عندما أصدر رأس النفاق في المدينة عبد الله بن أبي بن سلول تهديده بإخراج المسلمين من المدينة قائلاً: «والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذل»، استأذن عمر بن الخطاب الرسول في قتله، خاصة عندما أكد القرآن التهمة ضده. رد صلى الله عليه وسلم: «دعه، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه».
وتشير هذه الرواية إلى الأهمية التي كان الرسول الكريم يوليها للرأي العام، حتى في ظل الوقائع والحجج التي تدين المتهم. فالنفاق شر عند الله تعالى من الكفر، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار. وبحسب القرآن، الذي رصد المنافقين وشرورهم بتوسع، وكاد أن يسمي بعضهم، فإن هذه الفئة شكلت خطراً روحياً ومعنوياً وسياسياً كبيراً على الأمة الإسلامية الوليدة، لأنها تشن هجماتها من الداخل، بلا كلل أو ملل، وتقوض البنيان من قواعده.
وقد ثبتت على الرجل المعني جريمة إضافية، وهي تهديده بافتعال حرب أهلية، وتقسيم المسلمين على أساس فئوي بغرض القضاء على الإسلام وإخراجه من يثرب، وهو عين ما كانت قريش تسعى إليه. ولكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم رأى أن الصبر عليه أهون من الإساءة إلى سمعة الأمة الإسلامية بإعطاء الانطباع (مهما كان خاطئاً) بأن الأمة منقسمة على نفسها، وأن هناك صراعات داخلية تشبه تلك التي تقع بين زعماء الدول وأتباعهم بسبب الهوى والفتن.
وبهذا الفعل، الذي يعكس كذلك التسامح، لأن الرسول أم صلاة الجنازة على هذا الرجل الذي عاش ومات كارهاً لدين الله، فإن مؤسس هذا الدين جعل الحفاظ على سمعة الأمة الإسلامية بين العالمين، والبعد عن كل مسلك يثير الشبهات في حقها، من أمهات مبادئ شريعة الإسلام. وقبل ذلك فإن القرآن حذر بنفس المنطق من نقض العهود، من ناحية المبدأ أولاً، ولكن أيضاً لأن نقضها يشوه صورة المسلمين وعقيدتهم، ويصد الآخرين عنها، كما جاء في سورة النحل: «ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله».
عليه فإن أي مسلك يشوه صورة الدين ويكون ذخيرة لأعدائه، سواءً أكان محقاً مثل معاقبة «الطابور الخامس»، أو باطلاً مثل نقض العهود، هو من الكبائر عند الله تعالى. وهذا يقودنا إلى الهرج والمرج الذي ساد أخيراً بسبب حكم جائر على فتاة سودانية اتهمت بالردة عن الإسلام، وحكم عليها بالإعدام، رغم ما أحاط هذه التهم من شبهات، تبدأ بعدم التأكد من هوية الفتاة، يعتبر من الكبائر التي أساءت وتسيء للإسلام.
فكما هو معلوم، أصدرت إحدى المحاكم في ضواحي مدينة الخرطوم الشهر الماضي حكماً بإعدام سيدة تدعى مريم إبراهيم حكماً وتطليقها من زوجها ثم معاقبتها بأثر رجعي على جريمة الزنا. ويأتي هذا الحكم في أعقاب اعتقالها وزوجها في ايلول/سبتمبر الماضي بناءً على دعوى من شخص ادعى أنه شقيقها، وأن إسمها الحقيقي هو أبرار الهادي محمد إبراهيم، وأنها مسلمة الأبوين، وقد ارتدت عن الإسلام وتزوجت مسيحياً. ولكن الفتاة قالت بأنها نشأت مسيحية، وكانت تتعبد في الكنيسة الكاثوليكية منذ صغرها، وقد تزوجت في الكنيسة على الملأ قبل عامين ورزقت طفلاً عمره عشرون شهراً. وبالمقابل فإن أقوال الشاكين تضاربت حول كثير من جوانب القضية، خاصة عن فترة غيابها، حيث زعم أحدهم أنها اختفت منذ شهر، بينما قال أمثلهم طريقة أنها اختفت منذ ثمانية عشر شهراً، وهو لا ينسجم مع حقيقة أن لها طفلا عمره عشرون شهراً.
