رأي القدس تتكثف الجهود الدولية هذه الايام من اجل ايجاد مخرج سلمي للازمة السورية، بعد ان بات واضحا ان الدول الغربية، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، ليست متحمسة او حتى راغبة، في اللجوء للتدخل العسكري الذي تطالب به بعض شخصيات المعارضة السورية، وتضغط من اجله دول عربية.هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية طارت الى اسطنبول عصر امس للمشاركة في لقاء عاجل لاصدقاء سورية مؤكدة ان اللقاء سيناقش عناصر لاستراتيجية ديمقراطية لنقل السلطة في سورية دون ان تفصح عن هذه العناصر وربما تركت ذلك للدول المشاركة في اللقاء، وهي بريطانيا وفرنسا والمملكة العربية السعودية الى جانب تركيا الدولة المضيفة.صحيفة ‘الواشنطن بوست’ الامريكية كشفت جزئيا عن هذا التحول في الموقف الامريكي عندما قالت ان كوفي عنان المبعوث الدولي لسورية، اعد خطة طريق لانتقال سياسي يتم التفاوض عليه من خلال مجموعة اتصال موسعة تشمل ايران وروسيا الى جانب دول اخرى، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا والمملكة العربية السعودية وربما قطر ايضا.خريطة طريق عنان تنص على تنحي الرئيس الاسد، وحصوله واسرته على ملاذ آمن في روسيا واجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية واعادة تأهيل قوات الامن السورية وفق معايير جديدة.المفاجأة في هذه الخريطة التي ستعرض على مجلس الامن لبحثها وربما اقرارها، هي ‘اضطرار’ الولايات المتحدة ومجموعة اصدقاء سورية التي تتزعمها للاعتراف بخطأ استبعاد روسيا منذ البداية، والرضوخ لشروط الاخيرة، اي روسيا، بضم ايران الى المساعي الدولية لبحث الملف السوري.السؤال المطروح هو عما اذا كانت روسيا ستقبل بخريطة الطريق هذه اولا، ثم قدرتها على اقناع الرئيس بشار الاسد بالتنحي عن السلطة والتقاعد في موسكو والتأقلم بالتالي مع صقيعها بعيدا عن دفء قصور الرئاسة ومغرياتها.الروس ارسلوا عدة رسائل متناقضة ما زال من غير المعروف ما اذا كانت جدية ام طعما للغرب ابرزها، انها تؤيد النظام السوري ولا تتمسك بالرئيس الاسد، وان ما يهمها هو بقاء النظام، وهذا الموقف اتضح جليا في البيان الروسي ـ الصيني المشترك الذي صدر في اعقاب زيارة الرئيس فلاديمير بوتين لبكين واكد على معارضة البلدين تغيير النظام في سورية وايران بالقوة عبر التدخل العسكري.من الصعب القفز الى نتائج محددة حول خريطة الطريق هذه والتكهن بفرص نجاحها خاصة انها ما زالت مجرد نطفة لم تنم بعد، ولكن ما يمكن استنتاجه ان الدول الغربية، وبعد تصعيد كبير في مواقفها وقرعها لطبول الحرب في سورية بتحريض من دول عربية، بدأت تتراجع وتتجه الى التهدئة خوفا من المستقبل الذي يمكن ان تكون عليه سورية في ظل وجود شبه اجماع بانها متجهة نحو حرب اهلية طائفية، ربما تمتد لسنوات ان لم تكن لعقود.الدول الغربية صعدت تطلعات الشعب السوري بشكل مبالغ فيه، وتبنت انتفاضته، واعترفت بمعارضته، وها هي تتخلى عن هذا الشعب لانها غير مستعدة ان تضحي بجندي واحد من اجل الديمقراطية وحقوق الانسان لسبب بسيط وهو انه لا يوجد في سورية نفط، وانما جيش ما زال متماسكا ودعم صيني ـ روسي ـ ايراني صلب. بمعنى آخر تطبيق النموذج الليبي ما زال غير وارد لاختلاف الظروف، وتجنبا لخسائر مادية وبشرية هائلة حسب التوقعات الاستراتيجية الغربية.الشعب السوري بات ضحية دول عربية عاجزة واخرى غربية تخشى من التدخل العسكري لعدم تكرار هزائمها في العراق وافغانستان، وفشل النموذج الليبي في تحقيق الاستقرار وبناء الحكم الديمقراطي الرشيد.Twitter: @abdelbariatwan