الاستراتيجية السعودية لمواجهة ايران

حجم الخط
0

الرياض ـ «القدس العربي»: لم تأت التغييرات التي احدثها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده ووزير دفاعه الامير سلمان بن عبد العزيز في قيادات وزارة الدفاع والجيش السعودي، الا بهدف اعادة ترتيب اوضاع الجيش السعودي ليصبح اكثر كفاءة وقدرة ليصبح القوة العسكرية الضاربة والاقوى في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي. فبعد نحو ثلاث سنوات من استلامه لوزارة الدفاع السعودية تيقن الامير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي، ان الجيش السعودي ليس بحاجة فقط لاسلحة متطورة عسكريا وتقنيا، بل بحاجة الى تجديد دماء قيادات هذا الجيش وكبار ضباطه، لاسيما الذين ترهلوا وفسدوا.
فخلال مرض ولي العهد ووزير الدفاع السعودي السابق الامير سلطان بن عبد العزيز ووفاته اصاب الجيش السعودي الفساد والترهل، ولم يستطع هذا الجيش خلال معاركه مع مجموعات مسلحة من المتمردين الحوثيين في اليمن (الذين عبروا الحدود السعودية في تشرين الثاني /نوفمبر عام2009) من حسم المعركة الا بعد اكثر من شهرين وفقد العشرات من القتلى والجرحى رغم استخدامه للطيران والقوة المفرطة.
وفي السنوات الاخيرة جعل تنامي القدرات العسكرية الايرانية السعودية ترى ان ايران اصبحت هي الخطر الرئيسي عليها وعلى المنطقه الخليجية، ومما زاد المخاوف السعودية شعورها ان الولايات المتحدة (الحليف الاستراتيجي الفارض وصايته وحمايته العسكرية على المنطقة)، اصبحت في عهد الرئيس اوباما لا تريد ان تحارب عن الاخرين، وهي على الاقل تريد شركاء لها في تحمل اعباء حماية المنطقة.
في الاجتماع الخليجي المشترك قبل اقل من شهرين مع وزير الدفاع الامريكي تشيك هاغل اكد ولي العهد ووزير الدفاع السعودي على مسؤولية الولايات المتحده في الحفاظ على امن الخليج ومصالح دوله ضد التهديدات والتدخلات الايرانية، ولكن وزير الدفاع الامريكي، رغم تقديمه ضمانات بأن واشنطن لن تتخلى عن مصلحتها في حماية أمن دول المنطقة ضد اي اخطار ايرانية، ولكنه طالب الدول الخليجية بمبادرات ليكون شريكا في هذه المسؤولية، اي ليس الاعتماد على الولايات المتحده فقط وقدم للخليجيين مقترحات لمبادرات عسكرية خليجية امريكية مشتركة.
ويلاحظ ان هذه المقترحات اساسها ان تسعى دول الخليج لتنمية قدراتها العسكرية المشتركة ايضا.
ورأت الرياض ان هذا يتطلب منها فعلا تطوير قدراتها العسكرية وعدم انتظار ان توافق دول مجلس التعاون الخليجي على مشروع لاقامة جيش خليجي موحد طرحته قبل اربعة اعوام التحالف مع مصر في ظل هذه المعطيات وجدت الرياض انه لابد ان تعيد مفهومها الاستراتيجي العسكري، على اساس بناء جيش سعودي بقدرات عسكرية ضاربة وقادرة على ردع التهديدات الايرانية، وان تكون هذه القدرة العسكرية – بالتحالف مع مصر- هي الاساس لتحقيق توازن استراتيجي اقليمي يمنع سعي ايران لان تكون هي القوة الاقليمية الاقوى في المنطقة وهذا يفسر الاندفاع السعودي نحو مصر والتأييد الشديد للمشير عبد الفتاح السيسي، فهو من المؤسسة العسكرية والقادر على تحقيق تحالف عسكري وسياسي مصري خليجي يحقق نوعا من توازن القوى في المنطقة الخليجيه والعالم العربي.
