
حجم الخط
1

الجونة: عُرض ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة لمهرجان الجونة في دورته الثانية، فيلم «يوم الدين» للمخرج المصري أبو بكر شوقي، الذي استوحاه من فكرة فيلمه الوثائقي «المستعمرة» الذي أنجزه عام 2009، وهو لم يخرج بعيدا عن إطار ثيمته السابقة التي تتحدث عن معاناة الناس المصابين بمرض الجذام، لكنه لوى عنق هذه الفكرة في فيلمه الروائي الطويل الأول «يوم الدين» ومنحه بُعدا إنسانيا يندر أن تجده عند أقرانه ومجايليه من المخرجين المصريين الشباب، على وجه التحديد.

الفيلم ينتمي إلى سينما المؤلف فهو كاتب السيناريو ومخرج الفيلم من جهة، كما أن لمساته وأفكاره الأخرى تسللت إلى متن التصوير، والمؤثرات الصوتية والبصرية، ولا بد أنه كان حاضرا في عملية المونتاج، التي منحت الفيلم سلاسة في التدفق، وعفوية واضحة في أداء الممثلين، خاصة بشاي «راضي جمال» وأوباما «أحمد عبد الحافظ»، إضافة إلى الشخصيات الأخرى مثل الممرضة، والشحّاذ، ووالد بشاي، ورجال الشرطة، والسجين الذي سيهرب برفقة بشاي. وأكثر من ذلك فإن الفيلم يعتبر من أفلام الطريق الناجحة، التي تطوف بالمُشاهد في مدن وقرى الجنوب المصري مثل، سوهاج وقنا وعدد غير قليل من القرى المصرية التي نشاهدها على ضفتي النيل.

قصة محبوكة

لا شك في أن قصة الفيلم رصينة ومحبوكة جدا وهي تكشف عن كاتب سيناريو يعرف ماذا يريد بالضبط، وهو قادر على تحويل البؤرة القصصية أو الحكائية إلى خطاب بصري يمنح المُشاهد متعة إضافية، خصوصا إذا كانت القصة تنطوي على جانب درامي ومأساوي يحرك مشاعر المتلقين. يقدّم المخرج بطله بشاي بطريقة مغايرة للمألوف، فعلى الرغم من مأساوية الحدث إلا أن القصة تنأى بنفسها عن السقوط في الفخّ الميلودرامي، الذي يقود المشاهد إلى البكائيات، ولو تمعّنا جيدا في شخصية بشاي لوجدناها إيجابية، ومُحبّة للحياة، ومُشاركة فيها. ففي إطلالته الأولى نعرف أنه شُفي من مرض الجذام، لكنه ما يزال يحمل آثاره التي غيّرت ملامح وجهه، وهو يرفض بشدة أن يغادر المستعمرة بعد أن تماهى مع المرضى الآخرين، الذين يجد نفسه فيهم. كما توّلدت لديه علاقات حميمة لا يستطيع أن يتخلص منها بسهولة مثل، أوباما الذي صار يشبه ظله ولولاه لما نجحت هذه الرحلة الطويلة في الجنوب المصري.
كان بشاي يعتاش على بيع الحاجات القديمة التي يجدها في القُمامة كل يوم. وكان سعيدا وراضيا بمكسبه المادي، على الرغم من ضآلته. وحين تموت زوجته يقرر مغادرة المستعمرة بحثا عن أهله وذوية الذين تخلوا عنه وهو طفل صغير لا يتذكر أي شيء، فكيف ستكون تجربة العودة إلى مسقط رأسه؟ لم تكن القصة رتيبة وإنما حُبلى بالأحداث والمفاجآت الكثيرة، التي تمنح الفيلم نكهة مميزة لا تخلو من انتقادات حادة، وسخرية لاذعة من بيروقراطية الدولة، وديمقراطيتها الحديثة، واهتمامها بالمواطنين البسطاء وما إلى ذلك. وحينما يصل إلى أسرته في قنا، ويتم الاحتفال بمقدمه ووصوله سالما، بعد أن ظنّوه مات بسبب هذا المرض العضال. وخلافا لتوقعات المُشاهدين الذين يعتقدون بأن بشاي سيبقى في قريته النائية ليواصل ما تبقى من حياته هناك، نراه يقرر العودة إلى المستعمرة ليعيش بين الناس الذين تربى بينهم، وعرفهم عن كثب.

حذاقة الصورة

يراهن المخرج أبو بكر شوقي على الصورة السينمائية، التي تعمل وفق البنية الدرامية للحدث، فهما، أي الصورة والحدث متضّامان، ومتواشجان، فالصورة تريد أن تعبّر عن الحدث وتتفوق عليه، لأن هدف المخرج أبعد من حدود الروي أو الكلام، وقد ساعدته البيئات المختلفة في تحقيق هذا الحلم البصري، الذي سيظل عالقا في ذاكرة المتلقين. تقترب ثيمة الفيلم من هدف مهرجان الجونة المتمثل باستقطاب الأفلام ذات المضمون الإنساني، ولا أعتقد أن هناك فيلما مشاركا في هذه الدورة في الأقل أكثر إنسانية من ثيمة هذا الفيلم وفكرته الموجعة التي تحرّك المشاعر، وتلامس الوجدان. ولو أنصفنا الفيلم لقلنا إن شخصيتيه الرئيستين لا تخلوان من فُكاهة، وخفة ظل، بل إنهما تحتفيان بالحياة وتعيشانها بكل الاتجاهات ولهذا قرّرتا، مع سبق الترصد والإصرار، العودة إلى نقطة الانطلاق، واستئناف حياتهما من جديد.
عرض الفيلم في مهرجان «كان» هذا العام ورُشح لجائزة الأوسكار ممثلا لمصر، وهو الترشيح الثاني بعد فيلم «الموقعة» ليسري نصرالله عام 2012، ويلقى هذا النمط من الأفلام حظا أوفر في الفوز في الغرب الأوروبي الذي يرصد هذه الثيمة بعين العطف والمحبة والاهتمام.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول balli_mohamed maroc casa:

    بعض السطور ادا سمح لنا المنبر المحترم المتميز والدي يبحت عن الجديد ودائما جديد السينما الحديثة الصور الثي تعالج الصور الثي تتحدث عن واقع ما الصور المسلية بلغة العقل السينما عيون لاتنام لابالليل ولابالنهار ان لم تكن في الشرق فهي في الغرب وان لم تكن في الغرب فهي في الشرق وان لم تكن في الشرق فهي في الشمال وان لم تكن في الشمال فهي في الجنوب نشاط فني لايتوقف ولايمكن ابد ا سواء كان الدعم اولم يكن من اليوم الآول الدي اعلن فيه عن خلق جائزة متميزة عن الجوائز دهبية فضية وسميت بأسم اوسكار والمنافسة قائمة بين الصور السينمائية وبمختلف الجنسيات صحيح هناك صور ترسم في اكثر من دولة لقطة هنا ولقطة هنا ولقطات هناك وتدخل السينما المصرية في الوسط ومن حقها لآن لها تاريخ طويل اظهرت مخرجين مصريين في المستوى الجيد وممثلين كدالك التحقوا بالسينما العالمية وهده الصورة وباختصار الثي تناولها الكاتب بالشرح هي واحدة قد تصل يوما السينما المصرية للجائزة العالمية وهد ا نتخيله شكرا للمنبر.

إشترك في قائمتنا البريدية