■ «اللهم لا شماتة».. كلمة نكثر من استخدامها في بلادنا حين يصاب بمكروهٍ أو علةٍ عدونا أو منافسنا، أو أي شخصٍ دون ذلك في الأهمية، ممن قد يتصادف تنافي مصلحتنا معه أو مجافاتنا له، كزوج الأم أو الضرة، وما ذلك إلا لندفع عن أنفسنا شبهة إضمار شعورٍ قيل لنا ونحن نكبر أنه معيبٌ قبيحٌ لا يليق بمن يتوفر على أدنى قدرٍ من الكرامة وعزة النفس أو الدين القويم.. هذا بالطبع ينطبق على أولئك الذين تلقوا أي تربية ومن يكترثون بمسميات كهذه ومفاهيم كعزة النفس الخ؛ إلا أننا جميعاً ندرك، دونما أدنى حاجة إلى التدقيق أو التعمق، أن من يقدم لكلامه أو يختمه بهذه الكلمات «اللهم لا شماتة» إنما يصدر عن شعورٍ طاغٍ مستعرٍ من الشماتة والكراهية والحقد الأسود، التي تود لو أن الشخص محل الشماتة التهمته النيران، غير الصديقة! وليس في ذلك ما يدهش حقيقةً على شعوبٍ مقموعةٍ مسحوقةٍ مسلوبةٍ محتلةٍ تاريخياً تدمن النفاق، بينما تعيب على الآخر (الغرب في هذا المضمار تحديداً) ازدواجية المعايير، ورحم الله خليل حاوي حين قال:
«نحن من بيروت مأساة ولدنا بوجوه وعقول مستعارة
تولد الفكرة في السوق بغياً ثم تقضي العمر في لفق البكارة»
وإذا كان ما أقول يبدو ملغزاً لأي شخصٍ أو مبالغاً فيه لدى المتحمسين ومرهفي القلب ممن يأنفون من ذكر شعوبنا بسوء، فلست في حاجةٍ إلى أن أرهق نفسي بالبحث عن الحجج والقرائن لإقناعه، فقط أحيله إلى الواقع المصري إبان فوز الرئيس (كان فريقاً ومن ثم مشيراً) السيسي.
فكل رافضي حراك الناس الثوري مفهوماً وحدثاً، سواءً ممن تأثروا سلباً به أو سقطوا فريسة الإعلام المضلل، وممن يناصبونه عداءً متأصلاً لاستفادتهم من شبكة الفساد المركبة وأذرعتها الإعلامية الممتدة الكثيرة، أو عن جهلٍ بالصيرورة الاجتماعية – الاقتصادية التي تؤدي إلى الثورات، كل أولئك شامتون شماتةً صاخبةً لا قرار لها في كل من تحمس للثورة، مفهوماً وحدثاً أيضاً، ومازال يؤمن بها وبحقها.
لقد كتبت في ما مضى عن ذلك التحالف الضخم الذي خاض 30 يونيو، وأكدت قناعتي بأنه آخذٌ في التحلل، إلا أن الكلام لا تكتمل دقته بدون الإشارة إلى كون قطط عصر مبارك السمان، من المنتفعين والمحاسيب المترابطين بشبكة علاقات ومصالح معقدة ومتشعبة ويسيطرون على الإعلام بصورة شبه مطلقة، هم الذين قاموا بالدور المحوري في مسيرة الأحداث التي أفضت إلى انتخاب السيسي، بالطبع بمساعدة أجهزة الدولة العميقة. إنجازٌ حقيقي ومجهودٌ جبار لا بد من الاعتراف، فقد قاموا بخلق ونسج كتلة ضخمة من المقولات والتفسيرات والافتراءات والاختلاقات والوقائع المزيفة والأخبار المرسلة، فخلطوا الحابل بالنابل والصدق بالكذب، وطنطنوا بأنصاف الحقائق وسوقوا للآراء كونها حقائق ثم ختموها بأسطورة القائد البطل المفدى والنتيجة: واقعٌ موازٍ.. واقع لاواقعي، اصطناعي، يبدو لمتلقيه عبر كل مصارف وسائل الإعلام وابواقه حقيقياً صادقاً ناصعاً كالشمس، لا مراء فيه.
ليس هنا المجال لتحليل تلك الظاهرة الإعلامية المدهشة، التي تشكل إنجازاً في حقيقية الأمر يباري ما تمكن منه غوبلز وزير الإعلام النازي، وإنما يكفي أن نقول ان جل المراد قد تحقق بوصول الرئيس السيسي لكرسي الرئاسة رسمياً، لأنه كما نعلم وأصر لم يكن يدير شؤون البلاد.. ليس معنى ذلك أن الإعلام توقف أو سيتوقف عن التصفيق والترويج، فذلك الفوز مجروح بمعنىً ما.. لا أعني التزوير على الإطلاق، وإنما يكفي مد التصويت وتلك الحملة البذئية والمسعورة من الإعلاميين يستنهضون الناس على النزول للمشاركة وتضارب الأنباء عن نسب المشاركة، إلا أن الرجل وصل إلى الكرسي.. ذلك واقعٌ لا مراء فيه ولا بد من التعامل معه، وقد بدأ الآن وقت المساءلة والمحاسبة.
إن كل من انتخبوا السيسي ينتظرون منه شيئاً أو أشياء، فسقف التوقعات عليه عالٍ للغاية، رفعه الإعلام وأصحاب المصالح (ولم يفطنوا إلى أنهم بذلك يسيئون إليه).. والمتحمسون الذين رأوا فيه واسقطوا عليه كل آمانيهم القومية وتصوراتهم التحررية، وقد غازل الرجل الحالمين والبسطاء من أبناء هذا الشعب، وأعني بالبسطاء كل أولئك الذين ينشدون الأمن والاستقرار ورواج الحال.. أما ذوو المصالح فلا نعلم بما دار بينه وبينهم.
الكل يتصور أن السيسي جاء لينقذه ويخلصه مما هو فيه، وعوضاً عن المصباح خرج له من بطن دبابة.. ناهيك عن أولئك (وهم كثر في الحقيقة) ممن يتحدثون عنه وبلسانه بثقة من منطلق أن «السيسي صديقي».
لكن الواقع سيفرض نفسه، لن يستطيع الرجل أن يكون «صديق» الكل.. فإما عدالة اجتماعية وإما حرية للمستثمرين ورجال الأعمال الكبار، وفي بلادنا هؤلاء لا يريدون أن يدفعوا شيئاً..لا يقبلون، بل يشمئزون وتركبهم العفاريت من فكرة «صفقة جديدة» على غرار الـ»New Deal» أو من أي صيغة تتضمن تقديم تنازلاتٍ عن ثروات البلد المجرفة التي استباحوها وكنزوها في خزائنهم مقابل الاستمرار. هؤلاء دعم كثيرون منهم السيسي وسخروا له قنواتهم الإعلامية ولا نعلم بدقة مدى مشاركتهم العينية في حملته، إلا أن إسهامهم ودورهم في إيصاله إلى سدة الحكم محوري وأساسي.. وهم ينتظرون التعويض والمكافأة.. يريدون العودة إلى ما قبل 25 يناير كما تريد أجهزة الأمن التي عاقبت الناس طيلة ثلاث سنوات، الانتقام.
لن يستطيع السيسي أن يرضي الكل، وإن حاول فسيخسر كل الأطراف.. عليه أن يختار.. عليه أن يقتص من طرفٍ للآخر، ولا بد من التأكيد على أن أسطورة «تخليص الدولة من حكم الإخوان» و»محاربة الإرهاب» التي دفعت بمؤيديه والمقتنعين بهذا النهج لانتخابه لن تستمر إلى الأبد.
لقد وصل السيسي إلى الحكم بأغلبيةٍ في الصناديق، وأنا لن أجادل في هذا، كما لن أجادل في أنه مازالت له شعبية يعتد بها، على الأقل حتى الآن.. لكن ذلك يعني أن وقت الحساب والوفاء بالوعود والاستجابة للمطالبات قد آن.. وقد يفيده التذكير بكم من الأساطير قد تآكل وذبل على مر العصور وكم سقط من «الصناديد» والآلهة.
٭ كاتب مصري
د. يحيى مصطفى كامل
” اللهم لا شماتة ”
السيد السيسى كان بإمكانة ان يظل وزيراً للدفاع الى ماشاء الله و فى نفس الوقت يكون الحاكم الفعلى للمحروسة ……ولكن طمعة وقصر نظرة ومحدودية قدراتة العقلية زين لة طريق اللى يروح مايرجعش ولكنة مكر الله وما ادراك ما مكر الله ( وتمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )
آن الأوان اننا نقعد ونسترخى ونتفرج على العرض الكوميدى والذى لن يذيد عن سنة واحدة الى ان يجئ يوم الخلع ونقول من كل قلوبنا….
اللهم لا شماتة
يا سيد كامل الشماتة كما قلت ليست من شيم الاحرار!
لكن بصدق وبكل صراحة سنشمت بكل ما اوتينا من حقد عند سقوط كل ديكتاتور
الا يحق للضحية ان تعبر ولو بابتسامة على سقوط جلادها !
” تولد الفكرة في السوق بغياً ثم تقضي العمر في لفق البكارة ” هذه العبارة يا استاذ يحيى تصلح لأن تكون عنوانا لمجلد او كتاب يحكي فيه المؤلف مدى تدهور القيم عند الانسان العربي بعد ان تمزق شمل الأمة الاسلامية !! وصار قادته (على جميع المستويات) عبيدا للأجنبي !!
نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله!!
الأخ المحترم سامي
الآية الكريمة : ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
أحسنت بتعليقك فمصر لقمة كبيرة في فم السيسي وأنصاره يغصوا بها
وسيرى الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
ولا حول ولا قوة الا بالله
قال تعالى: “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”
الاخ داود شكرًا لتصحيح الآية الكريمة