ففي السنوات الاخيرة الماضية – وحتى في اواخر عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ضعف الدور المصري في المنطقة والعالم العربي، واستفردت ايران بالمنطقة، وبعد ما سمي بثورات الربيع العربي وحالة الفوضى التي عاشتها مصر تحت حكم الاخوان المسلمين، وجدت السعودية نفسها وحيدة في مواجهة تمدد النفوذ الايراني في المنطقة، ليس في العراق وسوريا ولبنان فقط، بل اخذ الايرانيون يدقون ابواب الخليج محاولين تهديد السعودية من خلال البحرين وتبني معارضتها وفرض الوصاية على شيعة اهل الخليج، وكذلك اثارة القلق الامني للسعودية من خلال دعم المتمردين الحوثيين اليمنيين وتقوية شوكتهم وقدراتهم العسكرية ليفرضوا نظامهم في اليمن الذي لاشك انه سيكون معاديا للسعودية.
ووجدت السعودية انها لوحدها في مواجهة ايران في العراق وسوريا ولبنان، عسكريا وسياسيا، والمشكله انها لم تحقق اي نجاحات في سياستها في مواجهة التمدد الايراني، ففي العراق ان دعمت السنة فان من يستغل هذا الدعم هو تنظيم «داعش» الارهابي والذي تعتبره عدوا لها، وفي سوريا دعمت الائتلاف السوري المعارض ومجموعاته المقاتلة ولكنها تجد ان المجموعات الاسلاميه المتشددة مثل جبهة النصرة هي التي تسيطر على الارض هناك، وفي لبنان لم تجد السعودية حليفا سنيا قويا قادرا على مواجهة نفوذ وسيطرة حزب الله على لبنان مثل حليفها السايق الرئيس رفيق الحريري. وحتى على المستوى الخليجي فان الرياض وجدت ان اقامة جيش خليجي موحد من خلال تنمية القدرات التسليحية والبشرية لقوات درع الجزيرة تواجهه العديد من العقبات، واولها عدم وجود ارادة سياسية عند بعض الدول الاعضاء في مجلس التعاون لمثل هذا المشروع، والغريب ان سلطنة عمان التي كانت متحمسه لمشروع اقامة جيش خليجي موحد قبل عشر سنوات – واعدت دراسه ومقترحات لذلك – اخذت تعارض مثل هذا المشروع، ويبدو ان السلطنة اصبحت لاتريد ان يبدو مجلس التعاون الخليجي حلفا عسكريا موجها ضد ايران والسعودية، وكانت قد جمدت قبل عشر سنوات مشروع اقامة الجيش الخليجي الموحد، داعية الى تطوير قوات درع الجزيرة بتخصيص وحدات عسكرية مختلفة (برية وبحرية وجوية) من جيوش دول المجلس، تتجمع اوتتدخل، عند تعرض اي دولة عضو لخطر خارجي.
ولكن الرياض ادركت ان مثل هذا لن يتحقق، قبل عامين، حين دعت الى تدخل قوات درع الجزيره في البحرين لحماية امنها من مخاطر التدخل الايراني، ولكن لم ترسل غير السعوديه والامارات وحدات منها وامتنعت الدول الاخرى عن ذلك. كل هذه المعطيات جعلت الرياض ترى انها يجب ان تقيم تحالفا عسكريا وسياسيا مع مصر تنضم اليه دولة الامارات يعزز قد راتها العسكرية في مواجهة ايران ونفوذها في المنطقة، ولاقامة هذا التحالف والمراهنة عليه لابد من استعادة مصر ودورها والعمل على حل مشاكلها الاقتصادية والمساعدة في تنمية قدرات جيشها بالحصول على اسلحة من مصادر روسية او غيرها وهذا يفسر هذا الاندفاع السعودي نحو مصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية