إسرائيل والأرقام القياسية

«السذاجة الأمريكية سجلت أرقاما قياسية» … قائل هذا الكلام ليس مناضلا متشنجا ضد سياسات واشنطن بل وزير في الحكومة الإسرائيلية هو غلعاد أردان العضو في المجلس الوزاري المضيق للشؤون السياسية والأمنية.
أما المناسبة فلا تعدو أن تكون الموقف الأمريكي بالتعامل مع حكومة التوافق الفلسطينية ومواصلة تقديم الدعم للسلطة الوطنية مع مراقبة سياستها. حتى السفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرم لم يجد حرجا هو الآخر في تبيان ما يراه غباء أمريكيا في الموقف من حكومة رامي الحمد الله لأن «حكومة الوحدة الفلسطينية هي حكومة تكنوقراط مدعومة من قبل إرهابيين ويجب أن تتم معاملتها على هذا الأساس (…) فمع وجود مسؤولين يرتدون البدلات في المكاتب الأمامية وإرهابيين في المكاتب الخلفية، فإنه لا يجب أن يتم التعامل معها كالمعتاد».
إذن المسألة بدأت تتجاوز مجرد الإعراب عن «خيبة الأمل الشديدة» من موقف إدارة أوباما تجاه الحكومة الفلسطينية الجديدة لتصل إلى التقريع وإعطاء الدروس.
لا أحد يدري حاليا إلى أين يمكن أن يصل الخلاف الإسرائيلي الأمريكي في هذا الشأن لكن الأكيد أن ما جرى فرصة يمكن لواشنطن أن تعي من خلالها المدى الذي وصلته إسرائيل في تجاوز كل الحدود إلى حد التهجم على ولي نعمتها نفسه. لو كان في الحكومة الإسرائيلية بعض عقل لاعتبرت، مثلما كتبت «هآرتس» في افتتاحيتها الإثنين، أن هوية الحكومة الفلسطينية وتركيبتها شأن فلسطيني خالص، وكما أن إسرائيل أو أي دولة أخرى لا تستطيع فرض حكومة معينة على مصر أو الأردن كذلك كان يجب أن يكون التعامل مع الحكومة الفلسطينية.
كما لم يفت الصحيفة التنبيه إلى أن إسرائيل كان يفترض أن تكون من الشاكرين لعدم اضطرارها، كقوة إحتلال، إلى تقديم وتمويل كل هذه الخدمات المختلفة التي تقدمها الحكومة الفلسطينية إلى جموع السكان في الضفة الغربية وغزة.
الموقف الإسرائيلي تجاه حكومة التوافق والصلف الذي اتسم به في تلقي الموقف الأمريكي منها أوضح دليل لواشنطن وللعالم كله على من هو الجاد فعلا في العمل من أجل إنجاح المفاوضات والوصول إلى تسوية متوازنة ومن يحاول التذاكي على الجميع بمحاولة فرض شروطه وتصوراته على الجميع. لقاء الرئيس أبو مازن اليوم بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري فرصة جيدة لتأكيد هذا المعنى وترسيخه ودفع واشنطن للتحرك لتجاوزه إن كانت هي بدورها جادة طبعا.
لا يمكن لإسرائيل أن تبقي المفاوضات التي بدأت قبل عشرين عاما عملية مفتوحة إلى الأبد ولا أن تحاول أن تفرض على حليفها الأول وعلى بقية العالم رؤيتها القاصرة لما يجب أن تكون عليه الأشياء. ما فعلته واشنطن وقبلها أوروبا بخصوص عدم الرضوخ للابتزاز الإسرائيلي في النظر إلى حكومة التوافق وإنهاء الإنقسام الفلسطيني بداية تبدو واعدة في هذا الاتجاه. بإمكان الساسة الإسرائيليين أن يواصلوا إدمان التسويف واختلاق الأعذار لإنهاء احتلالهم عبر التهرب من أي التزامات في هذا الاتجاه، مهما بدت محدودة أو متواضعة، لكن ما لم يعد مقبولا بالمرة أن تظل واشنطن أو العالم رهينة أجندة تريد إسرائيل رسمها بمفردها ورغم أنف كل العالم.
تحية للرئيس عباس على صبره وتحمل الأذى من أجل الوصول إلى هذه الحكومة، تحية لحماس على مرونتها واستيعاب ما كان يفترض أن تستوعبه قبل سنوات، وتحية لهما معا لأنهما جعلا العالم كله يقف بالمكشوف كيف بلغت العنجهية الإسرائيلية أرقاما قياسية.

محمد كريشان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد الكريم البيضاوي. السويد:

    الأخ محمد.

    أنت صحفي متميز من الشقيقة تونس, حبذا لو كرمتنا ببعض المقالات والتحاليل عن قضايا ومشاكل الدول المغاربية مثلا أو أخرى من عالمني العربي للتنويع والإفادة.

    الأخبار المتداولة يوميا بالطبع مهمة, لكن غالبا ماتكون المقالات والتحليلات متشابهة جدا.

    وشكرا.

    1. يقول محمد كريشان/ تونسي - قطر:

      ملاحظة وجيهة شكرا لكم

    2. يقول عبد الكريم البيضاوي. السويد:

      Reply
      محمد كريشان/ تونسي – قطر

      الشكر لك الأخ محمد على الإجابة.

      تحية لك ويومك سعيد.

  2. يقول حازم أدهم .:

    أمر مُحيّر والسؤال : نظن أن الجانب اليهودى اجتاز أحد طريقين يحمل علامة :
    ” الطريق إلى > زرع مزيد من الألغام فى وجه أى حل سياسى ” صحيح ؟
    الجانب اليهودى على ما يبدو فى كل مرة نراه ” تائهاً “، فوق المساحة التى يحتلها ،
    وأمر صعب أن يراك العالم تائهاً حتى وأنت تمتلك سلاحاً نويياً .

  3. يقول سامح // الامارات:

    * الطريف والمضحك والمبكي في نفس الوقت أنّ ( اسرائيل الخبيثة )
    عطلت مسار ( التسوية ) السلمية وقيام ( الدولة الفلسطينية ) لسنوات بحجة
    ( الإنقسام الفلسطيني ) ؟؟؟!!!
    * الآن : تقوم اسرائيل الخبيثة المجرمة بنفس اللعبة القذرة المملة
    تعطيل المسار والتسوية بحجة ( الإندماج الفلسطيني ) ؟؟؟!!!
    * يعني : الخبيثة لا عاجبها ( الإنقسام ) ولا عاجبها ( الإندماج ) ؟؟؟
    * الله يعينك يا ( أبومازن ) أكيد حالك يقول ( إحترت أبوسك منين يا أقرع ) ؟؟!!
    شكرا والشكر موصول للأخ الكاتب .

إشترك في قائمتنا البريدية