تونس- “القدس العربي” من حسن سلمان:
دعت حركة “النهضة” التونسية جميع الأطراف السياسية للمشاركة في حكومة يوسف الشاهد الجديدة التي يفترض الإعلان عنها خلال أيام، كما أكدت حرصها على إتمام مسار العدالة الانتقالية، لتحقيق المصالحة الوطنية “بعيدا عن التشفي والانتقام”، في وقت شهد فيه البرلمان التونسي تراشقا بين نواب “نداء تونس” و”النهضة” حول استمرار عمل هيئة الحقيقة والكرامة.
وأصدرت حركة “النهضة” بيانا أكدت فيه “تمسكها بموقفها الداعم للاستقرار الحكومي وضرورة الإسراع بإنجاز التحوير الوزاري بما يحقق الاستقرار السياسي والاجتماعي حتى تتفرغ الحكومة للاستحقاقات الوطنية واتخاذ الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية من أجل الضغط على الأسعار وتحسين معيشة المواطنين. وحرصها على مواصلة الحوار والتشاور مع كل الأطراف السياسية والاجتماعية ودعوتها كل الأطراف الى المشاركة في حكومة الائتلاف الوطني برئاسة يوسف الشاهد”.
كما أكدت الحركة “حرصها على إتمام مسار العدالة الانتقالية وإنصاف الضحايا وتسوية الملفات العالقة بعيدا عن التشفي والانتقام، وتحقيقا للمصالحة الوطنية الشاملة التي تحتاجها بلادنا وديموقراطيتنا الناشئة”.
وجاء البيان الذي أصدره المكتب التنفيذي للحركة بعد ساعات من جدال كبير داخل البرلمان التونسي، تسبب بتعطيل الجلسات، وخاصة بعد إعلان كتلتي “نداء تونس” و”مشروع تونس” تعليق نشاطهما داخل البرلمان إلى أن يتم “تفعيل” قرار المجلس المتعلق بإنهاء أعمال هيئة الحقيقة والكرامة، وذلك احتجاجا على إعادة محاكمة بعض رموز نظام بن علي وفق قانون العدالة الانتقالية.
وشهدت الجلسة تراشقا بين النائب عن كتلة “نداء تونس” فاضل بن عمران، وزميله حسين الجزيري النائب عن كتلة حركة “النهضة”، حيث اعترض الجزيري على دعوة بن عمران لرئيس البرلمان إلى مطالبة رئيس الحكومة يوسف الشاهد بتفعيل قرار البرلمان القاضي بإنهاء أعمال هيئة الحقيقة والكرامة، فردّ بن عمران مخاطبا الجزيري: “لماذا تدافع عن الشاهد؟ فهو ليس أمك ولا أبوك!”.
فيما خاطب النائب عن حركة “النهضة” سمير ديلو رئيس البرلمان محمد الناصر بقوله: ”لقد ورّطوك – سيدي رئيس المجلس – في جلسة سابقة متعلقة برفض التمديد لعمل هيئة الحقيقة والكرامة ستبقى وصمة عار في تاريخ العمل النيابي في تونس. ويريدون اليوم توريطك مرة أخرى من أجل التدخّل في سير القضاء وإرسال تعليمات للحكومة وهو ليس من صلاحياتك أو صلاحيات المجلس”، في إشارة إلى حزبي “النداء” و”المشروع”.
واعتبر ديلو أن ما صوت عليه البرلمان في آذار/مارس الماضي حول رفض التمديد لعمل هيئة الحقيقة والكرامة “لا يعني شيئا” وأوضح بقوله “لم توضّحوا في المراسلة التي تم توجيهها إلى رئاسة الحكومة ما نتج عن جلسة التصويت إن كان قانونا أو قرارا. وذلك ليس بسبب السهو بل لأنّ ما تم في الجلسة ليس قرارا أو قانونا هو لا شيء ولا يدخل في أي صنف قانوني لأنّه افتقد لنصاب الانعقاد والتصويت”.
وأضاف: ”لماذا تم توجيه المراسلة إلى رئاسة الحكومة؟ لماذا لم توجه للمجلس الأعلى للقضاء أو رئيس الدائرة المختصة في المحكمة الابتدائية في تونس؟ من يتحدثون اليوم عن الهيئة لماذا لم يتوجّهوا مباشرة للهيئة؟”.
ودوّن عبد اللطيف المكّي النائب عن حركة “النهضة” على حسابه في موقع “فيسبوك”: “تعالت أصوات بعض أسوأ التجمعيين (نسبة إلى نظام بن علي) ضد العدالة الانتقالية والسبب بسيط، لأنها عرضت بعض فضائحهم على المحاكم والرأي العام ابتداء من جريمة الشهيد عثمان بن محمود والشهيد كمال المطماطي الى قضايا الشهداء الشماخي والعمري والجوهري وشهداء الثورة الذين أعدموا خارج إطار القانون وبطريقة وحشية غير إنسانية”.
وأضاف: “هذه الأصوات كانت مشاركة في كل جرائم النظام السابق في حق الشعب والحداثة والقيم الانسانية السامية من خلال انتمائهم لمختلف الطواقم السياسية للنظام في الحزب والدولة. لقد كانوا شركاء في قمع الحريات وفي المحاكمات السياسية الظالمة التي زجت بعشرات الآلاف من التونسيين في السجون أو أجبرتهم على الهجرة وأعدمت خارج نطاق القانون أو عبر محاكمات غير عادلة عشرات التونسيين. هل نسوا أنهم كانوا متواطئين مع عائلة بن علي في فسادهم وفي إرهاقهم للبلاد وكانوا يتسابقون في خدمتهم وهل نسوا صمتهم عليهم وهم يبنون ويبثون شبكات المخدرات في البلاد لا نزال نعاني منها الى اليوم ولعلهم نسوا مشاركتهم في تمزيق الجيش الوطني سنوات التسعينات؟”.
وتابع المكي: “إن الإلحاح على العدالة الانتقالية ليس غايته الانتقام بل المصالحة وإظهار الحقيقة وإعادة الاعتبار للشعب وللضحايا والحيلولة دون عودة تلك الممارسات عبر الأسوء من جماعة النظام السابق ومنعهم من تسميم مستقبلنا. العدالة الانتقالية قضية مستقبل قبل أن تكون قضية ماضٍ”.
وكان سياسيون تونسيون اتهموا هيئة الحقيقة والكرامة بمخالفة الدستور والضغط على القضاء، عقب إعادة محاكمة وزراء ومسؤولين في نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، سبق أن خضعوا للمحاكمة وتم الإفراج عنهم، أبرزهم وزير الداخلية الأسبق أحمد فريعة.
فيما نفت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين مخالفتها للدستور، مشيرة إلى وجود عدد من القضايا الأخرى المتعلقة بفريعة، من بينها “اغتصاب” عشرات الشبّان والفتيات في وزارة الداخلية، حين كان على رأسها خلال الثورة التونسية، مشيرا إلى أنه يتوجب على فريعة المثول أمام القضاء مجددا لإثبات براءته من هذه التهم.