لندن – “القدس العربي”: ضاعفت وسائل الإعلام الرياضية بمختلف أنواعها، الزخم والتغطية الإخبارية الخاصة بالجولة الثالثة لدوري مجموعات دوري أبطال أوروبا، لكثرة الصدامات العاطفية والثأرية التي يترقبها وينتظرها عشاق كرة القدم الحقيقية على أحر من الجمر يومي الثلاثاء والاربعاء لهذا الأسبوع، كأفضل مكافأة وتعويض بعد عقوبة أسبوع الفيفا، التي تأتي دائماً بالدمار والخراب على الأندية بفيروس إصابات العطلة الدولية، بجانب إفساد الحياة في ملاعب الدوريات الخمسة الكبرى وحرمان المشاهدين من متعة الكأس ذات الأذنين كلما ارتفع النسق وزاد التنافس بين الجبابرة.
جولة النوستالجيا
عندما تُلقي نظرة عابرة على جدول مباريات منتصف الأسبوع، لن تندهش كثيرا من عنوان المادة. نحن المهووسين بالمستديرة المجنونة، كأغلب البشر، نتأثر كثيرا وتعتصر قلوبنا وتتحرك مشاعرنا بوجع وألم بشكل غير إرادي مع الحنين إلى الماضي، وبعد غد الثلاثاء، سيكون أشهر رياضي في العالم كريستيانو رونالدو، على موعد مع 90 دقيقة من “النوستالجيا” الخالصة، عندما يزور ملعب “أولد ترافورد” للمرة الثانية، كمنافس لدود، بعد زيارته الأولى، التي خاضها تحت شعار “بلا رحمة”، متجاهلاً ما يُسمى في مصر “العيش والملح” وذكريات عشرينات العمر الجميلة مع من يعتبره “الأب الروحي” سير أليكس فيرغسون، فقط طَبق في مُعلمه المقولة الشهيرة “علمته الرماية ولما اشتد ساعده رماني”، وهو يتقمص دور القاتل البريء بأتم معنى الكلمة، بامتناعه عن الاحتفال بهدف فوز وصعود ريال مدريد للدور ربع النهائي للأبطال في نسخة 2012-2013، على حساب اليونايتد في آخر ظهور لفيرغسون على المستوى الأوروبي. والمشكلة الجديدة التي ستواجه صاروخ ماديرا، حاجته الشخصية لإشباع غريزته التهديفية في بطولته المُفضلة، لتعويض البداية المُخيبة للآمال، التي أسفرت عن طرده في اللقاء الافتتاحي ضد فالنسيا، وإيقافه في لقاء الجولة الثانية أمام يانغ بويز السويسري، هذا في الوقت الذي يقترب فيه ليو ميسي من معادلة أهداف الدون في البطولة الأوروبية، بالوصول لهدفه الشخصي 105، ليتقلص فارق الأهداف بينهما لـ15 هدفا، بتوقف رونالدو عند الهدف الـ120، الذي سجله في مرمى فريقه الحالي من علامة الجزاء، بعد احتساب ركلة جزاء مُثيرة كلفت جانلويجي بوفون بطاقة حمراء في الوقت المحتسب بدل الضائع، في موقعة إياب ربع نهائي الموسم الماضي.
رونالدو: مُجبر أخاك لا بطل
بخلاف حاجته لإشباع غريزته التهديفية، والصورة المُخيفة التي رسمها لنفسه كلما استمع لنشيد دوري الأبطال مساء الثلاثاء أو الأربعاء، فهو مُطالب أمام جماهير يوفنتوس، بفك عقدة زعيم الإنكليز على المستوى المحلي، والأخذ بالثأر من ليلة السقوط المُفزع أمام دوايت يورك وأندي كول ومن خلفهما القائد المُحنك روي كين في نصف نهائي 1998-1999. ومن لا يتذكر هذه الملحمة التاريخية، فمباراة الذهاب على “أولد ترافورد” كانت في طريقها للانتهاء بهدف المدرب المُثير الحالي أنطونيو كونتي، لولا هدف الإنقاذ الذي سجله الأسطورة رايان غيغز في الدقيقة 90، ليأتي موعد الحسم على ملعب “ديلي آلبي”، الذي شهد أصعب وأقسى ريمونتادا مرت على مشجعي السيدة العجوز، بعد احتفالاتهم الصاخبة بهدفي السوبر فيليبو إنزاغي في أول 11 دقيقة، لترتد الفرحة في صدورهم بثلاثية افتتحها المحارب كين في منتصف الشوط الأول وتبعه بعشر دقائق يورك بهدف التعديل، قبل أن تأتي الصاعقة من كول قبل نهاية المباراة بسبع دقائق فقط، ليضيع