مستقبل العراق من أجندة الطاقم الرئاسي الجديد

للمرة الأولى في تاريخه يختار البرلمان العراقي، بأغلبية ساحقة من الأحزاب غير الكردية، السيد برهم صالح ممثلا للمكون الكردي، رئيسا للعراق، حيث يعد هذا التغير في طريقة انتخاب ممثل الكرد لمنصب الرئاسة مباشرة من قبل الأحزاب العربية، تحولا كاملا، وخروجًا واضحاً عن الطرق المتبعة في شكل وأسس العملية السياسية، في انتخاب السياسيين العراقيين للمراكز الثلاثة الرئيسية للدولة العراقية الجديدة.

وللمرة الأولى في تاريخ العملية السياسية التي وضع أسسها بول بريمر، عيّن رئيس الدولة المنتخب بدوره مباشرة بعد أدائه للقسم، رئيساً للوزراء وكلفه بتشكيل الحكومة المقبلة، على الرغم من أن رئيس مجلس الوزراء المكلف السيد عادل عبد المهدي، هو أول رئيس وزراء مكلف لا ينتمي إلى حزب الدعوة الإسلامي منذ انتخابات عام 2005 .وإذا كانت هذه الترشيحات قد تميزت بالسرعة والتخبط في عملها، نتيجة لمتطلبات الحالة التي وصلت بالمشهد السياسي العراقي المُنفجر  إلى انتفاضة البصرة، يبدو أن عملية ترشيح هذه المناصب جرى تنظيمها خلف الكواليس، توافقاً مع التطور الحاصل في مسلسل الصراع الأمريكي ـ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، ووصوله إلى مرحلة متقدمة في العراق، بعد قرب دخول الجزء الثاني من العقوبات الاقتصادية على إيران حيز التنفيذ، وهذا ما قد يرجح تزامن حدوثه ودخوله ضمن الأسباب الأولى التي دفعت الجانب الأمريكي لتسهيل وصول هذه التشكيلة السياسية إلى قمة هرم السلطة، حيث تزامنت هذه التغيرات مع تصريح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في الأسبوع نفسه “بأن واشنطن تعمل على ضمان أن يكون تشكيل الحكومة الجديدة خارج النفوذ الإيراني”.

 تشبث زعماء الأحزاب العراقية بالإبقاء على حصصهم من المناصب الوزارية عائق في ولادة الحكومة المستقلة المقبلة

في الوقت نفسه، عززت الخطوة الدعائية المتمثلة في طلب رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة الجديدة، من خلال دعوة العراقيين للترشيح عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، حالة التخبط الناتجة من ازدياد واتساع نقمة الشارع العراقي من الطبقة السياسية. وعلى الرغم من اعتبارها من قبل البعض، بمثابة بصيص أمل، وفرصة لتشكيل حكومة ديمقراطية قادرة على إعادة حقوق العراقيين، بيد أن حقيقة العملية السياسية وطبيعة الصراع بين الأحزاب السياسية وتبعيتها للقوى الخارجية، والتصريحات الإعلامية لزعماء هذه الأحزاب، أطفأ آخر بصيص من هذا الأمل.

من هنا أصبح واضحا، أن تشبث زعماء هذه الأحزاب بالإبقاء على حصصهم من المناصب الوزارية سيشكل عائقا في ولادة الحكومة المستقلة المقبلة، إذا أخذنا بعين الاعتبار مكانة وقوة هذه الأحزاب السياسية التقليدية وهيمنتها المُطلقة داخل مؤسسات الدولة، حيث بات من الصعوبة تشكيل الحكومة المقبلة في العراق من خلال الترشح الإلكتروني، حتى لو كان المرشح مؤهلاً، نتيجة للدور الكبير الذي تلعبه الأحزاب وزعماء المليشيات المتنفذة، وأهمية الدعم الإيراني لهم للاستمرار في الحفاظ على كراسي السلطة، الأمر الذي من شأنه أن يمنح العملية السياسية من خلال النظام المقبل، إمكانية دعم موقف طهران الإقليمي، بإضعاف التأثير الأمريكي من جهة، واستمرار الوصول إلى الثروات في واحد من أغنى دول العالم وأكثرها فساداً وفقراً. وهنا لا بد من التذكير بموقف زعماء هذه الأحزاب الواضح والصريح من التصعيد الأخير للإدارة الأمريكية لخطابها ضد طهران، وانتقاداتها لإشكالية إعادة فرض العقوبات عليها، في خضم أزمة تشكيل الحكومة المرتبط بدائرة الصراع الأمريكي ـ الإيراني على أرض العراق. وهذا ما يعتبر بمثابة رد فعل على سياسة واشنطن تجاه طهران وإنذار استباقي للحكومة العراقية الجديدة للحد من نفوذ إيران في العراق.