هذه التضاربات كانت شبهة كافية لأن ترد المحكمة الدعوى، خاصة وأن المحكمة قد ارتكبت فعلاً شائناً عندما برأت زوج المتهمة من تهمة الزواج غير الشرعي والزنا، بينما أدانت الزوجة بتلك التهمة، وهو لعمري من الغرائب، فكيف يكون هناك فعل زنا له طرف واحد!
ولكن بفرض أن التهمة كانت صحيحة، وأن الفتاة قد ارتدت فعلاً عن دينها، فإن الحكم يستوفي عدة أركان من الصد عن سبيل الله. فهو أولاً نقض للعهود والمواثيق، وأولها الدستور السوداني المستند إلى عهود ومواثيق نيفاشا، وما يضمنه من حرية المعتقد والتعبد والجهر بذلك لكل مواطن سوداني.
وقبل ذلك وبعده فإن السودان من الموقعين على المواثيق الدولية التي تضمن حقوق الإنسان ومنها حرية العقيدة. وليس عدلاً أن نقبل نحن معشر المسلمين أن يدخل الناس في دين الله أفواجاً في كل بقاع الدنيا، وأن توجد جاليات مسلمة في كل دول العالم، نطالب محقة باحترام حقوقها الدينية، ثم نحرم هذه الحقوق عندنا. فكيف يثور المسلمون إذا حرمت فرنسا النقاب، أو منعت سويسرا بناء المآذن، ويرون هذا من الافتئات على حرية التدين، ولكنهم يرون مبرراً منع الأفراد اختيار دينهم؟ ألا يجعلنا هذا من المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون؟
وإذا تجاوزنا عن كل هذا فإنه حتى القانون السوداني بصيغته الحالية لا يجرم تغيير الدين والردة، ما لم يتضمن ذلك المجاهرة والترويج للخروج عن الإسلام، وهو ما لم تفعله الفتاة المتهمة، ولكن المحكمة فعلته. فهي بالحكم على هذه الفتاة جعلت قضيتها قضية دولية، يتحدث فيها زعماء الدول وكبار مسؤولي الأمم المتحدة. وستتمتع الفتاة بعد انتهاء هذه القضية وإطلاق سراحها (وهو أمر حتمي) بمقام البطولة في كل أنحاء العالم، وستتسابق الدول الغربية على استضافتها والاحتفاء بها. وهذا بدوره سيشجع كثيرين على الاقتداء بفعلها، والترويج للخروج عن الإسلام، حتى لو لم يكونوا صادقين. ففي هذا العصر الذي يستقل فيه الشباب قوارب الموت هرباً باتجاه أوروبا، أي سلعة ستصبح أكثر رواجاً من إعلان الردة عن الإسلام في السودان حتى يحاكم الإنسان ويشتهر، فتفتح أمامه الأبواب؟
يمكن أن نزعم هنا أننا أمام إشكالية قانونية، تتمثل في عشوائية وأخطاء تطبيق القانون (كيف يجوز أن تفتح قضية مثل هذه ذات أبعاد دولية من قبل أفراد وفي محكمة طرفية، وكيف يجتزأ تطبيق القانون بهذه الطريقة؟). ولكن المشكلة أعمق من ذلك.
فقد أدمن النظام الحالي الممارسات المسيئة للإسلام، بداية من تصوير التجاوزات في حروب الجنوب ودارفور على أنها جهاد في سبيل الله، مروراً بمهزلة لعبة الدب المسمى محمداً، ونهاية بالتغطية على الفساد والإجرام باسم الإسلام.
هناك إذن خلل منهجي، وليست أزمة عارضة، في الرؤية والممارسات، لا بد من النظر في أصلها. فإذا كان الدين الإسلامي يقول بألا إكراه في الدين، ويؤكد على احترام العقود والمواثيق، وينهى عن قتل النساء والأطفال والعدوان على الأبرياء، ويشدد العقوبة على أكل أموال الناس بالباطل، فكيف تكون هناك فئة تدعي الدفاع عن حياض الدين ولكنها توجد دائماً حيث نهاها الله وتغيب عن حيث أمرها؟ في هذه الحالة، فإن مرجعنا أيضاً هو القرآن الكريم وقوله عز من قائل: «قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين».
٭ كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن
د. عبدالوهاب الأفندي
شكرا يا دكتور..فمشكلتنا ليست هى ان الفتاة تنكرت لاهلها وارتدت عن دينها
ولكن الجماعة الله لا غزا فيهم بركة معالجتهم للخطأ بخطأ افظع منه هو ما يسىئ
للاسلام والمسلمين .
ليس لدينا غير حسبنا الله ونعم الوكيل واللهم لا تمحننا لا تبلينا.
ايها المبدع الدكتورعبد الوهاب الافندي مقالتك تاخذ بالعقل والقلب مقالة اهتف لها من قلبي ذاك اني شاهدت دوما كيف يتم اغتيال القيم الروحيةالرفيعة (برجال دين ) لهم شهرة ومنابر وفقههم (بدوي ) نصي لا ياخذ بالمقاصد العامة للشريعة الاسلامية ويفهم فهما مجتزءاشنيعا ويتحجج بالتاصيل الفقهي لشرعنة ( فتاوى عجيبة اقل ما يقال فيها انها ( الفتاوي ذات البلاوي ) ، حد الردة في الاسلام سببه درء الفتنة لانه في حال قيام دولة اسلامية يحق للمسيحي واليهودي الحصول على جنسية الدولة الاسلامية ( وهي الاسلام ) ويتمتع بحقوق استثنائية فالمسالة لا تتعلق بحرب دينية على حرية الاعتقاد ولكن تتعلق بعدم تحويل (الردة العلنية ) الى عمل ممنهج سيء الاغراض (لانه معروف انه في الدولة الاسلامية من الممكن ان (يكتم ردته ) ويتمتع بكافة حقوقه ولكن النحو نحو الاعلان والاصرار والتجييش على الردة هو ما اراد الاسلام تقنينه في دولة اختار شعبها الاسلام دستورا ، وهذا كله كما تفضلتم في حال عدم وجود معاهدات ثنائية الخلط قائم بين فكرة لا اكراه في الدين وبين حد الردة ويطرح هذا الخلط جدلا حقوقيا ( محقا ) في قضية حرية الاعتقاد ، اسجل اعجابي الشديد بالمقالة اتمنى على الدكتور عبد الوهاب ان يكتب لنا مقالا قيما في موضوع الفتنة الطائفية وزارة المستضعفين ، عاصفة الثار ، ام ذر الغفارية
جريحة فلسطينية منشقة عن المنظمة التي اساءت هي وغيرها للاسلام العظيمفي الملف السوري
جزاك الله خيراً على هذا المقال الرائع .حقيقةً ومنذ نشر هذا الخبر في لقدس العربي منذ اسبوعين وجميع المعلقين اجمعت على جهل المسؤولين في نظام البشير بل وحتى تآمرهم على الأسلام ، فلقد دلت كل الشواهد على هشاشة القضاء السوداني واستخدامه لتنفيذ مآرب النظام .ولقد أحسنت صنعاً حين ذكرت الآيات القرآنية الحاكمة التي تصب في صلب الموضوع فتباً لهكذا أنظمة ولا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدو الغنم
وبعد ايام سيتم اطلاق سراح هذه السيدة بعدما صنعوا منها اسطورة
أولا الشكر لكاتب هذا المقال / د: عبدالوهاب الأفندي
بداية احب ان نقول رائينا في قضية المدعوة مريم المتهمة بالرده حسب علمي وبعد الرجوع الي بعض أحاديث وكلام اهل العلم والمتخصصين والمتفقهين في ديننا الحنيف في حكم الردة ان جزاء المرتد أو عقابه يكون عند المولى عز وجل يوم الحساب وانه لا توجد عقوبة دنيوية
والحكم على هذة السيدة وفي هذا التوقيت من قبل المحكمة هو بئعاز من الدولة حتى تصرف الناس عن أمور اهم الا وهي الفساد وإطلاق الحريات وأشياء أخرى اهم حتى يركز الإعلام على هذة القضية دونها من قضايا اهم
فلذلك أرجو من الأخوة الصحفيين والكتاب ان لا ينصرفوا عن القضايا الأهم داخل السودان
لست متفقها فى الدين لكن لدى دراية بأمور دينى الأساسية وأن كنت أميل لرأى الكاتب واذا دخلنا الى لب القضية حيث أستدل الكاتب بتناقض أقوال الشهود (أختفت منذ شهر والاخر منذ 18 شهر) وهناك شىء أساسي ومهم فالسيدة مريم -أبرار تنكر أنها أخت الشاكى الذى يدعى أنها اخته وأسمها أبرار لماذا لا تستعين المحكمة بتحليل “الحمض النووى” مفتاح حل القضية بأكمله فأما أخوها كاذب وأما هى كاذبة ثم لماذا لا يستعان بالطب النفسي والرقاة الشرعيين فى القضية لدى أحساس بأن البنت أما أنها تعانى من مرض نفسى أو مسحورة هذا والله أعلم.
مقال موضوعي ولكنه ايد سكوتا ما جاء في القانون السوداني الذي عدل بأن يقتل من يخرج وخروج للخروج وهذه أخطر من سابقة لكونه يوحي للبعض أن يجرم بالرده كل من يكتب في الإعلام أن الإسلام لا يقتل المرتد ، مما يجوز أن يعتبره القاضي ترويجا للرد
أن الذي يرتد وخروج للرده يقابل بالحجه لا يقابل بالقتل والدليل قول الله تعالي (آمنوا اول النهار وأكثرها آخره لعلهم يرجعون) وهم يهود خططوا للدخول في الإسلام ليرتدوا عنه في نفس اليوم ترويجا ليرتدوا المسلمون أسوة بهم ، فهل قتلهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ، كلا فهو عليه السلام ، يستند الي مرجعية القرآن ذاتها ( ومن ينقلب علي عربية فلن يضر الله شيئا) و(ومن يتردد منكم عن دينه فيما وهو كافر فقد حبيت أعماله في الدنيا)و(ومن يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) و(أن إلينا ايابهم ثم إن علينا حسابهم) من الملاحظ أن جماعة الإسلام السياسي تأخذها العزة بالاثم لسكوتهم حين قتل نظام النميري الأستاذ المرتد محمود محمد طه ، فلا يودون الرجوع للحق والاعتراف بخطاهم ، ولكنهم
أرادوا تبرير فعلتهم حين شرعوا هذه المره لقتل المرتد المروج لإثبات صحة قتل محمود محمد طه بحسب انه كان منتدى مروجا!؟ إن حرية الفكر والترويج له هي من ثوابت الإسلام وهي تكفل للكافر أو المرتد نفس الحرية للترويج لما يعتقد ، فالحجه والحكمه والموعظة الحسنه الإسلامية تيار جارف لن وئام عليه عدد محدود من المرتدين ولن يضر الله شيئاً وإنما الضرر هو التضليل والإرهاب الفكري الذي يتم باسم الدنيا الإسلام منه براء فليقل الأفندي رأيه واضحا في قضية محمود محمد طه ومن قانون الردة الحالي