على جيل أليساندرو ديل بييرو فرصة ذهبية، بالوصول للنهائي 4 مرات متتالية، بينما كتب فيرغسون ورجاله التاريخ بقهر بايرن ميونيخ بنفس الطريقة في نهائي “كامب نو” الغني عن التعريف، حتى عندما تقابلا في دور المجموعات في نسخة 2002-2003، انحنى اليوفي في بلاد الضباب بهدفين لهدف، وفي عقر داره سقط بثلاثية نظيفة، وهذا في حد ذاته، يُضاعف من أهمية وقيمة المباراة بالنسبة للنجم البرتغالي، على الأقل ليُعطي جماهير ناديه رسالة طمأنينة على حلمهم المتعثر منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، بخلاف رد اعتبار سيدة إيطاليا العجوز أمام شياطين مانشستر، لكن مقابل ذلك، سيدفع ناديه السابق فاتورة باهظة الثمن، قد تَصل لعزل جوزيه مورينيو من سُدّة حكم “مسرح الأحلام”، لا سيما إذا فاز فالنسيا على يانغ بويز في المباراتين المُقبلتين، وتمكن في النهاية من مرافقة العملاق الإيطالي للأدوار الإقصائية النهائية، إن أفلت “سبيشال وان” من الإقالة في منتصف الموسم، ففي الغالب لن يستكمل عقده مع النادي إذا لم يُنقذ رقبته بالمنافسة بكل قوة وشراسة على لقب البريميرليغ قبل فوات الأوان، أما رونالدو فلن يلومه أحد، وسيكون لسان حاله مع جماهير اليونايتد: مُجبر أخاك لا بطل، إلا إذا استعاد مورينيو ورجاله روح ريمونتادا نيوكاسل، ونجحوا في رد الصاع صاعين لرونالدو بعد انتصاره الأخير بقميص ريال مدريد.
نوستالجيا × نوستالجيا
لن تقتصر مشاعر النوستالجيا على رونالدو ومشجعي مانشستر يونايتد، بل ستكون في المباراة ذاتها وبنفس درجة العاطفة بين مشجعي يوفنتوس وولدهم بول بوغبا، الذي هرب من رديف اليونايتد عام 2012، ليجد من يحنو عليه، ويمنحه فرصة العمر، ليضع قدميه على باب النجومية الحقيقية، بمستوى أكثر من رائع على مدار 4 سنوات، حقق خلالهم كل البطولات الجماعية، باستثناء لعنة الكأس ذات الأذنين، حين خسر النهائي أمام برشلونة في الملعب برلين الأولمبي، والآن. هو الآخر مُطالب ببذل كل ما في وسعه لإنقاذ سمعته أمام الجماهير قبل مساهمته في تحسين النتائج، فمنذ بداية الموسم، يواجه انتقادات حادة جدا، لتذبذب مستواه من شوط لآخر وليس من مباراة لأخرى، ناهيك عن أزمته الشهيرة مع مورينيو، التي ربحها الأخير أمام الجمهور وغيرها من الأشياء التي تُجبره على تقديم أفضل ما لديه في هذه المباراة بالذات، لتكون طوق نجاة له وللفريق، وتُعطيهم دفعة معنوية هائلة للمضي قدما نحو الطريق الصحيح، وبقدر ما ستفرح جماهير اليونايتد بتوهج وتألق نجمها أمام فريقه السابق، بنفس القدر، سيُخيم الحزن على جماهير يوفنتوس، وفي اليوم التالي، سيعيش مهاجم باريس سان جيرمان إدينسون كافاني نفس الشعور، عندما يستضيف زملائه السابقين في نابولي على ملعب “حديقة الأمراء”، في مباراة لا تقبل القسمة على اثنين بالنسبة للفريق، لحاجة كلا المدربين للثلاث نقاط، لإثبات أحقيته في اعتلاء صدارة المجموعة النارية، بالنسبة لكارلو أنشيلوتي، الذي سيُقاسم كافاني مشاعر النوستاليجا مع جماهير باريس سان جيرمان، بصفته المؤسس الحقيقي لمشروع رجل الأعمال القطري ناصر الخليفي، فهو في أمس الحاجة للثلاث نقاط، ليضمن الصدارة حتى إشعار آخر، بغض النظر عن نتيجة مواجهة ليفربول والنجم الأحمر، كذلك المدرب الألماني توماس توخيل، لا يُريد سوى الثلاث نقاط لتفادي كارثة الخروج المُبكر من البطولة الأهم بالنسبة لرئيس النادي، وهذا يعكس لنا مدى صعوبة وحرج موقف هؤلاء المُطالبون بذبح فرقهم السابقة.
الثأر والانتقام
صحيح العاطفة ستكون طاغية في أهم معارك الثلاثاء والأربعاء، لكن هناك مواجهات ثأرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، منها اللقاء الذي يبدو على الورق في المتناول، الذي سيجمع بطل أوكرانيا شاختار دونيتسك بضيفه الإنكليزي مانشستر سيتي، فهو واقعيا لا يبدو على الورق، أولاً بيب غوارديولا ورجاله يُريدون استكمال صحوة الانتصارات بالفوز على هوفنهايم في عقر داره، بعد البداية المتواضعة بالسقوط أمام ليون الفرنسي على ملعب “الاتحاد” في واحدة من أسوأ وأتعس عروض “السيتيزينز” تحت قيادة الفيلسوف الكاتلوني، ثانيا الثأر لهزيمة اللقاء الختامي لمرحلة مجموعات الموسم الماضي، وقبل أي شيء، يسعى السيتي للعودة بالثلاث نقاط، ليُثبت بشكل عملي جديته في تخطي المجموعات والذهاب بعيدا في البطولة، على غرار ما حدث مع مانويل بيليغريني، صاحب إنجاز الوصول لنصف النهائي موسم 2015-2016، وإلا ستكون العودة بنتيجة سلبية، بمثابة جرس إنذار حقيقي يُهدد بالخروج المُبكر، ولا ننسى الثورة التي قامت بها إدارة الفريق الأوكراني، بتجديد دماء الفريق الصيف الماضي، ليظهر بالشكل الجيد الذي كان عليه في أول مباراتين أمام هوفنهايم وليون (تعادل في المباراتين بنتيجة 2-2)، ما يعني أن فريق السكاي بلوز، سيكون في اختبار لا يُحسد عليه، أما المباراة الثأرية الأهم هذا الأسبوع، هي قمة برشلونة والإنتر التي سيستضيفها ملعب “كامب نو”، التي ينتظرها البرغوث ليونيل ميسي، للانتقام من الأفاعي، الذين تسببوا في دخوله في نوبة بكاء غير مسبوقة بعد إزاحته من نصف نهائي نسخة 2009-2010. وما يُعطي مؤشرات أن المواجهة ستكون خارج التوقعات، الحالة الجيدة التي يمر بها الفريق الإيطالي مع مدربه لوتشيانو سباليتي، منذ العودة من عطلة سبتمبر الدولية، والتي أسفرت عن 6 انتصارات متتالية، منهم 4 على مستوى جنة كرة القدم، واثنين في الأبطال، في المقابل، يعيش النادي الكاتلوني فترة من عدم الاستقرار على مستوى النتائج المحلية، تجلت في حصول حامل لقب الليغا على ثلاث نقاط فقط في آخر أربع جولات قبل عطلة أكتوبر الدولية، لكن المُطمئن للمشجعين، الصورة الجيدة التي يظهر بها في الكأس ذات الأذنين.
ميسي يُغرد بمفرده
رغم تخبط برشلونة بشكل غير متوقع في مباريات الأخيرة في الليغا، إلا أن ميسي ظل يُغرد بمفرده، بدليل أنه بمفرده سجل 11 هدفا في 11 مباراة في كل البطولات حتى وقت كتابة هذه المادة، بواقع هدف في كل مباراة، منهم 6 أهداف يعتلي بهم صدارة هدافي الدوري الإسباني، في حملة الدفاع عن جائزة الحذاء الذهبي لأفضل هداف في الدوريات الأوروبية، والأهم من أهدافه، المستوى الخيالي الذي وصل إليه مؤخرًا، تشعر أنه كلما تسلم الكرة في منتصف ملعب المنافس، أن هناك شيء ما مُزعج وخطير ينتظر الدفاع وحارس الخصم، أقل ما يُمكن قوله، يُقدم كرة قدم مُختلفة عن الكرة التي يُقدمها كل نجوم الأرض بدون استثناء، وفي هذا التوقيت المثالي بالنسبة لليو، أمامه تحدٍ خاص بضرورة فك شفرة شباك النيراتزوري، كما فعل الموسم الماضي مع بوفون ومع تشلسي، إذ تقول لغة الأرقام، أنه من مشاركته في 3 مباريات من أصل 4 مواجهات مباشرة بين الفريقين في موسم 2009-2010، عجز عن التسجيل، لكن مساء الأربعاء، ستكون أمامه فرصة ذهبية لحل هذا اللغز، ومنها سيضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، بمجموعة من الأرقام القياسية، منها تجاوز عدد أهداف عدو الملاعب كريستيانو رونالدو، بتسجيل أكبر عدد من الأهداف في البطولة بقميص واحد. حتى هذه اللحظة، متعادلان بتسجيل 105 هدفا بقمصان البلوغرانا والنادي الملكي، مع الاستمرار في ملاحقة الدون على صدارة هدافي البطولة بوجه عام، كما أن مساهمة ميسي في تجاوز الأفاعي، ستساعد فالفيردي على ترتيب أوراقه، وتأمين مستقبله، بعد سيل الشائعات التي طاردته في أعقاب سلسلة النتائج السلبية الأخيرة، وفي نفس الوقت، ستُثبت من جديد أن التركيز على الأبطال أهم من الليغا وكأس الملك، بعد الحرج الشديد الذي سببه الريال للبارسا وجماهيره، باحتكار الكأس 3 مرات متتالية و4 مرات في آخر 5 سنوات، مقابل مرة يتيمة للعملاق الكتالوني طوال هذه المدة، وهذا يبدو واضحا لكل من يُشاهد مباريات البرسا هذا الموسم، يُلاحظ دائما فارق كبير بين رغبة وروح اللاعبين في الأبطال وفي الدوري المحلي.
مواجهات شبه مصيرية
لا خلاف أبدا على أن نتيجة مباراة الريال ضد فيكتوريا بلزن لن تؤثر على حظوظ الريال في مرافقة الكبار لدور الـ16، سواء فاز أو تجرع من كأس الهزيمة للمباراة الثانية على التوالي بعد السقوط أمام سيسكا موسكو، سيبقى المُرشح الأوفر حظًا للصدارة وليس حتى للوصافة، لكن دعونا نتخيل رد فعل الرئيس فلورنتينو بيريز، إذا استمرت فصول جولين لوبيتيغي الباردة، فمن المؤكد سيُعّجل رجل الأعمال الإسباني بعملية البحث عن البديل، كما فعلها من قبل مع أكثر من مدرب، آخرهم رافا بنيتيز، لذا، سيتعامل مدرب المنتخب الإسباني مع هذه المواجهة، باعتبارها مصيرية وربما مفصلية في مغامرته مع الميرينغي، ومثله بالكربون مدرب بايرن ميونيخ نيكو كوفاتش، الذي يواجه خطر الإقالة ربما أكثر من جوزيه مورينيو ولوبيتيغي بتدهور الأداء والنتائج على الصعيد المحلي، بخسارة مباراتين متتاليتين أمام هيرتا برلين وبوروسيا مونشنغلادباخ بنتيجة 2-0 و3-0، وقبلها تعثر أمام أوغسبورغ بهدف لمثله، وفي المنتصف، تعادل أمام أياكس في الجولة الثانية لدوري الأبطال، لذلك، لا يوجد خيار أمامه سوى العودة من بلاد الإغريق بالثلاث نقاط في مباراته الهامة ضد آيك أثينا، وإلا قد يُعيد التاريخ نفسه، كما فعلت الإدارة في مثل هذه الفترة من العام الماضي، عندما طردت كارلو أنشيلوتي لنفس لظروف مشابهة للوضع الحالي، أما اللقاء الذي سيكون ضحية المواجهات الكبرى، هو صدام بوروسيا دورتموند الذي يلعب بطريقة هجومية بحتة تحت قيادة المدرب لوسيان فافر، باعتماده على الجوهرة الإنكليزية غادون سانشو ومعه مفاجأة الموسم باكو ألكاثير، الذي عاد إلى الحياة بعد خروجه من برشلونة، وبقية العناصر التي تُقدم كرة هجومية رائعة، هؤلاء سيستضيفون ملوك الدفاع أتلتيكو مدريد ومدربهم دييغو سيميوني، المعروف عنه براعته في مثل هذه المواجهات التي تُحسم بتفاصيل بسيطة، ونفس الإثارة ستكون حاضرة في معركة هوفنهايم وليون وأياكس وبنفيكا، أما جُل المباريات الأخرى، يُمكن اعتبارها متوسطة المستوى، أو بمعنى أدق من النوع السهل توقعه، إلا إذا كان لكرة القدم رأي آخر، مثل مباراة ليفربول والنجم الأحمر… التوقعات تصب في مصلحة الريدز، ومباراة روما وسيسكا موسكو، الفريق الإيطالي يبدو الأوفر حظا، وغيرها من المباريات على نفس الشاكلة، والسؤال الآن: بعد هذا الاستعراض لجولة النوستالجيا والثأر، هل تستحق فعلاً الهالة الإعلامية الزائدة عن الجولتين الماضيتين؟