في المقابل، وعلى الرغم من التفاؤل الإيراني من وصول صديق قديم لرئاسة الوزراء، كمرشح وسط يتقاسم الطائفية السياسية مع الأيديولوجية الغربية، يبدو أن عملية اختيار برهم صالح وعادل عبد المهدي، تهدف في مضمونها، إلى إعادة النظر في طبيعة العملية السياسية العراقية، من خلال تهدئة الموقف العراقي وإبعاده من مربع الصراع العسكري المباشر بعد تهديدات المليشيات التابعة لإيران بالتعرض للقوات الأمريكية في العراق، نتيجة لقرب موعد المباشرة بالجزء الثاني من العقوبات الأمريكية على إيران، إذا أخذنا بعين الاعتبار الخلفيات السياسية المتعددة لرئيس الوزراء المكلف، التي لم تقف حدودها وعلاقاتها مع الجانب الإيراني بقدر ما يبدو جلياً، عن قربها الواضح من الأيديولوجية الغربية في رؤيتها لمستقبل العملية السياسية في العراق. لا شك في أن قرار إدارة الرئيس الأمريكي ترامب في محاربة إيران وطردها من العراق، لا يعني القدرة في النجاح على إنهاء النفوذ الإيراني، حيث تعلم الولايات المتحدة الأمريكية جيدا حجم وتأثير الأحزاب والجماعات المسلحة الكبير التي دفعت بها إيران داخل العملية السياسية ونظام الحكم في بغداد. كما أن في غياب إرادة أمريكية عسكرية واضحة تجعل من المراهنة على العامل الاقتصادي من خلال العقوبات وضرب الاقتصاد الداخلي الإيراني أمراً حاسماً لحسر نفوذها في العراق.

ونتيجة لهذه المعطيات ترجم قبول تكليف رئيس الوزراء الجديد عن إرادة الإدارة الأمريكية في استمرار العملية السياسية في شكلها الحالي، للتركيز على إضعاف النفوذ الإيراني اقتصاديا لكسب الوقت للوصول إلى عزله وقطع أذرعه من خلال العقوبات الأمريكية، التي يتم إعادة وضعها بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية النووية لعام 2015. لهذا، فمن الأرجح أن يشمل التغيير في طبيعة النظام العراقي، وجوه العملية السياسية الذي من شأنه إفشال تحويل العراق إلى ساحة صراع عسكري بين إيران والولايات المتحدة، من أجل السيطرة والنفوذ وتسوية الحسابات في العراق، لما يمثله هذا الصراع كأحد أكبر التحديات التي تواجه العراق المُنقسم سياسياً والمُقسم عرقيا وطائفيا. بانتظار تأثير العقوبات على الاقتصاد الداخلي الإيراني لإنهاء تدخلها في العراق. لم يعد خافيا في أن النفوذ الواسع لإيران في العراق جاء بقوة الطائفية والسلاح، ولم يدخل في ضمائر وقلوب العراقيين، حيث ترجمت انتفاضة العراقيين في البصرة مدى الرفض الشعبي للعديد من الأحزاب والميليشيات المدعومة من إيران، لتكشف حقيقة طبيعة وزيف وحدة تحالف التيارات العرقية والطائفية المجزأ في القاعدة الشعبية. وهذا قد يُمثل بحد ذاته إشارة واضحة للاستراتيجية الجديدة عما يراد تنفيذه من الطاقم المُكلف للعملية السياسية المقبلة.

يبقى السؤال عن مدى قدرة الحكومة العراقية المقبلة في معارضة الضغوط الإيرانية الهادفة إلى إعادة تدوير أحزابها في السلطة، وإذا ما سيتم منع زعماء المليشيات وأحزاب إيران من الحصول على مراكز مهمة في الحكومة، تنفيذاً لقرارات لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي الأخيرة لتنفيذ تمرير تشريع “الكونغرس الأمريكي” الذي من شأنه إبعاد زعماء المليشيات التي تشكل تهديدًا للعنف في العراق، لهذا، وجب على العراقيين، السعي إلى إبعاد العراق من ساحة معركة إيران والولايات المتحدة، اللتين تتنافسان من أجل السيطرة والنفوذ، وتسوية الحسابات القديمة في العراق.

*كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    الرئآسات الثلاث بالعراق تخدم المشروع الامريكي في تحجيم دور إيران بالعراق !! ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية